مثلما يذكرنا شهر أكتوبر بالنصر العظيم لمصر. يذكرنا أيضا بحقائق تدفعنا لمزيد من الحذر, فلا يمكن أن نتذكر السادس من أكتوبر 1973, دون أن نتذكر واقعة اغتيال الرئيس السادات بعدها بعشر سنوات, في ذات اليوم من العام .1981 حينما وقف لتحية ضباط الجيش في العرض العسكري لتغتاله رصاصات الغدر. وكان المتهم الأساسي في واقعة الاغتيال هو عبود الزمر, الذي وصل إلي قناعة بضرورة قتل السادات وحصل علي فتوي تجيز له ذلك من أمير الجماعة وقتها الشيخ عمر عبدالرحمن الذي سئل هل يحل دم حاكم لا يحكم طبقا لما أنزل الله؟ وكانت إجابة الشيخ نعم يحل دم مثل هذا الحاكم لأنه يكون قد خرج إلي دائرة الكفر. المفتي هنا هو القاتل الحقيقي (حوار عبود الزمر للشروق 2011).
لم يكن حينها للإخوان سطوة علي الشارع ولا علي الأفكار, ولا علي العمل السياسي, لم يكن حينها انتشرت وسائل التواصل الاجتماعي بخيرها وشرها, لم يكن لدينا سماوات مفتوحة وإعلام قطري وتركي وغيره من الأبواق المحرضة ضد الدولة المصرية وأمان الشعب المصري واستقراره, لكن كان هناك السلاح الفتاك, كانت الفتوي, السادات قتل في عيد نصره بسبب فتوي, كل الدم المراق في شوارع مصر منذ عقود بسبب فتاوي تيارات عديدة ـ بخلاف الإخوان ـ تتناحر لتعتلي عرش الدولة الإسلامية المدشن في مخيلتهم فقط, قاتل بسبب فتوي, وتصديقه في الفتوي, ألا تستدعي العودة لذلك التاريخ أن نحدد المسئول عن الفتاوي في مصر؟
الزمر ليس موضوعنا لكنه نموذج, قفز بالمصادفة إلي الذاكرة تزامنا مع الذكريات ليذكرنا أن لكل زمن مفتييه الأشرار, هذا هو مربط الفرس من يعطي الفتوي في مصر؟
إنها التيارات الإسلامية المتعددة والمتشعبة, والمتناحرة, مما دفع اللجنة الدينية بمجلس النواب للنظر إلي قانون الفتوي العامة, منذ فترة, لكن لم يحدث والسبب هو المادة الأساسية في مشروع القانون التي تجيز التصدي للفتوي العامة إلا إذا كانت صادرة من هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف أو دار الإفتاء المصرية أو مجمع البحوث الإسلامية أو الإدارة العامة للفتوي بوزارة الأوقاف. وهو ما يعني أنها ضمنيا منحت حق الفتوي لكل هذه الجهات ولم تقصرها علي الأزهر, وكان هذا هو الخلاف بين الأزهر والأوقاف, فهناك اعتراض أزهري علي تضمين إدارة الفتوي العامة بوزارة الأوقاف ضمن الجهات الأربع, فيما قدمت وزارة الأوقاف خطابا يثبت تاريخ إدارة الفتوي المتزامن مع إنشاء الوزارة. وهكذا سقط المشروع, وانتهت مدة البرلمان, وتاهت الفتاوي من جديد, ليظل ثمن الخلاف مدفوعا بفاتورة الدم من حياة الأبرياء الذين تحصدهم فتاوي مارقة من هنا وهناك.
لن يرد الحياة في صدور الضحايا توبة أبناء الجهاد الإسلامي ولا مراجعاتهم في خريف العمر مثلما حدث مع ناجح إبراهيم وكرم زهدي لن يردها تناحر جهتين كلتاهما شرعيتان, لن يردها خلط الدين بالسياسة في أدق تفاصيله, فهل يمكن إعادة النظر مرة أخري في قانون الفتوي؟