(1): ابنتي تتأمل حشرة
قالت كاتبة أمريكية من خبراء ثقافة الطفل: ذات يوم كنت أنطلق في طريق ريفي إلي ميعاد هام مع ابنتي الصغيرة. فجأة توقفت ابنتي تتأمل دودة خضراء علي ورقة نبات.
لم أتذكر في تلك اللحظة إلا أننا سنصل متأخرين عن ميعادنا, فأمسكت بيدها وجذبتها برفق لكن بتصميم لتواصل سيرها معي, فانفجرت ابنتي في البكاء, وشعرت أنا بالقلق.
الآن, بعد مضي عدة أعوام علي ذلك الحادث الصغير, نسيت تماما ما هو الموعد الذي كنا سنتأخر عنه, لكنني لن أنسي أبدا تلك الحشرة الصغيرة التي أثارت حب الاستطلاع لدي ابنتي. سألت نفسي كثيرا منذ ذلك الوقت: لماذا لم أقف أتأمل الحشرة مع ابنتي, بدل أن أركز اهتمامي علي تأنيبها وانتقادها وهي تتأمل الحشرة؟ لو كنت قد شاركتها اهتمامها, لتعلمت أشياء كثيرة عن الحشرة وعن ابنتي وعن نفسي, وهذا لا يتعارض طبعا مع ضرورة أن نحافظ علي مواعيدنا, لكن لابد أيضا أن نقف أحيانا لنتأمل إحدي الكائنات الحية, رغم أن مواعيدنا التي نحرص عليها قد تكون أقل إثارة وفائدة من ذلك الاستطلاع, الذي ينمي الخبرة والمعرفة والخيال!
(2): الأصابع السحرية
قالت الزائرة للصبي وعمره ثلاث سنوات, ولأخته وعمرها أربع سنوات, وهما يجلسان بجوارها: سنلعب اليوم لعبة سحرية. في الحال اتجهت أربعة عيون إلي كتاب كله رسوم ملونة, فتحته الزائرة. وانضمت أم الطفلين إلي المجموعة.
سألت الزائرة الصغيرين: أين أصابعكم السحرية؟ في الحال ارتفع الأصبع السبابة من اليد اليمني لكل من الطفلين, ثم أشارت الأصابع إلي الرسم الذي ظهر علي إحدي صفحات الكتاب. ولمدة نصف ساعة اشتركت الأم مع الزائرة في تشجيع الطفلين علي الحديث والحوار والتفاعل مع القصة التي يحكيها الكتاب, برسوم كثيرة وكلمات قليلة, تقرؤها الزائرة والأم سألت الزائرة الطفلين: ما رأيكم في أن نفتح هذا الباب؟ هنا حركت الطفلة أصبعها علي صفحة الكتاب, وتظاهرت بأنها تفتح الباب الذي كانت تتأمل صورته ثم قالت الأم للطفل: من الأفضل أن نطرق علي الباب قبل فتحه. وسرعان ما بدأ الطفل الصغير يستخدم أصبعه في الطرق علي صورة الباب.
كانت مثل هذه الزيارات تتكرر مرتين كل أسبوع, لعدد كبير من بيوت مدينة أمريكية ولم يكن الغرض منها تعليم الأطفال, بل كان الهدف إنشاء علاقة حب بين الأطفال والكتب, حتي بالنسبة إلي أصغر الأطفال.
(3): الحياة هي المعلم الأول
في دار حضانة كبيرة بمدينة نيويورك, وجدت الأطفال سعداء يضحكون. عندما بحثت عن السر, أشارت المشرفات إلي لوحة كبيرة قرأت عليها: إذا عاش الطفل تلاحقه الانتقادات, سيتعلم البحث عن أخطاء الآخرين.. أما إذا عاش مستمتعا بالتشجيع, سيتعلم كيف يمدح مزايا الآخرين.
إذا عاش الطفل تحيط به الخصومات والعداوات, سيتعلم العدوان… أما إذا عاش مع التسامح والتحمل, سيتعلم الصبر والمرونة.
إذا عاش الطفل هدفا لسخرية الآخرين منه, سيتعلم الخجل والانطواء.. أما إذا عاش محاطا بالتشجيع, سيتعلم الثقة بالنفس.
إذا عاش الطفل متهما بأنه سبب للخزي والعار, سيتعلم الإحساس بالذنب.. أما إذا عاش الطفل مع المدح واستحسان شخصيته وتصرفاته, سيتعلم كيف يحترم نفسه ويقدر ذاته.
إذا عاش الطفل مع المساواة وعدم التحيز, سيتعلم العدالة.
إذا عاش الطفل مستمتعا بالأمان, سيتعلم الثقة في الآخرين.
وإذا عاش مع الصداقة واحترام الآخرين له, سيتعلم كيف يجد الحب في الحياة.
عندئذ ابتسمت أنا أيضا, وانطلقت في سعادة أشارك الأطفال ألعابهم.
(4): عقلك فوق زجاج سيارة
لا تنظر لي بعين ردية, بل انظر لي بعين راضية ـ هذه الحلوة اسمها جمالات ـ ترجع بالسلامة ياحبيبي. هذه بعض العبارات التي نقرؤها هي وأمثالها علي جوانب, أو فوق زجاج بعض سيارات الأجرة أو النقل في شوارع القاهرة.
والآن تعالوا نتأمل بعض العبارات التي جذبت انتباهي بشدة, قرأتها مكتوبة فوق زجاج عدد كبير جدا من سيارات نيويورك وواشنطن: كلنا عائلة واحدة تظللنا سماء واحدة ـ التسامح أن تري بقلبك بدل أن تري بعينك ـ عقلك أقوي ما عندك من قوة ـ كل فرد يكسب إذا عمل مع فريق ـ أهم أدوات النجاح أن تؤمن بأنك ستنجح ـ فكر فيما هو صواب ولا تفكر فيمن هو الذي علي صواب ـ لن تعرف أبدا قوة قدرتك إلا إذا تحولت الأقوال إلي أفعال ـ في عالم ملآن بالأتباع حاول أن تكون قائدا ـ حياتك لا تنتهي إذا خسرت.. إنها تنتهي إذا أصابك اليأس.
رأيت هذه العبارات وأمثالها مكتوبة بالألوان, وبخط واضح, وأحيانآ مع رسوم جذابة وبهذا جعلوا من السيارات التي يراها الكبار والصغار آلاف المرات كل يوم, وسيلة دائمة لبناء الإنسان, وللتنشئة الاجتماعية السليمة.