وسط المتاعب والمشاكل, يمكن أن الإنسان يهدأ عن طريق الإيمان, إذ يؤمن أن الله موجود, وأنه يحفظ ويدبر ويحمي, وأنه أيضا يحكم للمظلومين [مز 146: 7].. ويؤمن أن الله لا بد سيتدخل بمحبته ويوجد له حلا, أو بتدخل بعدله ويرفع عنه ظلما, واضعا أمامه قول الرب: لا أهملك ولا أتركك; [يش1: 5].
فهو يترك كل شيء لله, ولا يخاف ولا يضطرب, مؤمنا بعمل الله من أجله.
إن المؤمنين بعمل الله وحفظه لا يضطربون أبدا.. واعتمادهم علي الله يمنحهم سلاما داخليا عميقا.. بل إن إيمانهم يجعلهم يرون الخير في كل شيء.. حتي ما يبدو أنه ضيق وتعب, لابد أن الله سيحوله إلي خير.. وفي الثقة بالله, يحيون حياة التسليم الكامل والسلام العميق.
وليس معني الايمان أن الإنسان يقف موقفا سلبيا.
بل علي العكس, أنه يعمل كل ما يستطيعه, دون انزعاج, واضعا الأمر من أوله في يد الله.. وواضعا أمامه أيضا قول الكتاب: غير المستطاع عند الناس, مستطاع عند الله [لو 18:27].. وما دام الله يري كل شيء, ويريد الخير للكل, ويستطيع ذلك, فلماذا فقدان السلام؟!
فإن فقد أحد سلامه القلبي أمام المشاكل, فلا بد أن هناك خللا داخل القلب يحتاج إلي علاج.
قد يكون هذا خلل قلة إيمان, أنتجت شكا, فخوفا, فاضطرابا.. ويدخل في عنصر الإيمان: الإيمان بقوة الصلاة وفاعليتها.. والصلاة ـ لمن يؤمن بها ـ علاج للخوف والاضطراب.
بالصلاة تشعر بأنك لست وحدك, وإنما أنت محاط بقوة إلهية تسندك, لذلك تهدأ نفسك وتطمئن.
معاشرة الهادئين:
الذي يعاشر الهادئين, يدخلون الهدوء إلي نفسه والذي يعاشر المضطربين والثائرين, ينقلون إليه عدوي مشاعرهم.
ذلك لأن الأمراض النفسية قد تنتقل بالعدوي عن طريق المعاشرة.. وبهذا ينتقل الخوف وينتقل الشك وينتقل القلق من شخص إلي آخر.
أما معاشرة الهادئين فتمنح الثقة والطمأنينة والسلام.
تقرأ خبرا مزعجا فتقلق.. ثم تقابل شخصا هادئا, فتجده قد قابل الخبر بمنتهي الثقة وهو مطمئن تماما أنه سوف لا يحدث شيء متعب علي الإطلاق.. ويشرح لك.. ويبدأ الاطمئنان يزحف من نفسه إلي نفسك, فتهدأ.
إذا عاشرت الهادئين, يمكنك أن تمتص إيمانهم وهدوءهم, وتأخذ من سلامهم الداخلي سلاما لنفسك.
وتأخذ أيضا أنموذجا وقدوة من طباعهم الهادئة, وتحاول أن تحاكيها إذ تعجبك وتريحك وتعود علي طريقة تفكيرهم في مقابلة المشاكل والضيقات.. وتتعلم من فكأنهم كيف للعقل أن يستوعب المشكلة ويهضمها.. وكيف يمكنه أن يفهم الأمور ويحلل المشاكل, ويستنتج الطرق الصالحة لعلاجها.. وتتعلم أيضا من إيمانهم, ومن طول بالهم واحتمالهم وصبرهم.
وهكذا تعرف من معاشرتهم المصادر العملية للهدوء.
أن معاشرة الهادئين من أفضل أنواع المهدئات.
أنهم من النفوس الهادئة المهدئة.. ونضم أليهم أب الاعتراف لهديء الذي تأتيه النفوس القلقة فيهدئها الأعتراف هو أيضا وسيلة للحصول علي الهدوء, حيث ترفع عن نفسك ثقلا فتهدأ.
المرح والبشاشة:
روح المرح والبشاشة تعطي الإنسان هدوءا نفسيا واسترخاء, وتبعد عنه الاضطراب والكآبة.. ومهما كان الجو مكهربا وصاخبا, فانه يستطيع بفكاهة لطيفة أن يجعل الكل يضحكون أو علي الأقل يبتسمون, ويزيل بمرحه جو التوتر.. هنا ونتذكر قول الكتاب:
للبكاء وقت, وللضحك وقت [جا3: 4].
نعم هناك وقت للضحك.. ولعل من وقته: إزالة التوتر من الناس, أو نفس الشخص ذاته, أو معالجة للغضب.. كأن يسمع الشخص كلمة مسيئة من إنسان, فبدلا من أن يغضب, يرد عليه بفكاهة, ويضحك الاثنان ويزول الغضب.. ولذلك فإن الانسان المرح يكون محبوبا من الكل, ويعيش باستمرار في هدوء, أينما حل.. معاملاته مع الناس هادئة…
والاشخاص المتصفون بالمرح.. تجد أعصابهم هادئة… ليس من السهل إثارتهم أو إغضابهم.. إنهم ليسوا فقط هادئين, وإنما أيضا يقدرون أن يهدئوا غيرهم.. والمرح قد يكون أحيانا عنصرا من عناصر الجواب الليل الذي يصرف الغضب [أم 15:1].
هناك أشخاص أول شيء يقرأونه في الجرائد: الفكاهات.
فتنبسط نفوسهم ويدخلها الهدوء, ولا تؤثر فيهم الأخبار المثيرة.. وقد يوجد شخص حينما تراه تبتسم قبل أن يتكلم, متوقعا أنه سيقول لك شيئا مضحكا أو شيئا يسرك.. وتشعر بفرح حينما تلتقي بهذا الشخص في أول يومك.
لتكن لكم الوجوه البشوشة التي تشيع الهدوء في غيركم.
لأن الناس لا تحتمل أن تري إنسانا متجهم الوجه أو كتيبا إنه يفقدهم هدوءهم وسلامهم الداخلي.