أنطون سيدهم .. والسياسة الداخلية
علي مدي سنوات طويلة كانت سياسة الحكومة هي نقل كل موظف فاشل أو مغضوب عليه إلي أسوان أو الواحات, حتي أصبحت إدارة هذه المناطق في أيدي مجموعة من المواطنين غير المؤهلين لتولي المناصب التي تسند إليهم, ثم أخذت هذه السياسة تنحسر وفدت العقوبة الآن لكل مدير فاشل أن يلحق بالوزارة التابع لها كمستشار, حتي أصبحت نظرة الجمهور إلي مستشاري الوزير -أي وزير- نظرة مقززة, علي اعتبار أن هؤلاء المستشارين تولوا أعمالا فشلوا فيها, فعوقبوا علي فشلهم بتكديسهم في الوزارات تحت لقب مستشارين.
إنها سياسة خاطئة تسيء لسير العمل بالدولة وللنظام الوظيفي, إذ المفروض أن مستشاري الوزير هم قمة الخبرة وصفوة الكفاءات في أعمال وزراته, يلجأ إليهم في كل ما هو مهم وفني, ويأخذ رأيهم في التصرف الأمثل والأحسن حتي تكون قراراته مبنية علي خبرة هؤلاء الصفوة والإلمام بشئون وزارته. أما وقد أصبحت وظائف المستشارين ملاذا لكل فاشل في عمله, فهي إذن سبة لكل من يشغلها, واسم علي غير مسمي.
لفت نظري لهذا الموضوع ما نشرته الصحف هذا الأسبوع من أن إحدي شركات القطاع العام خسرت 21 مليون جنيه, وعلي ذلك فقد تم نقل رئيس مجلس إدارتها مستشارا بالوزارة, كما قرأت في اليوم التالي أن رئيس إحدي شركات القطاع العام التي خسرت 12 مليون جنيه قد أمر الوزير بتنحيته ونقله مستشارا بالوزارة. إن هذا تصرف خاطئ, فقد كان يجب دراسة أسباب هذه الخسائر الفاحشة التي أحاقت بالشركتين, فإذا كان السبب فيها راجعا لسوء إدارة رئيس مجلس الإدارة فهنا يجب محاسبته علي ذلك وتوقيع العقوبة المناسبة عليه ليكون عبرة لغيره, أو علي أقل تقدير إحالته إلي المعاش لتجنب تصرفاته وتصرفات أمثاله, أما إذا كانت الخسائر لأسباب لا دخل له فيها وخارجة عن إرادته, ولا يمكن تلافيها. لسوء دراسة المشروع أصلا أو تحديد أسعار لمنتجاته أقل من تكلفتها, أو غير ذلك من الأسباب التي فرضت علي إدارة الشركة, فهنا ليس من حق الحكومة وصف رئيس مجلس الإدارة بالفشل ونقله مستشارا بالوزارة, بل يجب العمل علي تعديل مسار الشركة ورفع العوائق التي سببت هذه الخسائر الضخمة.
إن هذه السياسة الخاطئة هي أحد أسباب ما يحيط بالقطاع العام من فشل, فمهما أساء أحد المديرين للمشروع, فلن يلقي شيئا من العقاب, وكل ما هناك أن ينقل مستشارا بالوزارة, أي أن العقاب والثواب الذي طالب به السيد الرئيس حسني مبارك في خطابه الأخير في مجلس الشعب, لا وجود له في القطاع العام, وهي نقيصة تعتبر إحدي مصائب القطاع العام, الذي يقول عنه العامة إنه لا صاحب له.
إذا كنا قد تخلصنا مما كان متبعا قديما, من نقل المغضوب عليهم أو الفاشلين في عملهم إلي أقصي الصعيد, فينبغي ألا نستبدل مظهرا بغيضا بمظهر آخر أكثر بغضا.
وإذا كنا ننادي بوضع الشخص المناسب في المكان المناسب فلا يصح أن ننقل هؤلاء إلي تلك المناصب.. إلا إذا كان منصب المستشار من أدني المناصب في سلم الوظائف, وهو بعدئذ سيغدو وصمة لكل من يشغله أو ينقل إليه, تدمغه بالإخفاق فيما سبق.
إن لقب المستشار لقب كريم, يطلق علي الصفوة من الخبراء, وعلي من بلغوا الذروة من رجال القضاء, وإطلاق هذا اللقب علي المنقولين طردا من وظائفهم لفشلهم في عملهم, لا يسيء إليهم وحدهم فحسب, وإنما يلحق الإساءة بنظرائهم من حاملي هذا اللقب.
أيها السادة اتقوا الله في وطنكم, وحافظوا علي أموال البلد, وتعاملوا في مثل هذه المسائل بحزم وصراحة حتي تصلح الأحوال.