ظهر على الساحة الإعلامية المصرية مؤخرًا اسم “ناجورنو كاراباخ” أو “”ناجورنو قره باغ”، وأيضًا “ناجورني كاراباخ” أو “ناجورني قره باغ” حيث يشتد الصراع فيها بين أذربيجان وتركيا من جانب وإرمينيا وجمهورية أرتساخ من جانب آخر.. فما هي أبعاد ذلك الصراع وماهي أصوله؟!
ناجورنو قره باغ أو كاراباخ هي كلمة تركية تعني “مرتفعات البستان الأسود” ولهذا تشير بعض المؤسسات الإعلامية إلى هذه المنطقة باسم “مرتفعات قره باغ” أو “قره باغ”، وهي إقليم داخل دولة أذربيجان، لكنه يتمتع بأغلبية أرمينية والذين يسمونه ارتساخ. عندما اجتاح الجيش الأحمر منطقة ماوراء القوقاز، ضم السوفيت ناجورنو قره باغ إلى أذربيجان وسميت “إقليم ناجورنو قره باغ ذاتي الحكم” مما يشير إلى خصوصية وضعه. بحسب ماقاله الباحث الأرمني بيرج ترزيان في مقالة “آراء ومواقف حول ناجورنو قره باغ” في الملحق العربي لجريدة أريف في يوليو 2007.
وتعود أول معركة بين الأرمن والآذريين حول ناجورنو قره باغ في العام 1920 عقب قرار ستالين بمنح ليس فقط قره باغ بل وولاية ناختشيفان، والذين يتمتع كلاهما بأغلبية ساكنية أرمينية. ونقل موقع “لو جورنال انترناسيونال” le journal international في مقال نشر في 20 فبراير 2018 ما قاله كيفورك مليكيان Gevorg Melikyan, ، عضو المعهد الأرمني للشؤون الدولية والأمنية، ليخلص الوضع في قره باغ على النحو التالي : “إذا ركزنا على السياق التاريخي ، فإن ناجورنو قره باغ لم تكن أذربيجانية قط”.
ويشير الباحث الأرمني بيرج ترزيان في مقالة “آراء ومواقف حول ناجورنو قره باغ” في الملحق العربي لجريدة أريف في يوليو 2007، إلى أن اعتبارًا من العام 1988 (نهايات عهد الاتحاد السوفيتي) بدأ سكان قره باغ في المطالبة السلمية بالإستقلال وكان نتيجة هذه المطالبة السلمية حرب شنتها أذربيجان على الإقليم لتهجير الأرمن القاطنين بها ووقف مطالبات الإستقلال ثم الإستيلاء على الإقليم كما حدث في ولاية ناختشيفان.
لكن أرمن ناجورنو قره باغ استطاعوا وقف الهجوم الآذري بل وإنشاء حزام أمني يمنع وصول القذائف الآذرية إلى حدود قره باغ. وبعد ست سنوات من القتال أسفرت عن مصرع 30 ألف شخص وترك مليون شخص من الجانبين لمنازلهم، تم توقيع على اتفاق وقف إطلاق النار سنة 1994.
ومن المهم أن نوضح أن تلك الحرب بدأت منذ أواخر الثمانينيات، أي قبيل إعلان أرمينيا وأذربيجان استقلالهم في العام 1991. هذا وقد انضمت أرمينيا كدولة عقب استقلالها إلى جانب ناجورنو قره باغ. ومنذ ذلك الحين تقابل رئيسا أرمينية وأذربيجان وكذلك وزيرا خاريجية البلدين – برعاية مجموعة مينسك وهي مجموعة تابعة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا وتأسست عام 1992 لتشجيع التوصل إلى حل سلمي عن طريق التفاوض للصراع بين أذربيجان وأرمينيا حول ناجورنو فره باغ- عشرات المرات في تواريخ ومناسبات مختلفة لمحاولة إيجاد صيغة تفاهم مقبولة من الطرفين.
ويتفق بيرج ترزيان و” لو جورنال انترناسيونال” بأن ناجورنو قره باغ أو جمهورية أرتساخ 95% من سكانها من الأرمن، كما يتفقون في أن لها كل معايير الدولة من رئيس الجمهورية والحكومة والبرلمان وسكان يعرّفون أنفسهم بالمنطقة التي يعيشون بها. بينما تفقد الأعتراف الدولي، فلم تعترف بها أي دولة عضو بالأمم المتحدة، وذلك بالرغم من أن بعض المدن والأقاليم و8 ولايات أمريكية مثل كاليفورنيا وميتشيجان اعترفوا بها كدولة، بحسب “لو جورنال انترناسيونال “.
وبالرغم من إعلان ناجورنو قره باغ نفسها كدولة باسم جمهورية ارتساخ في العام 1991، وبالرغم اعتراف أرمينيا بها، إلا أن قره باغ (أو أرتساخ) ترى نفسها إمتداد لجمهورية أرمينيا. وقد ظهر ذلك بشكل أكبر في الإحتفال بالذكرى الثلاثين لحركة تحرير قره باغ ، حيث كانت الحشود تهتف “مياسين” أي لم الشمل (مع أرمينيا)، وقال باكو ساهاكيان رئيس جمهورية أرتساخ : “إن أرتساخ لا يمكن أن تتخيل لنفسها أي تطور بدون أرمينيا، وفقًا لموقع “لو جورنال”.
وأشار موقع “لو جورنال” إلى أن أرمينيا ستبقى حليفًا مهمًا لـ “أرتساخ” طالما استمر الصراع بين يريفان وباكو، بدون حل سياسي أو عسكري قصير المدى .. على حد تعبير ريموند آرون، عالم الاجتماع الفرنسي : “السلام مستحيل، الحرب غير محتملة”. يتجلى هذا الشعور في التصريحات الأخيرة التي أدلى بها الرئيس الأذري ، إلهام علييف ، الذي أعلن منذ وقت ليس ببعيد أن “الحرب لا يمكن أن تنتهي من جانبنا”، الأمر الذي رد عليه باكو خلال كلمة ألقاها بمناسبة الإحتفال بالذكرى الثلاثين للحركة أن : “أرتساخ مستعدة للسلام ، ولكن أيضًا للحرب”.