شكاوي الآباء من الأبناء: تتزايد شكاوي الآباء والأمهات من بعض سلوكيات الأبناء والبنات, وتتناول الشكاوي جوانب متعددة من تصرفات الأبناء.
تقول إحدي الأمهات: الجيل الجديد لم يعد مطيعا, لا يحترم الكبار كما كان الجيل السابق يفعل, يصيبه الاكتئاب أحيانا والعدوانية في أحيان أخري. أو نسمع أحد الآباء يقول: الأبناء لا يهتمون بالمذاكرة ولا بأداء الواجبات المدرسية, لا يتقبلون العقاب ولا يعترفون بارتكابهم الأخطاء, مطالبهم لا تنتهي ولا يقدرون إمكانيات الأسرة, يميلون إلي العناد والتحدي.
فالآباء والأمهات يطلبون من الأبناء طاعة التوجيهات الأبوية وتنفيذ الأوامر بغير مناقشة, فإذا أبدي الابن رأيه أو طالبت الابنة والدتها بتفسير تلك الأوامر لإقناعهم بما تطلبه منها, نعتبر الابنة أو الابن متمردا عنيدا يتحدي السلطات الأبوية.
فهل يخطئ الابن إذا ناقش الأوامر ليقتنع بها قبل أن ينفذها؟ هل في هذا عدم احترام للكبار أو انتقاص من سمات الطاعة؟
الحوار بدلا من الطاعة المطلقة: التربية الحديثة تطالب الكبار بأن يحل الحوار محل الأوامر, والإقناع مكان التهديد بالعقاب, والمشاركة بدل التلقين.
التربية الحديثة تطلب من الآباء الصبر علي أسئلة الأبناء, وأن تكون طلباتهم من الأبناء في صيغة الاختيار كلما أمكن, فبدلا من الأوامر التي تقول: تناول هذا الطعام وارتد هذه الملابس, نقول: هل تحب تناول الأرز أو المكرونة؟ هل تفضلين لبس الرداء الوردي أم اللبني؟, وبذلك يتعلم الأبناء كيف يقارنون ويوازنون وكيف يتخذون القرارات, وكيف يتحملون المسئولية عن قراراتهم.
أما أسلوب الأوامر وطلب الطاعة المطلقة, فهو في نظر الأبناء نوع من عناد الآباء, لا يتعلم منه أبناؤهم أيضا إلا أسلوب العناد, فيصرون علي مطالبهم مهما رأي الآباء أنها غير معقولة أو مقبولة.
ولعل أسوأ نتائج القمع والتسلط الذي يمارسه الكبار علي الصغار, هو قتل ملكات الإبداع والابتكار عند الأطفال, والتي لا تنمو إلا في مناخ من التفاهم وتبادل الآراء وتقبل الأطفال والصبر عليهم.
وإذا تعود الأبناء منذ طفولتهم المبكرة علي أسلوب الحوار والاقتناع, فلن تصل الأسرة أبدا إلي مرحلة العناد والتحدي والعدوانية, فهذه السلوكيات من الصغار لا تأتي إلا كرد فعل لأسلوب خاطئ أثناء التعامل مع الأطفال تحت تصورات خاطئة ومبالغ فيها لمعاني الطاعة واحترام الكبار.
الحوار لا يتعارض مع التربية: وليس معني هذا أن نخضع لرغبات الأطفال, فهذا شيء مرفوض تماما, فالتربية الصحيحة لابد أن تحرص علي الضبط لسلوك الأبناء, علي أن يجيء هذا بالإقناع وتقديم القدوة السليمة لهم, مع إعطاء الأبناء مساحة معقولة للحرية في شئون الحياة اليومية, مثل اختيار الطعام والملابس, مع المرونة في اختيار وسائل قضاء وقت الفراغ واختيار الأصدقاء بغير فرض أو إجبار.
تشجيع الأطفال علي الاهتمام بالمواد المدرسية: أما المذاكرة والإقبال عليها, فيتطلبان إحاطة الأبناء بما تسميه التربية الحديثة جو التعلم, الذي يتركز في إعلاء قيمة التعلم أمام الأبناء, وذلك بطرق كثيرة منها الإشادة الدائمة بمن شقوا طريق النجاح بواسطة التعلم, وتهيئة الجو الملائم للاستذكار, مثل الحرص علي عدم تشغيل التليفزيون أو الراديو أثناء مذاكرة الأبناء, ومكافأة الأبناء المعنوية أو المادية عن كل إنجاز دراسي.
أهمية الأنشطة للأبناء: وكذلك ترك مساحة كافية من الوقت ليمارس الأبناء الأنشطة المختلفة, من هوايات ورياضة. فمن المهم أن ينظم الأبناء الوقت ما بين استذكار الدروس والاهتمام بالأنشطة, لكي لا يصيبهم الملل والضيق. أما الضغط الدائم علي الأبناء لكي لا يفعلوا خلال العام الدراسي شيئا إلا الاهتمام بالمواد الدراسية, فهو أمر مخالف للطبيعة البشرية, ويقتل الدافعية إلي التعلم, ويقضي علي كل عناصر الإبداع في عقول وسلوك الأبناء.
الصداقة والصراحة بين الآباء والأبناء: قد يصاب الأبناء باكتئاب نتيجة انعدام فرصهم في التنفيس عما يعانون من مشاكل وصراعات داخلية, لهذا لابد أن تكون علاقة الآباء بالأبناء علاقة صداقة وصراحة, مع إتاحة علاقات اجتماعية سليمة للطفل بأطفال الأقارب أو الجيران, خاصة وأن الأسرة تميل الآن إلي عدم زيادة عدد أبنائها عن واحد أو اثنين, وهو ما يتعين تعويضه عن طريق جماعات الرفقاء والأصدقاء, لممارسة الأنشطة المختلفة, مثل اللعب أو الذهاب إلي المكتبات والرحلات.
كيف نعالج ما نسميه أنانية الأبناء: أما ما يسميه الكبار أنانية الأبناء وعدم مراعاتهم ظروف الأسرة المادية, فسببه أن الوالدين يحجبون عن الأبناء أي حديث عن إمكانيات الأسرة المادية- فالطفل منذ أعوام حياته الأولي, يتعلم ما تسميه التربية تأجيل الرغبات, فالطفل يريد أن يشتري كل ما في السوق وأن يستحوذ علي كل ما حوله, لكنه يتعلم شيئا فشيئا أنه لن يشتري إلا شيئا واحدا في حدود مصروفه, ولن يلعب إلا بلعبة واحدة. فلابد من إتاحة الفرصة للأبناء, في حدود معقولة, ليتعرفوا, بوجه عام, علي دخل الأسرة والتزاماتها الشهرية, لكي يشتركوا في الإحساس بالمسئولية عن طريقة إنفاق الدخل, وبالتالي لا يطالبون بأكثر مما هو متاح لأسرتهم.
Email: [email protected]