في عموده الشيق بصحيفة المصري اليوم, نشر الصديق العزيز الأستاذ حمدي رزق مقالا في 2020/8/24 تحت عنوان مناولة الدكتور جورج بباوي جاء فيه: إن عطف البابا تواضروس الثاني علي الدكتور جورج بباوي في مرضه نموذج ومثال, إذ وجه بمناولته حسب رجائه, وإعادته إلي الكنيسة بعد أن كان محروما بقرار من البابا شنودة الثالث عندما اختلفا كنسيا في منتصف الثمانينيات فترك مصر ثم استقر في أمريكا عميدا لمعهد الدراسات الأرثوذكسية.
وبالجدير بالتنويه هنا أن الدكتور جورج بباوي هو أحد تلاميذ مدرسة الأب متي المسكين وهي مدرسة لاهوتية منفتحة علي ما هو مخالف, ومن حيث هي كذلك فإنها تقف علي الضد من المدرسة اللاهوتية المنغلقة, ومن هنا نشأ الصراع إلا أنه كان صراعا خفيا. والسؤال إذن: لماذا كان خفيا؟ جوابي علي هذا السؤال يستند إلي علاقة حميمة نشأت بيني وبين كل منهما, وكان البابا شنودة في حينها خادما في مدارس الأحد مع الانحياز إلي الرهبنة, وكان أبوه الروحي الأب متي المسكين, وكان في حينها أيضا سلطة دينية تري أن مدارس الأحد حزب داخل الكنيسة خاصة وأن غلاف مجلة مدارس الأحد مرسوم عليه صورة المسيح وفي يده كرباج وتحت الكرباج عبارة مدارس الأحد وتحتها إلي اليسار عبارة رسالة البعث الجديد وهي عبارة تشي بتماثل مع عبارة حزب البعث الذي نشأ في الأربعينيات من القرن العشرين في سوريا.
وفي هذا السياق اتهم كل من الأب متي المسكين والراهب الأب أنطونيوس بالتمرد علي الكنيسة الأرثوذكسية لمجرد أن الأول اجتهد في تأويل النص الديني, ومن ثم صدر ضده بيان في 26 مايو 1955 عندما كان وكيلا للبطريركية بالإسكندرية منذ عام 1954, أما الثاني فقد اتهم من قبل السلطة السياسية بأنه يقيم دولة داخل دولة وكان في حينها مستشارا للبابا كيرلس السادس, وكانت النتيجة إقصاءه من الديوان البطريركي.
ومع ذلك فثمة ملاحظة جديرة بالتنويه وهي أن كلا منهما قال للآخر: هل تريد أن تكون بطريركا؟ وكان الجواب بالنفي من كل منهما. وهكذا قيل لي هذا الحوار المقتضب من كل منهما, ومع ذلك تم ترشيح الاثنين لمنصب البطريرك إثر نياحة البابا كيرلس السادس وفاز أسقف التعليم الديني الأنبا شنودة.
وهنا بدأ الصراع الخفي بين الاثنين الذي أدي بالبابا شنودة إلي التحريض علي عدم قراءة مؤلفات الأب متي المسكين وعلي سحبها من الأسواق, وقد ازداد الصراع حدة عندما اكتظ دير الأنبا مقار -حيث يقيم به تلاميذ الأب متي المسكين- بتلاميذ البابا شنودة الثالث من الرهبان. وكانت النتيجة اغتيال الأنبا إبيفانيوس رئيس الدير في يوليو 2018 بدعوي أنه منحاز إلي الفكر اللاهوتي المنفتح للأب متي المسكين.
والجدير بالتنويه هنا أن البابا تواضروس الثاني مع الانفتاح وضد الانغلاق, وهذه المعية تتسق مع الوضع القادم في الشرق الأوسط حيث تكون الأديان الإبراهيمية الثلاثة في حالة سلام بدون تزمت يصل بالضرورة إلي حالة صراع, وإلي أن يتحول ذلك الوضع القادم إلي وضع قائم, سيظل الصراع أمرا لازما علي نحو ما أري.