أنطون سيدهم .. ومشوار وطني
أنطون سيدهم .. والسياسة الداخلية
أخيرا وبعد أن مضي علي سيول مديريات المنيا وأسيوط وسوهاج شهر تقريبا يظهر إهمال وتهاون واستهتار رجال الإدارة, فقد اتضح أخيرا أنه سبق أن دقت أجراس الخطر منذ أول سنة 1993 حين عقدت ندوة بمعرفة أكاديمية البحث العلمي وفيها نادي العلماء المصريون بتحذير من أنه ستحدث سيول جارفة بالمحافظات المنكوبة, وأن هناك قري عديدة مزدحمة بالسكان علي طريق هذه السيول, ونادت بوجوب ضرورة إجراء دراسات تفصيلية لكل القري الواقعة في طريق السيول وإقامة السدود اللازمة لحمايتها, كما دعت إلي تكثيف الزراعات في طريق هذه السيول لإعاقتها فتخفف من تدفقها, أما كان من الصائب أن تقوم الحكومة بأجهزتها المختلفة باتخاذ كافة الإجراءات للقيام بجميع المشاريع التي تعوق سير هذه السيول أو تخفيضه علي الأقل, ألم يكن من الواجب أن تنقل القري من طريق سير هذه السيول, أليست الوقاية خير من العلاج بعد أن تحملت مصر مئات الضحايا الذين راحوا بسبب هذه النكبة والخسائر الفادحة في الأموال التي ضاعت علي هؤلاء المساكين الباقين من عائلات هذه الأماكن المنكوبة, نعم لقد قامت الحكومة والجيش بمجهودات جبارة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه,ولكن بعد وقوع الخراب.
ثم ما هذا الاستهتار بإقامة صهاريج البترول بجوار قرية درنكة بالرغم من الشكاوي والتحذيرات المختلفة التي وجهت إلي رجال الإدارة والمختصين عن خطورة هذه الصهاريج, فلم يحرك أحد ساكنا, وكما يحدث في جميع الظروف, فكانت النتيجة هذا الحريق المدمر الذي أتي علي من بقي من سكان درنكة, إن هذا الإهمال والاستهتار والتسيب الذي هو ديدن رجال الحكومة من صغيرهم إلي كبيرهم سمة هذا الزمن, ولا قيمة لمصالح أو حياة الأفراد, فهم شيء تافه لا يستحق عناية هؤلاء السادة.
أما ما حدث بعد وقوع هذه المصيبة, وبعد وصول المعونات الخارجية من الدول العربية والأجنبية فإن آلاف الخيام وعشرات الآلاف من البطاطين المصنوعة من أجود أنواع الصوف, قد تم نهب أغلبها بمعرفة الموظفين المختلفين والمكلفين بتوزيعها علي المنكوبين, أما ما بقي منها فقد تم استبداله بأردأ الأنواع, وبذا لم يصل إلي الغلابة الباقين من العائلات المنكوبة إلا أقل القليل, أما عن الأغذية المختلفة والتي هي من أحسن الأنواع فقد اختفي أكثرها بقدرة قادر ولم يعط إلي المنكوبين إلا بعضها والبعض الآخر نهبه الموزعون ورؤساؤهم وأقاربهم ومحاسيبهم. أما عن التبرعات النقدية فحدث عنها ولا حرج, ولذا فقد لجأ الكثيرون إلي التبرع بملابس وأغطية ومأكولات ظنا منهم بأنها ستفلت من أيدي هذه النفوس المريضة الحقيرة التي لا ضمير لها, ضاع أغلبها في الطريق إلي المنكوبين, لذلك فقد تبرع رجال الأعمال بإقامة مباني الكثير من القري المنكوبة, وحسنا فعلوا.
أليس من واجب الحكومة أن تقوم بالتحقيق مع المسئولين الذين لم يأخذوا بالتحذيرات التي أطلقت من العلماء المختصين, فقاموا وقد كان لديهم الوقت الكافي للقيام بالتوصيات التي نادي بها العلماء, لو حدث ذلك لخفت وطأة هذه النكبة إلي أقل القليل من الخسائر في الأرواح والممتلكات, أليس من واجب الحكومة التحقيق في عمليات النهب والسلب التي حدثت للتبرعات العينية, وأصبحت محل كتابة الصحف, وتندرات الكثيرين, إنها حقا لفضيحة يجب محاكمة المسئولين عنها, وتوقيع أقصي العقاب عليهم.
وهكذا بعد كل نكبة تحل بالبلاد نجد أنه كان من الممكن اتخاذ الإجراءات لتخفيفها أو لتفاديها, ولكن إهمال المختصين واستهتارهم وعدم القيام بواجباتهم أدي إلي تفاقم الخسائر, اللهم أنقذ البلاد من هذه الروح السيئة التي سببت للأهالي مئات الضحايا وملايين الجنيهات..