يقول السيد المسيح:الحق أقول لكم:إن لم ترجعوا قتصيروا مثل الأطفال, لا تدخلوا ملكوت السماوات (متي18:3) .
مما لاشك فيه أننا جميعا تابعنا بمرارة في الفترة الماضية تكرار الانتهاكات ضد الأطفال سواء بالقتل أو الاغتصاب أو السرقة أو الضرب المبرح أو استخدامهم في التسول, ولكن ما يحزننا ويؤلمنا أن معظم هذه الحالات تصدر من الوالدين أو المربين.
وإذا علم هؤلاء معني براءة الأطفال وحبهم الصادق للجميع,لاختلف الأمر يقول الكاتبBernanos:لعبة قيمتها ثلاثة قروش تستطيع أن تملأ قلب الطفل بسعادة لا حدود لها, بينما الشاب حتي لو امتلك لعبة بمئات الجنيهات, من الممكن أن يقف أمامها غير مبال.
لماذا؟لأنه فقد روح الطفولة.
لنتأمل جميعا طفلا يلهو علي شاطئ البحر وفي يده جاروف ودلو,باذلا قصاري جهده ليبني بيتا علي الرمل, ثم تأتي الأمواج وتمحوه ولكنه يكرر هذا مرات عديدة دون ملل أو كلل أو يأس, حتي أنه لايفقد سعادته لأن روح الطفولة متحررة من كل شيء وخلاقة وتلقائية وبسيطة ومرحة وكلها نشاط وحيوية, ولكنه عندما يكبر تسيطر عليه أمور الدنيا بكل تعقيداتها إلي أن يفقد هذه الصفات الحميدة لذلك يجب علي الوالدين أن يزرعا في أطفالهما دائما هذه الروح البريئة مهما تقدم بهم العمر, موضحين لهم أن هذه الصفات ليست عيبا أن تلازمنا مدي الحياة, فإذا أردنا أن نصبح بسطاء كالأطفال, يجب علينا ألا نتعامل مع الناس بوجهين,أو نتصرف بغموض خوفا من أن يفتضح أمرنا, وأن نقاوم الكذب والخداع, وأن نرفض الكبرياء في حياتنا, ومن العجيب أن الطفل يجد كل شيء في اللاشيء,بينما الكبير يري اللاشيء في كل شيء.
وهذا واقع حياتنا, فبالنسبة للطفل تكفيه عصا المكنسة ليجعل منها حصانا يمتطيه, وقليل من الرمال ليبني بها قصرا, أو ورقة ليصنع منها مركبة ولكن عندما يكبر لايعجبه العجب حتي لو امتلك قصورا فخمة,أو سافر لكل أنحاء العالم, وإن حصل علي كل ما يرغب فيه, فما السبب؟ لأن أي عمل أو لهو بدون روح لايساوي شيئا, ويصير التملك فقرا, والوجود عدما, والعالم واقعا بدون أي معني, لذلك يجب علينا أن نعود لروح الطفولة البريئة التي نري بها كل شخص جميلا ومحبا, وكل شيء لذيذا وعذبا, فالطفل يكفيه حبلا ليقفز من عليه ويلهو به, تكفيه بعض الأوراق والألوان ليرسم كل ما يدور في ذهنه من خيال,كما أن الطفل بحاجة إلي ابتسامة صافية بسيطة وليس للحروب والدمار, إنه بحاجة إلي قول الحقيقة لا الكذب والرياء.
إذا الطفل يعيش الحياة بكل تلقائية وبراءة لندعه في عالمه الحر ويختبر بنفسه جوهر الأشياء, نحرره من الخوف ولا نكبله بقوانين وقواعد كثيرة.
ما أجمل هذه الأمنية التي تفوه بها الأب Turoldo:يارب,أرجع إلي صفاء الطفولة, اجعلني أصير طفلا يتذوق حلاوة الأشياء,وطعم الخبز والماء, لأنني مع الوقت فقدت المشاعر الأولي, ونجني يارب من اللامبالاة.
فاللامبالاة تجعلنا سطحيين, أناسا فاقدي لون وطعم الأشياء, ولايهتمون بجوهر الأشياء.
لا نتعجب عندما نلاحظ وجود انسجام ومحادثات طويلة بين المسنين والأطفال,لأنهم يتصادقون بسهولة, في حين أن الشباب والبالغين ينظرون إلي كبار السن نظرة شفقة معتبرين إياهم عبئا عليهم إن كانوا مرضي, وأحيانا يتهربون منهم, كما أنه من الوارد أن يحدث مثل هذا من الأبناء تجاه والديهم الذين تقدموا في العمر,لذلك نلاحظ أن معظم المسنين يلجأون إلي الأطفال ويصادقونهم حتي يجدوا معهم السعادة الحقيقية ويشعروا بآدميتهم إن الأطفال يتميزون بالتلقائية ولا يخفون الحقيقة, إذا يجب علينا ألا نستهزيء ببراءتهم وتصرفاتهم التي يقومون بها أمام أعيننا ولا نعتبر أحاديثهم ساذجة, لأن في داخلها تكمن الحقيقة بلا رياء أو غش أو خداع,كم من المرات التي وضع فيها الأبناء والديهم في موقف محرج,بسبب عبارة صدرت من أفواههم بعفوية, لأنهم يختلفون عن الكبار الذين يغلفون بكل عناية كلامهم وأحاديثهم بغطاء النفاق والكذب والمجاملة؟فالأطفال هم أمانة في أعناقنا, وقد منح الله الخالق الوالدين هذه النعمة ليسعيا دائما في محبتهم وتربيتهم التربية الصالحة بالمثل الصالح أولا, ثم بالنصائح البناءة إذا….نطلب من الله أن يمنحنا قلبا وديعا كالأطفال وأن يهبنا قلبا كريما في عطائه, مرنا للتفاهم, قلبا مخلصا وسخيا لاينكر أي جميل قدم له, قلبا لايختزن حقدا أو شرا.