تُرى هل يكفي أن نُعلِّم أولادنا المصطلحات والمعلومات العلمية الصحيحة عن الجنس، ثم نتركهم ليكتشفوا بأنفسهم ما الصحيح وما الخطأ من السلوكيات المرتبطة به؟ إن ذلك يشبه أن نضعهم في قارب صغير وسط تيار ماء يجري بسرعة نحو شلال، بدون أن نجهز قاربهم بمجدافين ودفة للتحكم في اتجاه السير، ثم نتوقع منهم أن يبحروا به ضد التيار!
أولادنا في عالم اليوم تحيط بهم أخطار أكثر وأشد بما لا يقارن مع ما عايشناه نحن كآباء وأمهات منذ سنين؛ ولاشك أن هذه الضغوط المعاصرة تُزيد من صعوبة مهمة أن نربحهم لحياة أفضل.. فكيف ندعمهم ليقاوموا الإغراءات التي تحثهم على إثبات رجولتهم أو أنوثتهن من خلال تجربة الجنس؟ وكيف ندرِّبهم على مهارات الرفض والتمييز حتى يصنعوا الاختيار الصحيحللمستقبل، والأضمن لسلامتهم الروحية والجسدية والعاطفية والأسرية؟
وكما يشعر البعض بصعوبة الحديث عن الجنس مع أبنائهم؛ فإن الكثيرين أيضًا يتوقفون عند حد إعطاء المعلومات، ويتجنبون حرج مناقشة السلوك، وكيفية ترجمة المعرفة إلى اختيار حياة يومي يتطور مع الوقت ليصبح توجهًا أخلاقيًا يستمر معهم لبقية عمرهم. ولعل ما يجعل الأمر صعبًا على الوالدين أحيانًا هو نوعية الأسئلة والمفاهيم التي لابد أن يشملها الحوار حول السلوكيات الخطرة، كتجربة ممارسة الجنس أو تعاطي المخدرات، والتبعاتالتي يمكن أن تترتب على مثل هذه السلوكيات. ومع أن الأبناء الأصغر سنًا هم الذين قد يبادرون بالسؤال عن الجنس، إلا أن مبادرة الحديث عن السلوك والاختيارات الحياتية لابد أن تأتي من الوالدين مع بداية فترة المراهقة.
لنبدأ الحوار بتوضيح المفهوم الأعمق للعلاقة الجنسية، وقدسيتها كما خلقها الله، وتبعات هذه العلاقة عندما تكون خارج إطار الزواج. فالجنس أكثر من مجرد لقاء جسدي بين ذكر وأنثى تجمعهما علاقة عاطفية، به يعبِّران عن مشاعرهما تجاهبعضهما، ويتمتعان وقتيًا من خلال إزالة التوتر العضويلديهما؛ بل هو في الواقع علاقة حميمية تشمل وتؤثر على كل جوانب الشخصية، وتحتاج أن يسبقها التعهد بالالتزام تجاه الآخر مدى الحياة.
وبينما يستمر حوارنا مع أبنائنا عن السلوك الجنسي المسؤول، وذكاء وروعة اختيار أن ينتظروا بالجنس حتى الوقت المثالي.. ألا وهو زواجهم؛ فإن الهدية التي لا تقدَّر بثمن التي يمكن أن نقدمها لهم هي تغلبنا على الحرج الذي قد يمنعنا من الدخول في حديث معهم يتطرق إلى أسئلة صعبة وموضوعات شائكة ترتبط بالجنس، وقرار الامتناع عنه حتى يأتي الوقت المناسب، وما يرتبط بذلك من قرارات تجاه إغراءات أخرى. فلنحرص أن نفعل هذا في جو تسوده المحبة والعلاقات الدافئة، مع التأكيد في كل مناسبة أن باب الحوار عن كل ما يشغل تفكيرهم أو يواجههم من تحديات مفتوح دائمًا وبلا حدود.
لا يوجد ما يغلق عقل وقلب المراهقين مثل عشرة آلاف كلمة من النصائح والاقتراحات التي تهبط عليهم من الوالدين في كل مرة يأتي فيها ذكر السلوك الجنسي، سواء في أحاديثهم العابرة أو المخطط لها. بل إن أقوى تأثير للوالدين في هذا الجانب يتحقق مع تكرار الحوارات الهادئة والبسيطة، المشمولة بتعبير أبوي صادق عن الاهتمام بمصلحة الابن والابنة ومستقبلهم، مع احترام خصوصيتهم وعدم إجبارهم على مشاركة ما لا يريدون الإفصاح عنه. وبقدر تفهمك لنوع ما يعايشونه من صراع، وتأكيد قبولك لهم، فإن الثقة المتبادلة والحوار البنّاء سينموان تلقائيًا. لكن ما الذي يجب أن نناقشه، ونثير الحوار حوله؟ هذا ما سنتعرض له في المرات القادمة.
سامي يعقوب
FocusOnTheFamily.me