تتلمذت علي يد كل من يوسف كرم وعبدالرحمن بدوي
مصر متمسكة بالأصولية الدينية والتيار العلماني ضعيف للغاية
مازلت آمل في إحياء مدرسة ابن رشد
جميع الأديان في هذا الزمن أصولية
العلمانية تنتسب إلي العالم وليس للعلم
الحياة نفسها هي الفلسفة .. والمطلق هو الغاية
فيلسوف عصره حمل علي عاتقه رسالة التنوير وقام بإحياء فلسفة ابن رشد بوصفها أداة لمد جسر يعبر الهوة بين الغرب والمجتمع الإسلامي بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر وعلامة نجاح ابن رشد في البيئة الأوروبية من خلال فلسفة الرشدية اللاتينية التي أسهمت كثيرا في تأسيس العقلانية الأوروبية.. نادي بالعلمانية فاستنكر الأصوليون فكره ورفضوه لكنه لم يبال وظل يحارب فكرة آمن بها وكرس لها حياته ودراساته وأبحاثه فأصبح اسمه مذكورا في موسوعة الشخصيات العالمية, حيث يعتبر من بين الـ500 شخصية الأكثر شهرة في العالم.. إنه الدكتور البروفيسير مراد وهبة رائد التنوير في مصر.
شخصيات أثرت في فكر د.مراد وهبة
* تتلمذت علي يد كل من يوسف كرم الملقب براهب الفلسفة المصرية, وأستاذ الفلسفة عبدالرحمن بدوي, فكيف تأثرت بهما؟
** في الأساس لم يدرس لي يوسف كرم, هو كان أستاذا بجامعة الإسكندرية, سافر إلي فرنسا ليعد رسالة الدكتوراه بجامعة السوربون, واستدعاه في ذلك الوقت طه حسين حتي يقوم بتأسيس قسم الفلسفة في جامعة القاهرة, وبدأ إعجابي به عندما بدأت أقرأ في الفلسفة ووجدت أمامي كتابا عنوانه تاريخ الفلسفة اليونانية من تأليف يوسف كرم, وكان الكتاب الوحيد الذي ألفه في هذا الوقت, هذا الكتاب تميز بدقة العبارات والألفاظ الواضحة والمركزة, فلا يوجد لفظ يمكن إحلاله بلفظ آخر ولا يمكن حذف أي سطر, فوجدت أن هذا هو الأسلوب الأمثل في الكتابة الفلسفية بالنسبة لي, وأتذكر أن هذا الكتاب قرأته أكثر من مرة. في نفس الوقت كنت أتردد كثيرا علي معهد الآباء الدومينيكان في العباسية, وكان مسئولا عن مكتبة المعهد الراهب الأب قنواتي, وكنت أمضي الوقت كله في المكتبة, واستعير أحيانا كتابا حتي إقرأ في المنزل, وكان الأب قنواتي علي صلة وثيقة بيوسف كرم, وطلبت منه أن يساعدني في التعرف عليه, وحتي ألفت انتباه كرم وأبرر رغبتي في لقائه لأني لست تلميذا له وكنت صغيرا في ذلك الوقت مجرد طالب في السنة الثانية بالكلية, فقمت بترجمة محاضرة له من الفرنسية إلي العربية وكانت عن الفيلسوف الفرنسي الشهير بيرجسون الذي توفي عام 1941, وأتذكر أن كرم استمع لي جيدا وأخذ الترجمة واستمتع بها وقال لي: أنا مستعد أن أتواصل معك, ومن بعدها كنت أذهب إليه في جامعة الإسكندرية, وأحضر محاضراته صباحا وبعد الظهر التقي به في منزله وفي المساء أعود إلي القاهرة, وظلت علاقتي به قوية جدا إلي أن غادر هذه الدنيا.
أما ثاني من تأثرت بهم فكان أستاذي بجامعة القاهرة عبدالرحمن بدوي كان يدرس لي وأنا في السنة الثانية وطلب من الدفعة عمل بحث, وقمت حينها بعمل بحث من حوالي 30 صفحة مستعينا بـ30 مرجعا باللغة الإنجليزية والفرنسية والعربية وسلمت البحث للدكتور وبعدها بشهر دخل ومعه الأبحاث وأعطانا الدرجات, لكن العظيم هنا هو مفاجأته لي عندما دخل إلي المحاضرة سأل أين مراد وهبة فخشيت أن أكون غير موفق ولم أتصور خلاف ذلك, فأجبت: إني موجود, فقال: سوف أقرأ ما كتبته عن البحث المقدم منك, وكان ذلك في حوالي 10 أسطر بدأت كالآتي: صاحب هذا البحث له مستقبل عظيم في التأليف, ومن هنا بدأت علاقتي تتطور مع عبدالرحمن بدوي, بدأنا نمشي سويا, وكان يسترسل معي في كيفية تأليف الكتب واستمرت علاقتي به إلي أن تركت جامعة القاهرة وانتقلت إلي جامعة عين شمس ولحسن حظي كان بدوي رئيسا لقسم الفلسفة هناك فالتقيت به وعندما أخبرته بأنني سوف أشرع في دراسة وأبحاث لنيل درجة الدكتوراه, قال لي: هنيئا وسوف أشرف علي الرسالة.
* من هم تلاميذ مراد وهبة من الجيل الحالي؟
** تلاميذ كثر من المتميزين والمتميزات أذكر في هذا الخصوص الدكتورة منة أبوسنة خريجة كلية الآداب القسم الإنجليزي, لكنها وجدت شغفها في مجال الفلسفة وحصلت علي درجة الدكتوراه في رسالة تجمع بين الأدب الإنجليزي والفلسفة, أيضا أذكر الدكتور حسن الببلاوي أستاذ التربية وأذكر أنه عندما كان طالبا في السنة الرابعة وهو كان يساريا, فوجئت به يسألني علي الملأ: يا أستاذ أفصح عن أيديولوجيتك, وكان ردي: أنا هنا أستاذ جامعي فلا يصح أن أخلط بين موقعي هذا وبين ما أراه في ذهني من أفكار وبالتالي لن أستطيع الإجابة علي سؤالك, أيضا الدكتور جمال شكر من طلابي الذين أعتز بهم والآن يشغل درجة رئيس قسم التاريخ في الكلية, وأنا أجد متعة كبيرة عندما أري تلاميذي أصبحوا أساتذة ورؤساء أقسام, أيضا تربطني علاقة وطيدة بالفنان محمود حميدة حيث نلتقي كثيرا وهو متابع جيد لما أكتب في صحف الأهرام, وهناك أيضا القس رفعت فكري وتربطنا علاقة حميمة ويحضر كثيرا من الندوات التي ننظمها, وهناك الدكتور عصام عبدالفتاح أستاذ الأدب الفرنسي الذي يهوي الخلط بين الأدب والفلسفة, وتربطنا علاقة قوية.
الفلسفة الإسلامية قادتني إلي ابن رشد
* لماذا تأثر مراد وهبة بمدرسة ابن رشد؟
** عندما كنت طالبا بالسنة الثانية بالكلية كان ضمن أساتذتي أستاذ للفلسفة الإسلامية اسمه محمود الخضيري وكان يحاضر عن الفيلسوف الإسلامي ابن سينا, وكانت عندي الجرأة أن أناقش الأستاذ الخضيري فيما يلقيه علينا وهو كان يستمتع بتعليقاتي ويشجعني علي المضي فيها, فبدأت أقترب من الفلسفة الإسلامية, وظل اهتمامي بها إلي عام 1977 عندما قدمت أول رسالة بحث عن ابن رشد بعنوان ابن رشد والتنوير في سان فرانسيسكو بأمريكا بجميعة فلسفية إسلامية رئيسها اسمه محسن مهدي عراقي الجنسية ولكنه هاجر لأمريكا وأصبح أستاذا للفلسفة الإسلامية ومديرا لمركز الشرق الأوسط بجامعة هارفارد, هذه الجمعية كانت ممولة من شاه إيران -فيجب أن تعلموا أنه توجد صلة خفية بين الفلسفة والسياسة, وأغلب الفلاسفة متشعبون في مجال السياسة شاءوا أو لم يشاءوا- وقال لي محسن مهدي: إن هذا البحث له أهمية كبيرة ولأول مرة أفهم لماذا حدث تعتيم في أوروبا علي ابن رشد في القرن الـ13, لأن مؤلفات ابن رشد انتقلت إلي أوروبا في القرن الـ13 وترجمت للعربية واللاتينية, وبناء علي ذلك يجب أن نهتم بالبحث عن أسباب التعتيم, فاقترحت عليه أن نقوم بعمل مؤتمر حول الفلسفة الإسلامية وأتولي تنظيم هذا المؤتمر في القاهرة, وقال مهدي: نعم نحن مستعدون أن نكون معك في هذا المؤتمر ونتعاون سويا, وبعد انتهاء اللقاء فوجئت بأستاذ الفلسفة الإسلامية جورج حوراني وهو مسيحي الديانة ولكن بسبب قوته في مجال الفلسفة قبلت الجامعة تعيينه رغم ديانته يقول لي: لا توجد علاقة بين ابن رشد والتنوير, فدخلنا في مناقشة طويلة استمرت حتي الفجر وهو كان مصرا علي موقفه ورافضا رفضا باتا أن يربط بين ابن رشد والتنوير, بينما أنا علي العكس تماما, فبحثي قائم علي أن ابن رشد هو أصل التنوير في أوروبا, وبعد مغادرتي سان فرانسيسكو فوجئت بخطاب من محسن مهدي يعتذر فيه هو والجمعية عن المشاركة في المؤتمر, وعرفت أن ذلك الموقف كان ناجما عن الخلاف بيني وبين جورج حوراني.
* هل مازلت تأمل في إحياء مدرسة ابن رشد؟
** بالتأكيد نعم, وقد قمت بعمل أبحاث كثيرة عن ابن رشد ونظمت مؤتمرا دوليا عنه عام 1994, ودعيت أساتذة الفلسفة الإسلامية في مصر والمستشرقين من الخارج وبعض الفلاسفة الكبار في أوروبا وأمريكا, وكان مؤتمرا دوليا ناجحا بمعني الكلمة, لكني فوجئت في هذا المؤتمر أن المستشرقين بلا استثناء ضد فكرة أن ابن رشد له علاقة بالتنوير, وقالوا لي: ابتعد نهائيا عن هذه الفكرة.. إنها فكرة سياسية نابعة منك باعتبارك تملك اتجاهات يسارية وعاوز تنسبها لابن رشد, طبعا هذه الاعتراضات جعلتني أواصل البحث والإصرار إلي أن أسست الجمعية الدولية لابن رشد والتنوير.
* هل التبشير بفكر ابن رشد في مجتمع يسوده الفقر والنزعة الدينية أمر يمكن تطبيقه في الواقع؟
** هذا سؤال جيد, لأنه مثلما وجدت مقاومة من المستشرقين وجدت مقاومة أيضا من داخل مصر, لأن التيار السائد في العالم الإسلامي ينتمي إلي الأشعرية, والأشعرية في الفقه الإسلامي يقال عنها إنها الوسطية, لكني وجدت أن ابن رشد يهاجم الأشعرية في مؤلفاته, بالإضافة إلي هجومه علي علم الكلام, والأشعرية من ضمن علماء الكلام علم الكلام مثل علم اللاهوت في المسيحية, وكانت حجته أن علماء الكلام عموما والأشعرية بالأخص يرفضون الفلسفة ويرفضون التعامل بالفلسفة في إطار علم الكلام, ويريدون الفصل التام بين الاثنين, وابن رشد ضد هذا التوجه علي طول الخط وله في ذلك كتاب مشهور اسمه فصل المقال وتقرير ما بين الحكم والشريعة من الاتصال بمعني أنه يوجد اتصال حتمي بين الأشعرية والحكمة, فالحكمة هي الفلسفة, وفي هذا الكتاب قال ابن رشد: عندما يكون عند الآخرين أفكار مقبولة لدينا نأخذ بها, بينما غير المقبولة لا نأخذ بها, وهو انتهي بفكرة مهمة جدا وهي أنه حتي ننفتح علي الآخرين يجب أن تكون لنا رؤية معينة للدين, فالنص الديني عند ابن رشد له معني ظاهر حسي ومعني باطن, المعني الحسي أي بالحواس يعني عندما نقول علي سبيل المثال الله يجلس علي العرش, المعني الحسي هو أنه يوجد عرش والله يجلس عليه, ويقول ابن رشد في هذه الحالة يوجد معني باطن في النص علينا أن نكتشفه, والمعني الباطن هو المعني المجازي, فإذا قلنا الله يجلس علي العرش يبقي العرش كدلالة علي عظمة الله وسلطانه وليس مجرد كرسي عرش يجلس عليه, وهكذا هناك آيات كثيرة لها معني حسي ومعني مجازي, طبعا هم كفروا ابن رشد بسبب هذا الفكر وقاموا بحرق كتبه ومؤلفاته واتهموه بالإلحاد, بينما أوروبا اتخذت بآرائه وأفكاره وقامت بتأسيس تيار فكري اسمه الرشدية اللاتينية وأنا مازلت هنا في مصر والعالم الإسلامي أحاول القيام بتأسيس تيار الرشدية العربية.
ابن رشد ميت في الشرق.. حي في الغرب
* في كتابك جرثومة التخلف كتبت أن ابن رشد ميت في الشرق, حي في الغرب, هل تري بين فلاسفة الشرق من ينتمي لفكر ابن رشد؟
** حاليا صعب, ربما توجد محاولات, لكني لا أريد أن أظلم أحدا وأترك هذا للتاريخ.
* يري أفلاطون أن النفس الإنسانية تحركها قوة عظمي هي الحب, فكيف يري دكتور مراد النفس الإنسانية؟
** مبدئيا عندما نقول الحب في الفلسفة معناها حب الحكمة, لأن الفيلسوف هو محب للحكمة وليس حكيما, فالحكيم هو الله الخالق هذا أصل المصطلح من هذه الزاوية, وفي اعتقادي أن الحياة نفسها هي الفلسفة, يعني لو درسنا أي فيلسوف سوف نجد أن نظرته للحياة يعبر عنها بنظرة فلسفية, وبالتالي تصبح حياته نفسها هي الفلسفة, من هنا يأتي في نظري أنا حب الحكمة أن تبقي الحياة نفسها مفلسفة, فالشقاء الذي تعاني منه البشرية بسبب أنها لم تصل لمرحلة تفلسف الحياة, فما يحدث الآن وما يسمي بظاهرة الإرهاب هو نتيجة غياب الفلسفة.
* ما هو المطلق في فكر دكتور مراد وهبة؟
** المطلق هو غاية, لا يمكن قنصه أو اصطياده.
* هل يمكن ربط المطلق بالواقع؟
** توجد خطورة في ذلك, صعب تجسيد المطلق في الواقع, لأن الواقع متغير ونسبي والمطلق ثابت, فإذا تم ربط الاثنين إما أن الواقع يتجمد ويمتنع عن التطور وهذا ضد طبيعة الحياة, أو أن المطلق نفسه يتطور وهذا عكس المطلق.
* أين مكان الذاتية من الموضوعية؟
** يوجد تداخل بين الذاتية والموضوعية, لأن الإنسان عندما يدرك الواقع بعقله, يكون الواقع موضوعا وعقله ذاتا, أي أن كل إنسان يري واقعه من خلال ما يراه هو, وهنا نكتشف أن الواقع ليس كما هو بل كما نراه ومن هنا نستنتج انعدام فكرة الحقيقة, أين الحقيقة؟ في نظري أنا ألغي فكرة الحقيقة وأضع مكانها المعرفة, ولقد أصبحنا في مجتمع المعرفة وأفراد هذا المجتمع لابد أن يكونوا علي معرفة ووعي تكنولوجي وإلا لن يكون لهم مكان في مجتمع المعرفة.
* هل التجربة وحدها كافية للمعرفة أم هناك عوامل أخري؟
** الإنسان هو من يقوم بعمل التجربة وكل إنسان يقوم بعمل التجارب من وجهة نظره, فعلي سبيل المثال: الضوء, قال نيوتن في القرن الـ17 بناء علي تجاربه أن الضوء مكون من جسيمات, وفي القرن الـ20 قال عالم آخر إن الضوء مكون من موجات, بالطبع هناك فارق كبير بين وجهتي النظر, ثم ظهر عالم ثالث اسمه لويز وهو فرنسي الجنسية وقال إن الضوء عبارة عن جسيمات تلازمها موجات أي أثبت صحة كل من النظرية الأولي والثانية ولكنه برر الفرق بأنه لا نستطيع رؤية الجسيمات والموجات في وقت واحد, في هذا العالم نحن نعيش اللايقين, وهذا يستقيم مع نظريتي الفلسفية أن كل شيء نسبي.
* هل تؤيد الرأي القائل بأن الفلسفة يمكن توجيهها لرجل الشارع.. خاصة أن مادة الفلسفة تدرس لطلاب المرحلة الثانوية؟
** هذه القضية مهمة بالنسبة لي, ولقد قمت بعمل مؤتمر دولي بعنوان الفلسفة ورجل الشارع وذلك بسبب حبي لاثنين من الفلاسفة وتأثري بهما وهما كانت وابن رشد, وكان لكانت رأي في تأثير الفلسفة علي رجل الشارع حيث قال: إن الناس تنقسم إلي نوعين: النخبة والجمهور ونود أن يتأثر الجمهور بالفلسفة حتي يكون التنوير للمجتمع كله.
أما ابن رشد فقال: إن الراسخين في العلم النخبة والجمهور ولابد أن تكون بينهم صلة حتي لا يحدث صراع, وبناء علي ذلك علينا تدريب الجمهور علي التفكير الفلسفي.
ولكن مع الأسف, كانت وابن رشد, لم يستطيعا تطبيق هذا الفكر, ولقد قمت بمحاولات كثيرة لنشر هذا الفكر, ولكن قامت حملة موجهة ضدي في جريدةالأهرام اختتمت بمقال شغل صفحة كاملة للدكتور زكي نجيب محمود قال فيه: ذبحت الفلسفة, وتم ذكر اسم هيباتيا الفيلسوفة الإسكندرانية في القرت الـ14 التي حاولت عمل مزاوجة بين الفلسفة اليونانية والفكر المسيحي وأصدر البطريرك في ذاك الوقت قرارا بقتلها وقتلت, ولقد فوجئت أن تمثال هيباتيا وضع في العاصمة الإدارية الجديدة, وهذا له معني كبير لانفتاح العاصمة الجديدة فكريا.
مصر .. إلي أين؟
* هل مصر تتجه نحو العلمانية أم الأصولية؟
** مصر متمسكة بالأصولية وهنا الخطورة, التيار العلماني ضعيف للغاية وهناك اضطراب في تجديد الخطاب الديني يمتنع معه تكوين تيار علماني.
* الأصولية الدينية أفرزت المشروع الصهيوني وجماعة الإخوان المسلمين فما هو تأثير المشروعين علي الإرهاب والعنف الذي يشهده العالم؟
** أنا أري أن جميع الأديان في هذا الزمن أصولية وفي مقدمة هذه الأصوليات الأصولية الإسلامية لأنها نجحت في التغلغل في جميع مؤسسات وشعوب الأرض بما فيها دول العالم الغربي نحن محكومون بأصولية الإخوان المسلمين, وكتبت مقالا عندما كان أوباما رئيسا للولايات المتحدة بعنوان أصولي في البيت الأبيض, بالإضافة إلي ستة مستشارين من الإخوان, وكان أوباما يسعي إلي فرض الخلافة الإسلامية علي المنطقة, أما فيما يخص المشروع الصهيوني فهناك تياران: أصولي وعلماني فإسرائيل أساس تكوينها علماني علي يد هرتسل الذي كان يدعو إلي تكوين الدولة اليهودية وهو علماني بحت لكن أيضا هناك أصوليين داخل إسرائيل والصراع الآن في إسرائيل بين الأصوليين والعلمانيين.
* كيف ينجح مجتمعنا في القضاء علي الأصولية الدينية خاصة أن الولايات المتحدة نجحت في التغلب علي هذه الأصولية في القرون الوسطي؟
** نحن نحتاج إلي تأسيس تيار علماني لأن تعريف الأصولية هو التفكير في النسبي بما هو مطلق وليس بما هو نسبي, أما العلمانية فهي نقيض الأصولية وهي التفكير في النسبي بما هو نسبي وليس بما هو مطلق, إذا الصراع هنا هو هل نرغب أن المطلق يفرض نفسه علي الواقع وهذه هي الأصولية وهو ما ينتج عنه الإرهاب لأن من يرفض هذا الفكر يقتل, أو أن نقول إن الواقع نسبي ومتغير لذلك لا مجال للأصولية وعلينا الاختيار.
* هل تري أن القضاء علي الأصولية الدينية أمر يمكن تطبيقه علي أرض الواقع؟
** الرئيس عبدالفتاح السيسي قام بإصدار قانون لمحاربة الإرهاب وينص القانون علي إيقاف أي إرهابي عن العمل أي منعه من ممارسة وظيفته حتي لا يؤثر في مجال عمله علي باقي زملائه ولكن يبقي تأسيس تيار علماني لمساندة هذا القانون, وتأسيس هذا التيار مسئولية النخبة للمساعدة علي تغيير الذهن حتي يصبح القانون له فاعليته.
* وما رأيك في تجديد الخطاب الديني؟
** هناك اضطراب في الخطاب الديني والتجديد هنا يتوقف علي الراغبين في تجديد الخطاب, والمعيار هو إضعاف الأصولية, فإذا نجحنا في هذا وصلنا إلي تجديد فعلي للخطاب الديني, أما ما يحدث في الجامعة الآن وكما حدث لي من قبل عندما قام رئيس الجامعة بمطالبتي بأن أتوقف عن التدريس لأنني أتسبب في تشتيت تفكير الطلبة وأن الأفكار التي أناقشها تهدد الأمن القومي, هنا للأسف لن نستطيع أن نقول إننا نملك تجديدا للخطاب الديني لأن الأصولية تهدد النخبة وهذه النخبة تعاني من ضعف الوعي, فعندما نتحدث عن إرهابي يقتل الناس ونجد الأصولية تبرر ذلك بالحديث عن حرية الرأي يكون هذا دفاعا صريحا عن الإرهاب وتشجيعا علي العنف.
رؤية مراد وهبة للقرن الواحد والعشرين.
* في سلسلة مقالاتكم بجريدة الأهرام والتي تحمل عنوان رؤيتي للقرن الحادي والعشرين كتبت عن المقدس والدنيوي والتداخل بينهما فما هي الحدود الآمنة التي تفصل بينهما؟
** لو تحدثنا عن المقدس سنجد أنه الديني المتغلغل في المجتمع, وتداخل المقدس مع الدنيوي يؤدي إلي الخلط بينهما, وهو ما ينتج عنه الصراع بينهما وتنتهي إلي العلمانية والأصولية, عندما نريد أن نحرك الفكر في مجال المقدس والدنيوي نحركه في إطار تكوين تيار علماني ولذلك اختتمت مقالي بالتركيز علي هارل كوبس وهو لاهوتي بروتستانتي بدأ أصوليا ولكنه انتهي إلي قضية الإيمان, وأن المعتقد يصل بنا إلي الإيمان فالإنسان يتأثر برسالة يؤمن بها في قلبه ثم يفهمها بالعقل لكن كوبس انتهي إلي أن الإنسان يقف عند مرحلة الإيمان وهذا يشعره بالراحة.
* ما الفرق بين الحقيقة الدينية والحقيقة الفلسفية؟
** هذا يتوقف علي طريقة طرح الحقيقة الفلسفية والدينية, فإذا تحدثنا عن الحقيقة الفلسفية علي أنها نسبية متغيرة والحقيقة الدينية مطلقة هنا يتم الفصل بينهما ولكن هل هذا الفصل ممكن؟ أنا أري أنه صعب لأن الإنسان بطبيعته متفلسف. كان أرسطو يتحدث عن أن الدهشة هي أم الفلسفة وأنا انتهيت أن الطفل يولد وهو في حالة دهشة فهو مولود متفلسف, عندما يصرخ الطفل هو هنا يقول: لماذا خرجت إلي هذه الدنيا؟ ومن هنا يصرخ وهذه الصرخة بداية التفلسف, فيبدأ أولا بالانفعالات والحركات ولكننا نرفض صراخه ونحاول إسكاته وعندما يتحدث ويبدأ في الكلام نسكته فيموت الفيلسوف داخله منذ المهد.
* كيف ننمي الفيلسوف داخل أطفالنا وأولادنا؟
** عن طريق إعطاهم فرصة في السؤال والإجابة علي كل أسئلتهم دون أن نحبطهم أو نحاول إسكاتهم فالأطفال في مصر خاملة لا تناقش أما في أوروبا فهم أطفال أذكياء صعب التحكم فيهم.
* حدثنا عن تاريخ العلمانية وهل هي منتسبة إلي العلم أم إلي العالم؟
** العلمانية تنتسب إلي العالم وأصلها في اللاتينية سيكولوم أي العالم المتغير ولها مفهوم آخر هو مندوس ويعني العالم الثابت ولكننا نأخذ بلفظ سيكولوم لأن العالم فيه كل شيء نسبي ومتغير لذلك فالعلمانية ليس لها علاقة بالعلم لأن الإنسان يعيش في العالم لذلك هو علماني وعندما نرفض العلمانية كأننا نقاوم ونرفض حياتنا في العالم.
* متي يتحول دور المدرس داخل الفصل من التلقين إلي التنوير؟
** مشكلة التعليم في مصر هي تحقيق معادلة التنوير, لكن آلية التلقين تمنع إعمال العقل من خلال ثلاثية التلقين والحفظ والتذكر, فالمدرس يلقن حقيقة مطلقة للطالب والطالب يقوم بحفظها ويتذكرها في الامتحان ثم ينساها. هذه الثلاثية قاتلة للمعرفة لذلك ينشأ الطالب ضد المعرفة والمدرس يساعده علي ذلك, نحن نحتاج إلي تنوير المعلم وتغيير أسلوب التدريس ليعتمد علي الإبداع ويتحقق ذلك عن طريق التنوير وقد قمت بهذه التجربة منذ عدة سنوات في الجامعة فقد سمحت للطلاب أن يدخلوا الامتحانات بالموبايل والكتاب بعد قراءة وبحث ونجحت الفكرة لأني قضيت علي الثلاثية (الحفظ والتلقين والتذكر) ولكن لم تتكرر هذه التجربة لأنها كانت ستقضي علي بزنس الكتاب الجامعي.
* هناك مسحة من التفاؤل بعد إعلان وزير التربية والتعليم الدكتور طارق شوقي عن تطوير التعليم والبعد عن التلقين من خلال إحلال منهج الشك والتثبت من المعلومة كسبيل لإدراك اليقين هل هذه الرؤية تحقق الهدف من التغيير؟
** أري أن هذه الخطوة جيدة في سبيل تطوير التعليم والتغيير ضروري لكن معيار هذا التغيير هو المدرس وأن يتقبل هذه التجربة لأنه قد يكون سببا في فشل التجربة باستمراره في تطبيق الثلاثية.
الوحدة الوطنية والمواطنة
* هناك مجموعة من المصطلحات نود سماع تعليقك عليها:
* التطرف:
** لتعريف المصطلح لابد أن يكون واضحا ولذلك أنا أري مصطلح الأصولية هو الأنسب لأننا عندما نطلق علي شخص ما أنه متطرف هذا يعني أن هناك حدا أقصي ووسطا وأدني وعندما يصل الفرد إلي الحد الأقصي نطلق عليه متطرف فبدلا من أن أقول أصولي أقول متطرف والمتعصب ليس متطرفا.
* الفتنة:
** هذا اللفظ أيضا لابد من تحديده حتي نعرف الفتنة لابد أن نذكر الفتنة الأصولية وأي أصوليتين ضد بعض يتسببان في فتنة أما الفتنة وحدها فلا توجد.
* الطائفية:
** هي مصطلح مصطنع ينشأ في المجتمع بناء علي اتفاق بين مجموعة من الناس يصنعون رابطة مشتركة حتي يعيشوا في سلام في هذا المجتمع وبهذا المعني ليس من الضروري أن تكون هناك طوائف, لكن تمسك الأشخاص بالحقيقة المطلقة هو ما أنتج الطوائف كل طائفة لديها حقيقة مطلقة متمسكة بها وأعضاؤها يرون أنفسهم ملائكة وملاكا للحقيقة المطلقة.
* الوحدة الوطنية:
** أي مجتمع لديه مشروع مشترك يعيش في سلام ولكن عندما يحدث انشقاق هنا نتحدث عن الاحتياج إلي الوحدة الوطنية حتي نعالج الانشقاق, لذلك الوحدة الوطنية بين عنصر وآخر في الأمة معناها خلل في المجتمع بحاجة إلي تصحيح, وكذلك مصطلح المواطنة يشبه الوحدة الوطنية في المجتمع.
* الديمقراطية:
** تبدأ بالعلمانية ثم العقد الاجتماعي, فالتنوير ثم ليبرالية, هذه الرباعية مرت بها أوروبا ونتجت عنها الثورة العلمية والتكنولوجية التي شهدتها أوروبا في القرن العشرين.
* قدمت للقراء تجارب جمعتكم مع قداسة البابا شنودة, فهل هناك تجارب جديدة تود أن تقدمها؟
** قدمت العديد من الخبرات والتجارب التي كانت لي مع البابا شنودة وكلها نشرت في مقالاتي في وطني.
* كيف يري رائد التنوير فكر قداسة البابا تواضروس الثاني؟
** البابا تواضروس يخطو خطوات واضحة نحو الإصلاح الكنسي, وهذه الخطوات جوهرية تدل علي خطط ورؤية مستقبلية للانفتاح لمواجهة الانتقادات التي تواجه الكنيسة ومع هذا الانفتاح تتلاشي الأصولية الدينية.
المرأة أصل الحضارة
في ختام اللقاء مع أستاذ الفلسفة ورائد الفكر والتنوير البروفيسور مراد وهبة, قال: أنا سعيد جدا أن المحاورات كلهن شابات.. أنا دائما أقول إن الحضارة الإنسانية إبداع من المرأة وليست من الرجل, المرأة ابتدعت التكنيك الزراعي والرجل متفرغ للصيد.. هي متفردة لتغيير الأمر الواقع, وحضوركن يؤكد هذه الفكرة.. هذه الجلسة معكن تذكرني ببداية الحضارة.