من التطوع.. إلي التبرع.. إلي التضرع.. ورحلاتنا مستمرة
* ما أحلي أن نقضي أيامنا في حقل الخير.. نزرع الأمل ونحصد البركات.. حتي عندما هاجم الفيروس الشرس كوفيد 19 البلاد وتوقفت الحياة ودعت الدولة والكنيسة الجميع للبقاء في البيوت, لم نتوقف عن العمل في حقل الخير.. عشرات الأصدقاء المرضي الذين نتابع علاجهم ونقدم لهم كل شهر شنطة الدواء لم نتخلف عنهم.. عشرات المتألمين الذين نحتضنهم ونرعاهم لم نفارقهم يوما واحدا.. وأيضا أصدقاؤنا صناع الخير الذين يقدمون عطاياهم لم يتوقفوا.. الشيء الوحيد أننا توقفنا عن النشر والإطلالة عليكم من علي صفحات وطني.. وعندما بدأ الأخذ بالعودة إلي الحياة تدريجيا مع الإجراءات الاحترازية رأينا أن نعود لنلتقي معا علي صفحات وطني نسجل واقع عملنا اليومي في حقل الخير.. مصادفة أن جاء هذا -منذ أسابيع- في الوقت الذي خرج علينا قداسة البابا تواضروس الثاني في عظته الأسبوعية بثلاثية جديدة للثقافات الروحية قوامها.. التطوع, التبرع, التضرع..
وقال البابا المعلم: إن هذه الثقافات الروحية يجب أن نزرعها في أولادنا.. وفيما كنا نتابع عظات قداسة البابا كنا نري رحلاتنا علي طريق الخير لأكثر من 35 عاما مسجلة في كلمات قداسته.. واليوم رأيت كما هو جيد أن نسترجع ذكريات رحلاتنا علي امتداد هذه السنوات من خلال رؤية وتعاليم قداسة البابا المعلم الأنبا تواضروس الثاني.
* التطوع .. والطفلة مريم
** البداية كانت رسالة أرسلها قارئ من بني سويف منذ أكثر من 35 عاما, وكنت في ذلك الوقت مشرفا علي باب أخبار المحافظات وحاولت من خلال هذا الباب أن أكون قريبا من القراء مهما بعدت بيننا المسافات, لا أنقل لهم فقط الأخبار, ولكن أيضا أقترب من مشاكلهم وهمومهم لعلها تجد إجابة عند المحافظين وحلا عند المسئولين.. لكن رسالة هذا القارئ لم تكن تحمل شكوي كباقي الشكاوي التي أعتدت أن أتلقاها.. كان يشكو من مرض أصاب عين ابنته مريم يكاد يفقدها بصرها ولا يجد له علاجا..
وهنا رأيت في رسالته دعوة من الرب للعمل التطوعي, وعرضت الأمر علي أستاذنا أنطون سيدهم مؤسس وطني وقائد مسيرتنا.. وكما توقعت تلقي الفكرة بفرح وترحاب, وبادر بتوجيهي من فيض محبته للخدمة كأرخن بالكنيسة القبطية, وللعمل الاجتماعي والتطوعي ورئيس لجمعيات الشبان المسيحية, والأكثر وضع نظاما محاسبيا دقيقا من مخزون خبرته كواحد من أوائل المحاسبين القانونيين المصريين.. وكانت بداية رحلاتنا مع المرضي والمتألمين التي أثمرت ثلاثين وستين ومائة في حقل الخير..
ومع الأيام اتسع حقل الخير ليضم أصدقاء أطلقنا عليهم صناع الخير يقدمون عطاياهم التي منها نعالج المرضي والمتألمين- نحن متطوعون وهم أيضا متطوعون.
البداية تذكرتها وكأنها بالأمس القريب وأنا استمع إلي دعوة قداسة البابا لنزرع في نفوس أولادنا مجموعة من الثقافات التربوية, وكانت أولي هذه الثقافات ثقافة التطوع, وتحدث قداسته عن الإنسان الذي يتطوع ويقدم من وقته وجهده وخبرته وهو فرحان.. دعوة لكل إنسان.. دعوة للكبار والصغار.. وقدم قداسة البابا صورا عديدة وأمثلة من العهد القديم- نحميا- وأمثلة من العهد الجديد -مرافقي السيد المسيح في معجزاته- وأمثلة من العصر المعاصر- الأم تريزا التي خدمت أكثر من 5 ملايين شخص, وما قاله قداسة البابا لمس قلبي فنحن في وطني نعيش ثقافة التطوع, وحجرة مكتبي بمقر الجريدة مكدسة بملفات كثيرة تحمل أسماء أصدقاء اصطحبناهم في رحلات للشفاء والراحة, وتحمل عناوينهم وقصصهم لكن الأهم أنهم محفورون في قلوبنا.. وجاءت كلمات قداسة البابا تذكرني بالبداية.. فشكرا للرب علي دعوته.. وشكرا لقداسة البابا علي تعاليمه.. وشكرا لـوطني ملاذ كل مريض ومتألم.
* التبرع .. ونهر الخير
** قداسة البابا في حديثه عن فضيلة التبرع بدأ كلماته وانتهي من حيث رسالة الرسول بولس الثانية إلي أهل كورنثوس من يزرع بالشح فبالشح أيضا يحصد, ومن يزرع بالبركات فبالبركات أيضا يحصد.. ولعلكم تتذكرون أننا في نهاية كل عام لنا وقفة, أو كما اعتدنا أن نسميها عيد الحصاد, نسترجع فيه عطايا القراء خلال العام, ودائما ما كان الحصاد وفيرا.. الأرقام المسجلة في خانة الميزانيات وعلي صفحات وطني أعلنت بكل الفرح والسرور أن إجمالي عطايا القراء في العام الماضي 2019 كان 304آلاف جنيه, وفي العام السابق 2018 كان إجماليه 362ألف جنيه, وفي العام الأسبق 2017 كان الإجمالي 484ألف جنيه, أما في عام 2016 فقد تجاوز إجمالي الحصاد 391 ألف جنيه, وفي عام 2015 وصل الإجمالي إلي أكثر من نصف مليون 524262جنيها.
ولا أريد هنا أن أعود بكم أكثر من هذا مكتفيا بهذه السنوات الخمس لأنه رقم نعتز به ويذكرنا بالخمس خبزات التي باركها السيد المسيح فأشبع خمسة آلاف رجل عدا النساء والأولاد, ولأننا لا نقدم هنا كشف حساب لكننا نكتفي فقط باسترجاع الذاكرة لنؤكد كم كان أصدقاؤنا صناع الخير من السخاء فغطت عطاياهم احتياجات كل المرضي والمتألمين وفاضت.. ولن ننسي أبدا موقف أصدقائنا العطائين مع إيمانوئيل الذي تجاوزت رحلة علاجه بألمانيا مليون جنيه جاءتنا من عطايا المحبين, ولن ننسي أيضا موقفهم مع الطفلين أندرو وبطرس لعلاجهما من نقص النمو فوصل إجمالي ما قدمه له أصدقاؤنا صناع الخير نحو 670ألف جنيه, ولن ننسي أيضا عطاياهم أيام فيروس كورونا التي فرضت علي الجميع الاعتزال داخل البيوت وامتدت أيام الحظر لتعطل كثيرا من الأعمال وتلقي بظلالها علي دخول كل الأفراد, ومع هذا قدم أصدقاؤنا صناع الخير أكثر من 65ألف جنيه في وقت كنا نعمل فيه في صمت وتوقفنا عن لقاءاتنا المتواصلة, وعندما عدنا منذ أسابيع عاد نهر الخير يفيض بعطاياه وجاءنا في أسبوع واحد أكثر من 25ألف جنيه.. الجميع أعطوا بسخاء فتلاقت عطاياهم مع دعوة قداسة البابا وتعاليمه, وكان قداسته في دعوته قد ذكر قصة الأب الذي جاء إلي الكنيسة يقدم عطاياه وبصحبته ابنه, وقال علموا أولادكم ثقافة التبرع وازرعوها فيهم.. القصة ذكرتني بصديقة من الإسكندرية اعتادت أن ترسل لنا من وقت إلي آخر عطية لصندوق الخير وكانت ترسل دائما بسخاء واضح, وذات مرة أرسلت ثلاث عطايا وكلها بذات السخاء, فاتصلت بها مستفزا فقالت: لي ابنتان وهذا جزء من عائد ودائعهما بالبنك لأني أريد أن أعود هما علي العطاء وأغرس فيهما حب الفقراء والمحتاجين ليلمسوا بركة العطاء.
* التضرع.. وصلوات الأصدقاء
** في ختام ثلاثية الثقافات الروحية تحدث قداسة البابا عن ثقافة التضرع.. كان يقصد قداسته الصلاة للآخرين, أن نتضرع من أجل الآخرين بالاسم.. وفيما كان قداسة البابا يتحدث كانت صورتكم يا كل الأصدقاء في عيني, وصوت صلواتكم في أذني.. في كل رحلة لنا علي طريق الشفاء لمريض والراحة لمتألم كان طلبي الوحيد منكم الصلاة وفي نهاية كل رحلة كنت أشعر بقوة صلواتكم وألمس استجابة الرب لها.. لا أود أن أعيد إلي ذاكرتكم هنا ما صنعه الرب مع إخوتنا المرضي والمتألمين بصلواتكم, لكن دعوني أعترف ببعض مما كان يدور في ذاكرتي وأنا أستمع إلي تعاليم البابا تواضروس عن الصلاة من أجل الآخرين.. الطفل عماد ومعجزة عملية تصحيح حول قبل إتمام عام.. استئصال الكلية اليسري نهاية عذاب الشاب وليد بعد خمس سنوات بشفاعة أبونا فلتاؤس.. يد مادلين المكسورة التي عادت بالصلوات بعد انفصالها عن الذراع.. الدكتور عادل جبرة وهو يحكي لي عن معجزة خروج حصوة قرن غزال من كلية الأم تريزة.. البابا كيرلس وهو يلمس الابنة رانيا عندما اقترب منها خطر السرطان القاتل.. الطفل المعجزة ابرام الذي نجا من رحلة عذاب كانت تنتظره بعد استئصال كليته.. وصور كثيرة مضت أمام عيني تسجل لصلواتكم التي لولاها ما شفي الكثيرون.. حقا كما قال قداسة البابا: الصلاة من أجل الآخرين هي الوسيلة التي نتواصل بها مع الله, وهي أمام الله عظيمة كما نقول في المزامير لتستقيم صلاتي كالبخور لأن الله يريد قلبك محطة حب لكل إنسان.. فشكرا لصلواتكم من أجل أحبائنا وأحبائكم المرضي والمتألمين.
* * *
** اختتم قداسة البابا تواضروس الثاني حديثه عن الثقافات الروحية لكن تعاليمه ستبقي اليوم وغدا وإلي منتهي الأعوام.. وكم كانت فرحة قلبي وأنا أستمع إلي قداسته.. نحن وشعبه في مسيرتناعلي طريق الخير نعمل بتعاليمه التي هي من تعاليم الله.. شكرا يارب.. شكرا لقداسة البابا.. وشكرا يا كل الأصدقاء.