يعتبر الفيلسوف العالمي جورج هيجل ان الفنِّ هو الميدان الوحيد للجمال وأن “علم الجمال” قاصر على الفن. وان كنا نرى أن كل إبداع يمكن أن نطلق عليه كلمة ( فن ) طالما أنه يحقق قيمة جمالية ، فالفن شكل يظهر من خلاله الجمال ، فالجمال هو الكمال الذي نحسه لونا وشكلاً ومضموناً ، ورغم إنه أحيانا يكون القبيح مثيراً للفنان للتعبير الذي يقود للإبداع و يتضمنه الأمر الذي ينتهي بالقبيح إلى شي أخر اسمه الجمال .
ولكن عندما قرأت وشاهدت ما يكتب عن مهرجان الجونة السينمائي لأول مرة صدمت من كمية التشوه الذي فيه واستحالة أن يكون عمل فني يعبر عن الجمال به كل هذا القبح ، ولكن عندما شاهدت اللقاءات التى تمت وجدت العكس تماما وجدت الجمال والتميز والحضور العالمى لمصرنا الحبيبة للمشاركة فى هذا الحدث ، ففي حين نجد العالم كله يسلط الأضواء على هذا المهرجان المصرى بانبهار واعجاب ، نجد المانشيت الرئيسي لكثير من الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية يتحدث عن اسوأ فستان ، او اسوأ اطلالة أو أسوأ لقاء …. الخ . وكأن لم يكن هناك شئ مميز بهذا الاحتفال العالمي الذي يفتخر به جميع المصريين فى العالم كله.
ولم نكتفي بهذا بل نجد تعليقات الجماهير مشابهة لكاتبي هذه الأخبار من تعبيرات قبيحة وسيئة للحضور ، بل وصل الأمر للتحدث عن عدم الرجولة وعدم الانوثة وكأن هؤلاء الفنانين سواء المصريين او غير المصريين تحت التقييم الأخلاقي بعيدا عن دورهم الفني وتمثيلهم لشريحة نعلم جيدا دورهم داخل مصر وخارجها .
وهنا أتطرق على تغيير مهم وواضح فى الشخصية المصرية والتى أصبحت تشوه الآخر ، بل تتحدث فقط عن السيئ والقبيح ، وكأننا أصبحنا نبحث عن القبح في كل شئ ، سواء في الاشخاص او الفن او الاعلام وحتى في الملابس .
لم يعد المختلف فقط هو ما نبحث عنه بل أصبحنا نشوه و نقبح الجميل حتى لا يظهر قبحنا وعيوبنا ويرى الآخر غرفنا المظلمة فى حياتنا .
كنا قديما نفتخر بالمهرجانات و رموزنا الفنية بل والسياسية والثقافية وفى كافة المجالات ، بل حتى فى أحاديثنا الاجتماعية نتكلم عمن هو الاطيب، والشخصيته الافضل والاكثر أمانة ، والاجمل ، بل كنا نتشبه بالفنانين في الشكل واللبس ، ونفتخر بهم و بأعمالهم الفنية المتميزة ، وعن الاكثرهم هدفا ، الاجمل قصة ، الاجمل شكل . فلماذا أصبحنا نبحث عن القبح فقط ؟! .
وكأن ذواتنا أصبحت رافضة ان تعلن ان هناك جمال وتميز في مجتمعاتنا ، رافضة ان تشعر الاخر بانه ناجح ومتميز ، بل أن التشوه الداخلي أصبح رافض للتشجيع وإبراز المميزات والتركيز على السلبيات والمرفوض والقبيح .
أتذكر جيدا كيف كانت اغلفة المجلات تتزين بصور الفنانين وعارضات الازياء ، أن الفن تراث وحضارة وتاريخ فلا يجب تشويه هذه الصورة او اعطاء المجال لكل من هب ودب أن يدلي بآرائه ، يجب أن ندرك أن الفنان صانع وليس فقط صورة فإنه يصنع الخيال من فكرة ما ليحولها إلى شكل إبداعي .
يجب أن نعلم ونتعلم من الأجيال القديمة أن الافتخار برموز مجتمعنا و مشروعاتنا ليس عيب او تمجيد فى غير محله ، بل أن أسس النقد السليم أن تعبر عن الايجابيات والسلبيات وإن أردت أن تحسن من هذا العمل عليك بتشجيعه وإبراز الجميل فيه مع لفت الانتباه للسلبيات بدون هجوم ونشر وإبراز القبح فيه .
علينا أن نُعبر عن جمال نفوسنا وذواتنا بتقديم كل ما هو حسن فى الاخر ، علينا أن نبرز الجمال فى كل ما حولنا حتى نبعد الحقد والسلبية من شخصياتنا و نعمم التفاؤل وننشر الجمال داخلنا وداخل الآخر من خلال كلماتنا والتى تعبر عن ماهية نفوسنا .