هذه الستة يبغضها الرب, وسبعة هي مكرهة نفسه: عيون متعالية, لسان كاذب, أيد سافكة دما بريئا, قلب ينشيء أفكارا رديئة, أرجل سريعة الجريان إلي السوء, شاهد زور يفوه بالأكاذيب, وزارع خصومات بين إخوة.
(أمثال 6: 16 ـ 19)
زارع خصومات بين إخوة
هذه الخطية استخدمت فعلا إيجابيا وهو الزرع لكي يبين خطورة هذه الخطية زارع خصومات بين الإخوة, ومعروف أن الزرع يكون للخير, للطعام للدواء, للتجارة للمكسب, للكساء… لكن الذي يقع في هذه الخطية يزرع خصومات, لذلك نسمي هذه الزراعة: الزراعة الشيطانية, فالشيطان يستخدم الناس بأفكاره حيله لكي يزرعوا هذه الزراعة الشيطانية, ولها عدة أشكال هي:
* الهراطقة ومفسدو الإيمان النقي: في التاريخ الهراطقة زرعوا خصومات بين إخوة, كان في المجتمع وقت ظهور أريوس في القرن الثالث الميلادي, باعتبار هرطقته من أشهر الهرطقات التي ظهرت في التاريخ المسيحي, كان الناس متحابين وعايشين وإيمانهم بالمسيح واضح وبسيط, ولكن ظهر أريوس بفكر وزرع خصومات يعاني منها العالم إلي اليوم.
ونسمي الهراطقة بمفسدي الإيمان, لأنهم يشوهون الإيمان النقي أو يجعلونه بصور غير مقبولة, وتكون النتيجة أن هذا الإيمان النقي أو المستقيم يتعرض للتشويه.
* مروجو الإشاعات والتصريحات المستفزة: قد تكون المجتمعات هادئة, لكن نتيجة كلمة من شخص ينقسم المجتمع بدءا من الأسرة, فبمجرد زرع كلمة يحدث انشقاق ويحدث خصومات.
* أصحاب الفتن ونشر الكراهية: هناك أشخاص كلامهم ينشر الكراهية وسط المجتمع, وتكون النتيجة أن الإنسان يتأثر بهذه الفتن أو هذا الشعور بالكراهية.
* أصحاب الفن الرديء, والثقافة الرديئة كالسحر, والعنف, ويظهر ذلك من خلال مسلسلات أو أفلام أو مقالات وكتابات.
* ناقلو الكلام ومسك السيرة والتشويه.
يشبه الكتاب الذين يزرعون الخصومات بمن زرعوا الزوان ـ مثل الزوان والحنطة ـ والزوان هو الشر في الحياة الذي زرعه الشيطان, وأول من أثار الخصومة بين الله والإنسان, وبين الناس بعضهم البعض هو الشيطان بالخطية وكسر الوصية.
لقد زرع الشيطان الكراهية والخصام في الحياة ليفك ارتباط الناس بعضهم البعض, وإن خرجت الكراهية للتنفيذ العملي, كأنها تبدأ بمخاصمة الآخر ومشاجرته, ويتطور الأمر حتي يصل إلي القتل.
الشيطان يسعي لتدمير الحياة والناس, ويسعي لتدمير العلاقة بين الإنسان والله, ويحاول نشر فكر التفرقة والخصام بين الناس, ثم يدع الناس تتصارع بعضها البعض, فنجد المجتمعات تقسم الناس إلي طبقات اجتماعية: طبقة عليا, طبقة متوسطة, وطبقة دنيا ثم يحدث صراع وخصام طبقي بينهم, فيفقد السلام الاجتماعي.. وكذلك الثقافات التي تقسم الناس جنسيا ويحدث صراع لسيادة جنس علي آخر بين المرأة والرجل.
وأيضا الصراع والخصام العنصري بين السود والبيض, وبين الأجناس والدول والحضارات, ومعه تكثر الحروب والثورات التي تنتهي بتدمير أرواح الملايين من البشر.
وكما أثار الشيطان الخصومة بين الله والناس.. قام السيد المسيح بالمصالحة بين الله والناس, وفي هذا يقول القديس بولس الرسول:
أنتم الذين كنتم قبلا بعيدين, صرتم قريبين بدم المسيح. لأنه هو سلامنا, الذي جعل الاثنين واحدا, ونقض حائط السياج المتوسط أي العدواة (أف 2:13 ـ 15).
وقال: عاملا الصلح بدم صليبه (كو 1:20).
ونقول في القداس الغريغوري: الحاجز المتوسط نقضته والعداوة القديمة هدمتها, وصالحت السمائيين مع الأرضيين وجعلت الاثنين واحدا. وأكملت التدبير بالجسد.
لقد صنع السيد المسيح سلاما بين الله والناس, ولذلك نسميه ملك السلام, ولأنه ملك السلام فقد قيل عنه: لا يخاصم ولا يصيح, ولا يسمع أحد في الشوارع صوته (مت 12:19).
ويؤكد هذا ما جاء بالكتاب المقدس عن السيد المسيح: وحين تمت الأيام لارتفاعه ثبت وجهه لينطلق إلي أورشليم, وأرسل أمام وجهه رسلا, فذهبوا ودخلوا قرية للسامريين حتي يعدوا له فلم يقبلوه, لأن وجهه كان متجها نحو أورشليم, فلما رأي ذلك تلميذاه يعقوب ويوحنا, قالا: يارب أتريد أن نقول أن تنزل نار من السماء فتفنيهم, كما فعل إيليا أيضا؟ فالتفت وانتهرهما وقال: لستما تعلمان من أي روح أنتما!.
لأن ابن الإنسان لم يأت ليهلك أنفس الناس, بل ليخلص فمضوا إلي قرية أخري لو 9: 51 ـ 56).
لقد كان اليهود يكرهون السامريين لأنهم مخلطون (خليط من تزاوج اليهود والأمم), ولذلك كان اليهود الأصليون يكرهون السامريين, حتي أن أهل السامرة لا يخاطبون اليهود أيضا, وصارت بينهم عداوة توارثتها الأجيال, وقد حدث الكثير من التوترات بين هذين الشعبين حتي أن اليهود المسافرين بين الجليل واليهودية غالبا ما كاوا يدورون حول منطقة السامرة ولا يسلكون فيها حتي وإن طالت رحلتهم.
أما السيد المسيح لم تكن لديه تلك الأحقاد, فقد كان ذا نفس متسامحة, وأراد أن يقدم لنا درسا في كيفية التعامل مع هؤلاء الساريين, فقدم لنا مثل السامري الصالح, وعندما قصد أن يذهب إلي أورشليم اختار السامرة ليمر من خلالها, ويتعمد ترتيب مقابلة مع المرأة السامرية, وقد صرف التلاميذ حتي لا يحرجها, وأعطها فرصة للحوار وكأنه ينزع الخصومة المزروعة بين اليهود والسامريين.
وتكون النتيجة أن هذه المرأة التي لم يذكر الكتاب اسمها تذهب إلي مدينتها السارة وتقول لهم: تعالوا انظروا إنسانا قال لي كل ما فعلت, فبدأوا يستقبلوه ويستضيفوه, وبدأ يتكلم معهم وبدأ يتغير حالهم, ليكونوا هم أول من قال عن السيد المسيح أنه هو مخلص العالم.
وعندما أرسل السيد المسيح رسلا إلي السامرة ليعدوا له ما يلزم لهذه الزيارات, نجد أن السامريين رفضوا استقبال المسيح, الأمر الذي جعل يعقوب ويوحنا تلميذي المسيح يثوران ويطلبان منه أن يأذن لهما بطلب نار من السماء لتفني أهل القرية. لقد كان التلميذان أشد تعصبا من السامريين, فالمتعقب يحاول إبادة كل من يختلف عنه سواء في الفكر أو المعتقد أو الدين, لكن المسيح التفت إليهما وانتهرهما ووبخهما قائلا لهما: لستما تعلمان من أي روح أنتما, إني قد أتيت لا لأهلك نفوس الناس بل لأخلصها.