فاطمئن إذا إلي رغبة الله في رجوعك إليه.. ولكن في نفس الوقت ينبغي أن تشترك معه في الرغبة والعمل…
ينبغي أن تؤمن تماما بلزوم الله لك في الحياة, وأنك بدونه لا تقدر أن تعمل شيئا (يو 15:5). وينبغي أن تدرك من أعماقك حلاوة العشرة مع الله. وسمو وجمال الحياة الروحية, والرجوع إلي صورة الله التي كانت لآدم النقي البسيط…
ينبغي أن تذكر نذورك التي نذرتها لله في المعمودية…
حينما نذرت أن تجحد الشيطان وكل أعماله الردية, وكل شروره وكل حيله.. وقتذاك بدأت بداية طيبة, وولدت من الله, ولبست المسيح (غل 3:27) وخلعت الإنسان العتيق, وعشت في جدة الحياة ـ رو 6: 6,4 ـ وصرت نقيا من كل خطية..
وشيئا فشيئا, نسيت نذورك, ونسيت بنوتك لله, وتركت نقاوتك, وانفصلت عن الله, وتود الآن أن ترجع إليه…
ولكي ترجع إلي الله, اذكر أنك ملك له…
أنت لست ملكا لنفسك, حتي تتصرف فيها كما تشاء. إنما أنت ملك لله الذي خلقك, والذي فداك. وهوذا القديس بولس الرسول يقول لنا: إنكم لستم لأنفسكم, لأنكم قد اشتريتم بثمن, فمجدوا الله في أجسادكم وفي أرواحكم التي هي لله (1كو 6:20,19).
إن الشيطان قد سلبك من الله. ولكن الله ـ من حبه لك ـ يتمسك بملكيته لك, ويقول: ارجعوا إلي ارجعوا إلي نقاوتكم, التي كانت لكم وأنتم ثابتون في… ارجعوا إلي راحتكم: فلا راحة لكم إلا في.
كل الذين بعدوا عن الله, أو انفصلوا عنه, لم يجدوا راحة لأنفسهم. وعاشوا في تعب واضطراب.. ولقد اختبر أوغسطينوس هذا الأمر فقال للرب: [ستظل قلوبنا قلقة, إلي أن تجد راحتها فيك].
الرب الذي يريد لنا الرجوع, يقول لنا, ونحن في تعب العالم وهمومه تعالوا إلي ياجميع المتعبين والثقيلي الأحمال, وأنا أريحكم (مت 11ـ28).
إن رجعت إلي الله, تنحل كل مشاكلك..
بل تعيش بلا مشكلة لأن المشكلة الوحيدة الحقيقية في حياتك هي الانفصال عن الله. وكل المشاكل الباقية قد تكون نتيجة لها. فإن رجعت إلي الله: تحيا في سلام.. في سلام مع الله, وسلام مع نفسك وداخل قلبك. لأنه هكذا قال السيد الرب:
بالرجوع والسكون تخلصون.. بالهدوء والطمأنينة تكون قوتكم (أش 30:15).
لذلك ارجع إلي الرب. ارجع إلي النور: فلا تسلك في الظلمة, ارجع إلي الروح, فلا تحيا للمادة, ولا حسب الجسد. ارجع إلي الحياة, فالخطية موت…
وبهذا يتجدد مثل النسر شبابك(مز 103:5).
وتشعر بالعزاء في حياتك الروحية, وتدب الحرارة في حياتك, ويصير لحياتك طعم, ويصير لها هدف. وتشعر أن الله داخلك. وأنه معك, وتذوق ملكوته, وتختبر حلاوة العشرة معه, وتعرف معني عبارة الالتصاق بالرب (مز 73:28).
إن الله يريدنا أن نرجع إليه.. يريد لنا الخلاص, ويريد منا أن نحبه كما أحبنا…
لذلك هو يقول ارجعوا إلي بكل قلوبكم (يوئيل 2: 12). ويسجل لنا الوحي الإلهي هذه العبارة الجميلة هل مسرة أسر بموت الشرير ـ يقول السيد الرب ـ إلا برجوعه عن طريقه فيحيا (خر 18:23).
إن الله يريدنا أن نرجع إليه, لنحيا.. ذلك لأن الخطية حالة موت روحي علي الأرض, ونتيجتها الموت الأبدي..
إذن فالله يريدنا أن نرجع, من أجل صالحنا..
يضاف إلي هذا حنوه ومحبته, لأنه لا يسر بموت الخاطئ. إن موت الخاطئ أمر يحزن قلب الله بلا شك. ولهذا فإنه إذا رجع الخاطئ يكون فرح السماء لو 15:7.
ولقد فرح الرسل وبشروا التلاميذ برجوع الأمم ـ أع 19:3 ـ.. واستخدم الكتاب عبارة رجوع بالنسبة إلي الأمم, ذلك لأن الإيمان هو الوضع الأصلي للبشرية عموما, قبل أن تنفصل الأمم عن هذا الإيمان وعن الله. فلما آمنوا اعتبر هذا رجوعا إلي الله.
اعرف ياأخي حقيقة هامة وهي:
إن الله يريد رجوعك إليه, أكثر مما تريد أنت….
فقد يكون الإنسان الخاطئ غافلا عن خلاص نفسه, لا يفكر أن يرجع إلي الله. أو قد يكون بالخطية, راغبا في البقاء فيها شاعرا أن الرجوع إلي الله سيحرمه من كل ملاذه.
وفي كل ذلك يكون الله في سعي مستمر لإرجاع هذا الخاطئ إليه: بكافة الطرق.
وقصص سعي الله وراء الخطاة كثيرة جدا…
ذكر منها في الأصحاح 15 من الإنجيل لمعلمنا لوقا البشير, قصة الخروف الضال, وقصة الدرهم المفقود. وذكر إنجيل يوحنا سعي الله لرد المرأة السامرية في وقت لم تكن تفكر فيه إطلاقا أن تلتقي معه.. وكذلك وقوف الله علي الباب وهو يقرع, يطلب من النفس أن تفتح له..
وما لي أذهب بعيدا.. أن كل رسالات الأنبياء تتركز حول هذا الموضوع هو رغبة الله في رجوعنا إليه.. وليس مجرد الرغبة.. وإنما العمل علي ذلك أيضا.
وهنا نسأل:
إن كان رجوعنا إلي الله, مفرحا لله, والله يريده ويسعي إليه, ونحن أيضا نريده… فكيف إذن نرجع إليه!
أتسأل, كيف أرجع إلي الله؟
إن الصلاة هي الوسيلة الفعالة التي ترجعك إلي الله
الصلاة هي وسيلة الرجوع
اسكب نفسك أمام الله وقل له:
أنا يارب أريدك… أريد أن أرجع إليك, فانتشلني مما أنا فيه, واجذبني إليك مرة أخري.
أنا بدونك لا شيء.. لقد فقدت حياتي حينما فقدتك..
فقدت لذتي وسعادتي.. وأصبحت حياتي بلا طعم…
أنا يارب أريد أن أرجع إليك.. ولكن أعدائي قد اعتزوا أكثر مني.. إنهم ـ يتهللون أن أنا زللت ـ (مز 12).. وكثيرون يقولون لنفسي ليس له خلاص بإلهه (مز 3).
لقد فقدت قوتي لما بعدت عنك, فأعطني قوة من عندك, أعطني المعونة الإلهية التي بها أرجع إليك.
ألق نفسك أمام الله, وصارع معه.. وقل له:
سوف لا أقوم من هنا, إلا وقد أخذت منك بركة خاصة, وشعرت أنك أرجعتني إليك وحسبتني من أولادك.
لست أريد فقط أن تغفر لي خطيتي, إنما أريد أن تنزع من قلبي كل محبة للخطية علي الإطلاق…
لا استطيع أن أرجع إليك, ومحبة الخطية في قلبي.. فماذا أفعل؟.. هل أنتظر إلي أن تزول محبة الخطية من قلبي, ثم أرجع إليك؟.. بينما لا يمكن أن أتخلص منها إلا بك….! ها أنا آتيك بخطيتي كما أنا.. وأنت الذي تنزعها مني.
البقية العدد المقبل