يقول يشوع بن سيراخ:في جميع أعمالك اذكر أواخرك فلن تخطأ أبدا 7:36, نحن نتحدث عن موت الآخرين, ولكن نتجنب التفكير في ساعة موتنا, ومن الممكن أن تكون هذه اللحظة الحاسمة التي نتجاهلها أو نعتبرها بعيدة المنال, أقرب مما نتخيل, فالحكيم هو من يفكر دائما في ساعة النهاية لأنها تمنحه درسا ضروريا لمعني الحياة, ذهب الفيلسوف الشهير ديوجين إلي المقابر, وبدأ يجول بنظراته في الجماجم الموجودة هناك, وإذ فجأة وقف أمامه الإسكندر الأكبر أعظم الملوك في تاريخ البشرية,لأنه كان يبحث عن ديوجين طمعا لسماع حكمة منه, وعندما رآه في هذه الحالة, خاطبه ملاطفا:ماذا تفعل هنا يا ديوجين؟أجابه:أبحث عن جمجمة والدك الراحل- ولكن الموت لايفرق بيننا جميعا, فكيف تهتدي إليها؟- هذا ما يجب أن تتذكره يا إسكندر, لأنك غالبا ما تتجاهله! إنه درس في غاية الأهمية لكل واحد منا, حتي نتذكر ساعة الموت دون خوف وهلع منها, لأن فكرة الموت إن واجهناها بصدق نية وحكمة, لن تنغص حياتنا, بل توقظ ضمائرنا إلي تقدير الحياة والوقت, واستثمار إمكانياتنا وقدراتنا, وستصبح حياتنا أفضل بكثير لأننا سنسعي لعمل الخير, ونبدأ في البنيان والتفكير في الآخرين, لا في أنفسنا فقط, ولنتعلم من الموسيقار النابغة موتسارت Mozart عندما قال: بما أن الموت هو المصير المحتوم لكل كائن حي, فأنا ألفت فكرته إلي درجة أنها لم تعد مخيفة بالنسبة لي, بل أصبحت ينبوع تعزية وعذوبة وحافز نشاط وحيوية, كما أحمد الله الذي منحني نعمة الاقتناع بأن الموت هو مفتاح سعادتنا الحقة, فلا أذهب إلي فراشي مرة واحدة دون الاعتقاد بأنه رغم حداثة سني, من الممكن ألا أستيقظ من نومي في صباح اليوم التالي, ومع ذلك لا أحد من أصدقائي أو معارفي يستطيع القول بأن فكرة الموت أحزنتني لحظة واحدة, بل أرفع كل يوم آيات الشكر لله علي هذه السعادة, وأتمناها بكل صدق لسائر البشر أخوتي ما أعمق كلمات الموسيقار موتسارت الذي مات في ريعان الشباب, ففكرة الموت لم تضع حاجزا بيينه وبين عبقريته الموسيقية, لكنها أضفت علي حياته سعادة ومتعة دافعة إياه للعمل الجدي واستثمار موهبته ووقته لأن الحياة الحقة التي تليق بالإنسان, لاتعني أن يخلد إلي الراحة ويحصد ما لم يزرع ويتذوق ثمارا جناها غيره, متقلبا علي سرير الكسل والخمول, أو مكتفيا بأقل جهد, ويكون همه الأول والأخير إمتاع ذاته وإضاعة الوقت في اللهو والترفيه, لكن الحياة الجديرة بالإنسان,هي ألا يخلد للراحة, ولكن يبذل ما في وسعه ليثمر ثمارا تليق به وبالآخرين, جميعنا يعلم جيدا بأنه لن يبقي سوي ما أتيناه من أعمال في سبيل الله والآخرين, وكل هذا يمنحنا رضي القلب في حياتنا, وعذوبة الطمأنينة ساعة موتنا, ورجاء السعادة في الآخرة, فإذا كانت حياتنا قصيرة وأيامها معدودة, ورحلتنا في هذه الدنيا ليست طويلة, إذا أفضل مقياس لها الأعمال الخيرة والذكريات الحسنة والخالدة, والإنسان الحكيم هو الذي يعرف كيف يقضيها في أعمال الخير والبر ومخافة الله ومساعدة الغير, لأن الله تعالي سوف يطالبنا بما فعلناه في هذه الحياة سواء كان خيرا أم شرا, لأننا خلقنا لتمجيده ولخير الآخرين, فالحياة نعمة من الله ورسالة يجب أن نقوم بها بكل إخلاص وتفان لذلك يجب علي كل واحد منا أن يترك أثرا وبصمة قبل أن يغادر هذه الحياة, كما أننا نعيش علي آثار وبصمات من سبقونا الذين تركوا تراثهم وحفروه علي صفحات التاريخ, وكما يعلمنا القول المأثور:إن مقياس الحياة ليس في طول بقائها, ولكن في قوة عطائها كل هذا لا يمنعنا أن نفكر في دنيانا دون أن ننس آخرتنا, لأن الله لم يخلقنا لنضع كل اهتماماتنا في هذه الدنيا فقط, ولكن لنحبه وتعبده ونخدمه في الآخرين, إذا يجب أن نتذكر دائما بأننا ضيوف ومسافرون نحو الأبدية, لذا يجب علينا ألا نصير عبيدا للعالم, ويصل بنا الحال لنسيان الله وغاية وجودنا علي هذه الأرض, وكما يعلمنا السيد المسيح:ماذا ينفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه؟ وماذا يعطي الإنسان بدلا لنفسه؟متي 16:26, فالله خلقنا لنعيش بعقلنا وقلبنا وروحنا له, وللبشر إخوتنا بكل ما نقدمه لهم من خير وتضحية ,وتختم بالقول المأثور: إن الناس نوعان: موتي في حياتهم, وآخرون في باطن الأرض أحياء.