ثم نسألكم أيها الإخوة أن تعرفوا الذين يتعبون بينكم ويدبرونكم في الرب وينذرونكم, وأن تعتبروهم كثيرا جدا في المحبة من أجل عملهم. سالموا بعضكم بعضا. ونطلب إليكم أيها الإخوة: أنذروا الذين بلا ترتيب. شجعوا صغار النفوس, اسندوا الضعفاء. تأنوا علي الجميع. انظروا أن لا يجازي أحد أحدا عن شر بشر, بل كل حين اتبعوا الخير بعضكم لبعض وللجميع. افرحوا كل حين. صلوا بلا انقطاع. اشكروا في كل شيء, لأن هذه هي مشيئة الله في المسيح يسوع من جهتكم. لا تطفئوا الروح. لا تحتقروا النبوات. امتحنوا كل شيء. تمسكوا بالحسن. امتنعوا عن كل شبه شر
(الرسالة الأولي إلي تسالونيكي 5:12-22)
سالموا بعضكم بعضا
في الحقيقة لا يستطيع أحد أن يصنع سلاما ما لم يكن له أولا سلام مع الله, فعندما يكون لنا سلام مع الله نجد عندنا سلاما في القلب, سلاما في الفكر, ويظهر أيضا السلام في ملامح الوجه, ولا يقف السلام داخل النفس, بل يمتد ويشع بالسلام علي الآخرين فيكون الجو كله سلاما.
كيف يتعلم الإنسان السلام؟
إن السلام يولد في قلب الإنسان أولا, ثم بعد ذلك يستطيع أن يمارسه ويعايشه في ثلاث محطات رئيسية وهي:
أولا: البيت والأسرة.
ثانيا: الكنيسة.
ثالثا: المجتمع.
ثم تمتد بعد ذلك إلي الإنسانية كلها.
ولكن قبل أن نتكلم عن المجالات التي من الممكن أن نأخذ منها السلام, أود أن أحدثكم أولا عن هذا التأمل اللطيف الذي قرأته عن كلمة السلام:
* حرف الـس: يعني سعي الإنسان الدائم والمستمر وبذله وجهاده وتضحيته.
* حرف الـلام: يعني لأجل تحقيق شيء معين في النهاية, وكأنك تريد توصيل رسالة لكل أحد: أن الله يحبك.
* حرفا الألف, والميم: لأجل تحقيق أن الله محبة.
إن كلمة سلام تعني الإنسان الذي يسعي دائما أن يخبر الآخر أن الله يحبه, وأنه محبوب لدي الله, فهل هناك أجمل وأروع من أن يشعر الإنسان بأن الله يحبه!
تخيل معي أن كل البشر الذين أوجدهم الله علي هذه الأرض, كل فرد منهم يحاول أن يبعث رسالة إلي الآخر بأن الله يحبه, وهذه هي رسالة السلام الحقيقي, ففي يوم ميلاد ربنا يسوع المسيح أنشدت الملائكة هذه الأنشودة الجميلة التي نسميها أنشودة السلام: المجد لله في الأعالي وعلي الأرض السلام وبالناس المسرة (لو2:14), وعبارة: وعلي الأرض السلام تعني أن البشر الذين يعرفون المسيح صاروا ينقلون هذا السلام لكل أحد.
ونقل السلام لا يكون بالكلام ولا باللسان, ولكنه يكون بالفعل, والفعل هو أن الله يحبك, فأنت قد صرت محبوبا جدا لدي الله, وهذا المعني الكبير في غاية الأهمية في فهم موضوع السلام.
أولا: السلام يولد في القلب, فيجب علي كل أب وأم وخادم ومدرس ومربي أن يهتم بتعلم طفله السلام منذ بداية نشأته الأولي, لكي ما يولد هذا السلام, في قلب الطفل منذ نعومة أظافره.
فمثلا إن وجدت طفلين يتشاجران, بطريقة طفولية, فتعلم كيف تصنع سلاما بينهما, وتعالج هذا النزاع أو هذا الشجار بطريقة لطيفة, تجعل السلام يولد في قلب كل منهما, أما إن تعاملت مع هذين الطفلين بنوع من الغضب والعنف, فهذا لن يولد السلام في قلبيهما.
إن فضيلة السلام فضيلة مركبة, لأن السلام مرتبط بالمحبة والهدوء والابتسامة والصبر والحكمة, ومرتبط أيضا بالبيئة فمثلا المكان النظيف يستطيع أن يمنحك جو السلام, والعكس صحيح, فالمكان غير النظيف قد يفقد الإنسان سلامه, وهكذا إن كان المكان منظما ومرتبا فهو يعطي السلام, أما إن كان يسوده الفوضي وعدم النظام فلن يعطي سلاما أو راحة للإنسان.