الدولة كرمته بمنحة تفوق لإنهاء روايته الجديدة “نبي قارة الأحلام”
الجسد هو وعاء الفكر، والرأس مصنع ومولّد شرارات الإبداع ، كما يقولون، في الحكم والأمثال، لذا اهتم معظم المبدعون، بكيفية تطويع وتكييف حياتهم الإبداعية، خاصة بعد أن عرفوا أنهم راحلون.. لذا لا يضيّعون وقتهم في جمع المال والاحتفاظ به، كنزهم الوحيد قلم صغير وورقة بيضاء، يخطون فوقها أشياء أكثر قوة من الخناجر والسيوف، وأبقى من كل ثروة، أشياء تبقى بعد رحيلهم، الطريق والنور ومصدر الإلهام للشعوب، هكذا هو حال “جمال فتحي عبد الرحيم بربري”، 44 سنة، ابن منطقة الشيخ هارون بمدينة أسوان، والذي زهد في الدنيا، واكتفى بقليلها، ولم يبحث عن شهرة أو مال، ولكنه بحث عن القراءة والإبداع التي هي مصدر إلهامه الوحيد، في زمن تعتبر فيه القراءة فعلًا نادرًا، بعد أن اختفت ظاهرة المثقفين.
جمال بربري، الأديب والمثقف، صاحب الروايات والكتب التي تم نشرها في أكبر وأوسع دور الكتب المصرية والعربية، الآن يعمل “خبازًا ” في مخبز صغير بالقرب من محل سكنه بمنطقة الشيخ هارون بمدينة أسوان، الأمر قد يكون لدى البعض مجرد مزحة أو مفارقة غريبة، أو شيئ لا يصدقه عقل، لكنها الحقيقة الوحيدة في حياة هذا الشخص، والذي يستلهم من مخبزه فكره وإلهامه وطريقة إبداعه، بعد أن استطاع أن يرصد في روياته قصص المطحونين والغلابة وعمال الأفران والموظفين والأطفال، ومختلف الطبقات الاجتماعية، وغيرهم ممن يتعامل معهم بشكل يومي من خلال عمله داخل المخبز، ففي الصباح يمسك بالعصا لعجن الخبز وفي المساء يستبدلها بالقلم ليعبر عما يشع لديه من فكر وإبداع.
يقول أديب الفقراء “جمال بربرى”، أنه اكتفى بحصوله على دبلوم المدارس الفنية نظام الثلاث سنوات، لمساعدة والديه واسرته، و منذ نعومة أظافره وتحديدًا في سن العاشرة عمل خباز داخل أحد الأفران وحتى الآن، وأنه لا يخجل إطلاقا من هذا العمل والذي أضاف له الكثير على حد تعبيره، لعدة اعتبارات، أولاها لتوفير لقمة عيش لأولاده وأسرته الصغيرة، والمكونة من ثلاث أفراد، حيث يستطيع منها توفير قوت يومه للإنفاق على أسرته من ناحية، وأيضًا لشراء سلسلة كتب الأدب والثقافة، التي يجد فيها نهمه ومتعته الخاصة، حيث كون لنفسة مكتبة ضخمة داخل منزله المتواضع مؤلفة من أكثر من 3 آلاف كتاب من مختلف مجالات الأدب والثقافة والفكر، والتي حرص على تجميعها منذ فترة التسعينات، خلال فترة مكتبة الأسرة وهو المشروع الثقافة الذي كانت ترعاه السيدة سوزان مبارك حرم الرئيس الراحل حسني مبارك.
ويضيف أن مخبزه الصغير، استطاع أيضًا من خلاله أن يضيف لنفسه رصيد هائل من الفكر والثقافة، عبر بوابة التعامل المباشر مع المترددين عليه سواء من الكبار أو الصغار، أو الأطفال و مختلف فئات المجتمع، والتى كون من خلالهم خبراته فأعد 7 روايات فكرية وأدبية وقصصية، تناولت أغلبها الصراع الدائم على لقمة العيش، و المواطنين المطحونين، والغلابة وقصص الكفاح من أجل الحياه، وكانت بدايته كتاب له بعنوان ” جدران” عام 2014 من إصدار الهيئة العامة لقصور الثقافة، والذي يتناول فيه حياة المهمشين والغلابة، ثم توالت رواياته وكتبه، ” أحزان”، والذى أصدره على نفقته الخاصة، ومشكاة الوجع” عن دار الأبداع، و”بورتريهات سريالية” عن الهيئة العامة للكتاب عام 2016، “ومازلت لدى أحزان أخرى” ، و” أحلام على حافة اليقظة”، و” دوائر مغلقة” عن دار زاوية الجزائري.
الأديب الخباز جمال بربرى، يستطرد قائلًا ، إنه يستطيع أن ينفصل تمامًا عن العالم المحيط به والمخبز عقب مغادرته إلى بيته مع الأوقات المسائية، حيث يتحول إلى أديب، فيمسك بقلمة ويجر ورقته وممحاه، ليبدأ في سرد خواطره وأفكاره.
وتابع أن المسئولين بوزارة الثقافة في مصر، بعد 20 عام من عمله في مجال الأدب والفكر، قرروا حصوله على منحة تفرغ، وهي بمثابة منحة مادية لمدة عام، ليتفرغ فيها من كتابة روايته الجديدة” نبي قارة الأحلام” والتي تتناول حياته الشخصية، وسيرته الذاتية، وعمله في المخبز الذي هو بمثابة لقمة عيش له، أما الإبداع والفكر غذاء للروح، وكيف استطاع أن يفصل بين الأثنين، ويطوع حياته على هذه الطريقة طوال الـ 20 عام.
ويختتم “بربري” حديثه قائلًا: إن مهنة الإبداع تعاني الآن، كما يعاني الكثير من المثقفين، في وقت تجد فيه كساد في سوق الكتاب والكاتب لأن القراءة فيه تعد فعلاً نادراً.