دخل (آدم) حجرة نومه بعد يوم صعب.. طويل
مليان بكل أنواع الضغوطات… ورمي نفسه بلبسه علي سريره وهو ملهوش نفس ياكل ولا يشرب ولا حتي يقلع هدومه من الإرهاق النفسي والعصبي قبل الجسدي.
(آدم)… إنسان زي أي واحد فينا… اتولد وكبر ومر بأغلب اللي مر بيه كل الناس من محطات في حياته… وفجأة لقي نفسه عايش.. موجود.. مش سعيد.. مش عارف المشكلة فين وهل هو صح واللا غلط….
الحياة حواليه بتتغير بسرعة مرعبة… فين اللي اتربينا عليه؟… فين الدفا؟… فين اللقمة اللي لما تاكلها حتي لو بسيطة تسعدك؟… فين الناس اللي لما تتكلم معاها ولو دقايق تسند روحك وتطمنك؟… فين الحياة؟
(آدم) اكتشف إنه حي… لكن مش عايش
(آدم) عنده كل حاجة… بيت جميل وشيك عربية فخمة أسرة حلوة شغل محترم مرتب شهري اكتر من ممتاز.
(آدم) لو عاوز يعمل أي حاجة هيعملها
كل حاجة حواليه رائعة وجميلة… إلا نفسه وروحه كانت مش سعيدة
(مالك يا دنيا؟… عاوزة إيه مني؟
الغلط فين فيكي واللا فيا؟
يارب أنا زهقت.. أنت موجود فعلا واللا لأ؟ ميكونش إحنا موجودين كده وخلاص زي أي حاجة من العدم تظهر وتقعد شوية وتموت وتنتهي؟… لو كده يبقي الواحد تاعب نفسه ليه؟ وبيجاهد ليه؟ وبيمنع نفسه عن الغلط ليه؟
يارب أنت ميصعبش عليك شيء كلمني ولو بعلامة.. إشارة.. أي حاجة.. عاوز سندة منك قبلة حياة أقدر أكمل بيها أو حتي أكمل علشانها.
أنا تعبت يارب… مهما بعمل ومهما بشتري وامتلك.. مهما بتفسح وأحاول اتبسط.. مهما اتعرف علي ناس وأصحاب فيه حاجة ناقصة… والمصيبة أنها حاجة كبيرة.
نفسي… نفسي مش لاقيها… راحة البال والسعادة الحقيقية… مش بتاعة وقتها ومؤثرها… مش لاقيها ده بالعكس كمان كل ما بحاول أمتع نفسي بكل متع الحياة وبعد كل متعة بحس بتعاسة وخنقة وكإن ده علامة لحاجة أنا أصلا مش فاهمها.
يارب آخرتها إيه؟ هتسيبني كده تايه ومش فاهم وضايع نفسيا واللا هتعمل إيه؟
أنا لأول مرة بطلبك بدموعي… وبطلبك بصدق ودموع وبقولك أنا تعبت… أنا مش طالب منك طلب معين أنا طالب منك أفهم.. ولو علي قد عقلي الصغير… أنا ليه مهموم ومكتئب وتعبان ومش سعيد برغم عكس اللي باين عليا قدام الناس أو بمعني أدق اللي ببينه قدام الناس علشان محدش يشمت فيا أو يستضعفني. اتكلم يا رب
…
وفضل آدم يبكي بدموعه وهو بيقول (اتكلم يا رب) لحد ما نام من التعب وكسرة النفس والبكا… وفجأة وبدون مقدمات… فتح عينه ولقي نفسه شايف جسمه ممدود علي سريره تحت منه.. آدم اترعب..
(إيه ده!!… مين ده؟!… ده أنا!!… أنا نايم… طيب إزاي أنا شايفني؟!… أنا فين…؟!)
آدم بدأ يحسس علي نفسه لقي إنه بيمسك الفراغ
هو شايف جسمه ممدود بس هو فوق منه
إحساسه كان كإن جسمه ده جلابية وخلعها ورماها وهو (آدم الحقيقي) اللي شايف وسامع بمنتهي الوضوح كل حاجة حواليه.. بما فيها جسده المدود علي السرير
(آدم) ـ في لحظة ـ أدرك إنه مات
بعد ما (آدم) فاق من صدمته واتأكد إنه فعلا مات… قعد يتلفت يمين وشمال… مكنش شايف غير جسمه مرمي تحته وكل تفاصيل أوضته إللي يعرفها كويس جدا..
اتجه ناحية باب أوضته, بص لقي نفسه بيعدي منه وهو مقفول كأن الباب مش موجود اصلا… وشاف ولاده ف الصالة فاتحين التليفزيون… ومراته ف المطبخ بتزعقلهم وتقولهم (وطوا صوتكم أبوكم راجع تعبان م الشغل ونايم بلبسه م التعب ده حتي مأكلش لقمة…)
فهم آدم واستوعب واتأكد إنه خلاص بقي في نطاق آخر من الإدراك والزمن والزمان… وعرف معني الموت لأول مرة.
اخترق (آدم) جدران المبني بسهولة عجيبة وكان حاسس بمتعة رهيبة… في لمح البصر لو فكر في أي مكان أو حاجة بيكون فيها…. فهم إن الزمان والمكان ده في الأرض بس… في النطاق المحدود والعاجز والمكبل بقيود المادة والجسد الضعيف ووسط ما هو هيمان في ملكوت الله لقي نفسه بيتزق بسرعة مرعبة جوه نفق ضيق طويييل…
(آدم) اترعب… الحاجة الوحيدة اللي كانت مصبراه هو النور الرائع اللي في آخر النفق.
انجرف (آدم) بسرعة مرعبة كأنه موجة عالية بتتزق بدون مجهود وطول ما هو بيتزق ف النفق ده قصة حياته كانت بتمر قدامه بوضوح رهيب… كل خير عمله وكل شر… الوشوش اللي ابكاها ونيمها تعبانة كانت بتظهر له.. كانت مرعبة…
بمجرد ما اقترب من النور سمع صوت أشبه برقرقة المياه بيقول
(مكانك الجحيم)
(آدم) فجأة لقي كل حاجة حواليه ضلمت وسقط إلي هاوية مظلمة مرعبة ولأول مرة شاف الشيطان وجها لوجه…
(إيه اللي جابني هنا؟!!…. أنا كويس!!… أنا عملت خير كتير!!… أنا بصلي وبصوم!!… أكيد فيه حاجة غلط!!… ده مش مكاني!!… أنا متأكد!!
(أنت هتقاوح كمان هنا يا آدم… مش كفاياك مقاوحة وفزلكة كدابة طول عمرك؟!…
أيوه يا آدم هو ده مكانك وأنت متتخيلش فرحتي بيك أد إيه إني جبت رجلك وضميتك لمملكتي مملكة الظلام والجحيم…
أهلا بيك يا فيلسوف عصرك وأوانك.. أهلا بيك في بيتك الأبدي الجحيم)
أنت مجنون صح؟!… أنا أكيد بحلم… طبعا لا!!… إيه الهبل ده!!
(ما فيش أهبل غيرك يا خايب… جبتك عندي وكسبت… أنا اللي كسبت!!)
إزاي!! أنت بتقول إيه؟! أنا يبقي مستقري الجحيم أنت أكيد شيطان مجنون..
(لاااا…. أنت اللي غبي… بقدر ما كنت عامل نفسك بتفهم ف الدنيا كنت ف الحقيقة غبي… والدليل إنك هنا معايا)
أنت ليه بتقول الكلام ده؟… أنا عمري ما عملت حاجة غلط بمعني الغلط يعني.. إزاي مكاني يبقي هنا؟!)
أنت ساذج قوي يا آدم… مش بقولك عبيط… هو أنت فاكر إن الشيطان كمان مش بيتطور زيكم!!
الناس أغلبها جواها حتة كويسة…. للأسف فيها روح من عند اللي خلقها مش من السهل علينا إحنا الشياطين نجيبهم سكة دوغري للغلط الواضح زي القتل أو السرقة أو الزنا… الكباير يعني… صحيح فيه ناس سهلة وعبيد شهوتها وضلام قلوبها بس الباقي برضو واعي… بس إحنا أوعي يا بطل بدليل أننا جبناك هنا معانا وأنت ف غفلة ومش دريان إحنا جبناك ازاي… وهتشرف هنا ف النكد والبؤس للأبد… واحنا هنقعد نضحك عليك وعلي خيبتك لحد يوم الدين ما ييجي واللي خلقك وخلقنا ينزل علينا حكمه الأبدي).
لااااا…. إلا كده… إزاي؟!… يعني أنا كده خلاص!!… هبقي ف الضلمة والخوف ده للأبد… لااااا… مستحيل.
ودخل آدم في نوبة بكا ونحيب وصريخ متواصل لحد ما سمع الشيطان بيقوله:
(إحنا لسه مجلناش الأمر النهائي إننا ندخلك جوه سور مملكتنا… أنت لسه ع البوابة واحنا مستنيين إشارة الخالق لأن حتي البوابة بتاعتنا مش بتتفتح إلا بأذنه بس… أنا هستغل الفرصة دي وافرجك علي (مضيفة الجحيم)… أيوه دي اللي هناك دي… الوقت هنا طويل وتقيل وأنا حبيتك وإن شاء الخالق يصدر الحكم وتكون من نصيبنا للأبد).
إيه المضيفة دي؟.. وفيها إيه؟… وليه عاوز تفرجهالي؟!
(تعال بس ومتكترش ف الكلام.. أنت دلوقت تحت أمري وسلطاني تعمل اللي أأمرك بيه وكفاياك نصاحة كنت نفعت نفسك بيها تحت..)
ومشي آدم جنب الشيطان مسافات طويلة لحد ما وقف علي باب ضخم أسواره من النار ومكتوب عليه بلغة غريبة بس قدر يفهم معناها بسهولة وكانت (مضيفة الشيطان).
البوابة العملاقة فتحت ودخل آدم بصحبة الشيطان اللي قاله:
(هنا بنجتمع…أنا وباقي مملكتنا من الأبالسة علشان نحط الخطط عليكم يا بني الإنسان ونجدد في التكنيك والتكتيك بتاع تنفيذها…
كل حجرة من الحجرات دي فيها خبير مسئول عن إحدي خططنا المعدلة علشان نجيب لو قدرنا البشر كلهم هنا.
ياللا يا عم آدم… عدد الأوض مش قليل… شد حيلك معايا… وتعالي ندخل اول أوضة…) ومشي آدم مع الشيطان جوه البهو الواسع لحد ما ظهر أول باب قدامهم وكان مكتوب عليه؟؟؟
يتبع