في يوم غير معلوم التاريخ, سوف ينجلي الظلم من فوق رؤوس المظلومين, حينما تحط شمس العدالة علي الجميع, فيجد المريض موطئا لقدميه في المشافي دون مذلة, ويجد المعوز معاشا يدعمه لحد الكفاف, دون معاناة, معاشا يغطي فواتير المياه والغاز والكهرباء, ويجد العاطل عملا يحترم آدميته وظروفه الصحية, دون اتهامات بالتواكل والاستنطاع, تلك الاتهامات التي تطارد كل سائل معونة, بالرغم من أن أصابع اليد الواحد تتباين في أشكالها ووظائفها لكن من يسمع ومن يعي, كل ما يحيط بالناس في جمهورية الظم يدعو للإحباط, والتذمر لكن في وادينا الطيب ترعرع الرضا رغم نشاط جرافات الابتهاج, وها هي بطلة قصتنا اليوم نموذجا.
إنها فرحانة التي لم تذق للفرحة طعما إلا وكانت مغموسة في كأس العلقم, امرأة من صعيد مصر المعذب بالبطالة والتمييز, المنيا الحزينة, فلا عمل ولا عدل, حيث تستقر جمهورية الظلم في قلوب الظالمين, لتطرد المقهورين خارج جغرافيا العدالة وخريطة الأمل جاءت فرحانة من المنيا مع زوجها منذ سنوات طويلة, بحثا عن الرزق, توليا حراسة عمارة في أحد الأحياء السكنية الشعبية مقابل 600 جنيه وسكن في غرفة فوق سطح العمارة, ويخرج زوجها ليعمل في حمل الطوب, أما الأبناء فمنهم من تلقي تعليما متوسطا, ومنهم من لم يتلق التعليم, عددهم أربعة ابنان وابنتان.
لم تتذمر فرحانة ـ 47 سنة ـ ولا زوجها ـ 55 سنة ـ علي الحياة أبدا, راضية بنصيبها عاشت في جمهورية الظلم, قانعة بالقليل, إلي أن أصيبت بآلام شديدة في الرأس, والعنق, ثم امتدت للذراعين, وتطورت الحالة إلي دوار يصيبها بإغماءات متكررة, حتي سقطت مغشيا عليها في الشارع, وبعد الأشعات والتحاليل والأوراق التي تثبت صحة آلام الحزينة فرحانة, حتي تتمكن من تلقي المساعدة الكنسية المطلوبة لعلاجها, فهي من إخوة الرب اكتشف الأطباء أنها مصابة بتآكل في الفقرات العنقية, ولابد من جراحة عاجلة وبين خوفها من الجراحة, وتجهيز الأوراق, استغرق الأمر عاما كاملا للإعداد للعملية, وتمت في ديسمبر الماضي.
تقول فرحانة: ماكنتش مصدقة إني هاقوم تاني بعد ما اندبحت في رقبتي, كنت خايفة أموت أو اتشل كنت عارفة إن العملية صعبة بس واثقة في ربنا علشان ارجع أخدم عيالي, لكن طلع ألم العملية أسهل من إللي أنا فيه دلوقت.
ماذا حدث لفرحانة؟
بعد شهور من الجراحة تحسنت أحوالها كثيرا, وبدأت في العودة لحياتها الطبيعية, لكن الأقدار دائما تخبئ الأسوأ انزلقت قدم فرحانة في الحمام, طار جسدها إلي الخارج مفتوح الفخذين, فكل ما يفصل الحمام عن الغرفة التي تسكنها ستارة من القماش, لم تتمكن من الوقوف ولا الجلوس مرة أخري, وانكسرت فرحانة التي نجت من الشلل في جراحة الغضروف لتسقط مقيدة الحركة في كسر مضاعف في الفخذ. حملها زوجها الذي يعاني في الأصل من فتق في السرة وانزلاق غضروفي قطني, ومعه الأبناء وليخبرهم الطبيب أنها في حاجة سريعة لجراحة وتركيب مسمار تعاشقي في الفخذ المكسور.
ذهبوا للمستشفي الحكومي صنعوا لها جبيرة بطول الساق وقالوا لهم لابد من جراحة وانتظار الدور واستخراج أوراق!! فعادوا بها إلي المنزل والخذلان سيد الموقف. فرحانة لا تستطيع الصعود إلي غرفتها, والجراحة مؤجلة لغياب المال, فمن أين لهم آلاف الجنيهات, فلا سند ولا معين, الأسرة تتبع كنيسة من الكنائس محدودة الموارد, ولا يمكنها المساهمة بالكثير.
ذهبت إليها وجدتها ملقاة علي دكة خشب في مدخل العمارة, جثة فاقدة الحركة, رافضة الطعام والشراب لأنها لن تستطيع الذهاب إلي الحمام, ولن يمكنها الصعود لغرفتها لأنها لا تريد أن يحملها أحد, باكية هي وزوجها وأولادها, وبناتها, مدخل العمارة تحول لسرادق عزاء, تركتها تبكي في مدخل العمارة, اصطحبتني ابنتها للغرفة فوق السطح, مبنية بالصاج الحديد أي أنها جهنم في الصيف, وممر مائي للمطر والبرد في الشتاء, سريران للجميع, بوتاجاز داخل الغرفة حمام لا تفصله سوي قطعة قماش لتسترهم من عيون بعضهم البعض, مر أماي مشهد انزلاقها وكأنه فيلم سينمائي مجبرة بقوة الأسف لحالهم تخيلته, فغادرت الغرفة فورا وابلغتها أن باب افتح قلبك سوف يقوم باللازم.
ذلك اللازم الذي لا يمكننا القيام به بدونكم, لا يمكننا استكمال المسيرة بدون أيادي الحب الممتدة بشكل متواصل, تكلفة الجراحة 30 ألف جنيه والطبيب المعالج خصم أجره كاملا, لكن هناك مصروفات المستشفي وسعر المسمار, والتخدير جميعها تكاليف لا يمكن تخفيضها, وصل التخفيض من 30 ألف جنيه إلي 15 ألف جنيه ومازالت فرحانة في الانتظار.