تزامنت رسالته الصحفية التى عكف على تأديتها أن يكون دائماً فى قلب الأحداث، ليس فقط لتغطية ما هو ظاهر بها ومرئى للجموع، ولكن للكشف عن بواطن وخبايا الأحداث التى لم تسطتع التخفى أمام حسه الصحفى، فإستحق مسعد صادق بجدارة لقب صحفى من قلب الأحداث، هو أول من بدأ النشر عن ظهور العذراء بالزيتون والمظاهر المصاحبة من آيات ومعجزات بجريدة وطنى وذلك بدءاً من أبريل سنة 1968، وكان القراء يعجبون حينذاك بأنه هو الوحيد الذى كان يكتب عن تجلى العذراء، إلا أنهم فوجئوا بأنه بعد مضى شهر كامل ان جميع الصفحات الأولى فى جرائد مصر والخارج كتبت عن أنباء التجلى نقلاً عن مسعد صادق وكذلك محطات الإذاعة والتليفزيون، فأذاع كل من تليفزيون أستراليا وألمانيا برنامجاً خاصاً عن ظهور العذراء بكنيسة الزيتون، كما تابعت الإذاعة البريطانية نشر أنباء الظهور نقلا عن جريدة وطنى وما كان يكتبه صادق وقتها على مدار ستة اشهر .
وفى 9 ابريل 1986 أصدر البابا شنودة الثالث قراراً بتشكيل لجنة لتقصى الحقيقة وكان من بين افرادها مسعد صادق. وتابع مسعد صادق بنفسه أحداث التجلى وما جرى من آيات مُدعماً أياها بالشهادات الطبية، والتى نشرها تباعاً على كتابين، أولهما بعنوان “تجلى العذراء فى شبرا” والذى صدر فى ديسمبر سنة 1986، وثانيهما بعنوان “ظاهرة تجلى أم النور مع ألسنة من نار ونور ومعجزاتها فى شبرا أثناء وبعد الظهور” والذى صدر سنة 1991.
بدء مسعد صادق حياته صحفياً من قلب الأحداث، وأنهى حياته صحفياً من قلب الأحداث، فلم يعوقه تقدم السن أو المرض عن مشاهدة تجلى العذراء بأسيوط، غير أن العمر لم يتيح له مواصلة الكتابة عن أنباء الظهور وشهادات الجموع، فسطر قلمه الأخير بجريدة وطنى أنباء تجلى العذراء قبيل رحيله بأيام قليلة.
ومسعد صادق هو أول من فتح ملف الأديرة والكنائس فى مصر وضرورة ترميمها والحفاظ على معالمها الأثرية من هذا المنطلق أطلق مسعد صادق الدعوة إلى العناية بالكنيستان الأثريتان فى قرية بردنوها بمركز مطاى، والتى نال منهما القدم، وأصبحتا فى مسيس الحاجة إلى الترميم، ولم يكن مسعد صادق يكتب فقط عن الأديرة المعروفة فحسب، بل كان يذهب بنفسه فى قرى الصعيد ليكشف الحقيقة عما هو مهمل ومطموس منها بعيداً عن أنظار الجميع.
ولمسعد صادق دوراً هاما فى كنيسة مارجرجس بحارة الروم والتى كانت أبوابها مغلقة لأكثر من عشرين عاماً لتداعى مبانيها، فكانت لمقالات مسعد صادق بجريدة وطنى دوراً فى الحث على إعادة بنائها، وذلك من خلال أحدى المقالات التى وصف بها حال الكنيسة وما آلت إليها من تدهور وتصدع مبانيها، فما كان من القراء إلا أن أنفعل أحدهما مرسلاً حوالة بريدية بمبلغ خمسة جنيهات ذاكراً إنها تقدمة منه لهذه الكنيسة لعلها تذكر الناس بحاجتها إلى أن يمدوا إليها يد المعونة، ونشر الكاتب فحوى هذا الخطاب دون أن يدعو القراء إلى الإكتتاب، ولكنهم ما كادوا يطلعون على ما نشره حتى إنهالت العطايا، فإضطرت وطنى أن تخصص باب للإكتتاب نشرت فيه تباعا كل ما وصل إليها، فأثمر الخطاب الذى طواه القارئ بحوالة بريدية بخمسة جنيهات على عطايا تجاوزت المائة الف جنيه والتى أنفقت على إعادة بناء الكنيسة.
ومسعد صادق من الرعيل الأول الذى ساهم فى تأسيس جريدة وطنى بدءاً من مقالاته فى باب “على هامش الأخبار” ثم باب “التحقيقات”، إلى باب “من الصميم” والذى إقترن أسمه بمسعد صادق لما أبدع فيه من مقالات صميمية كان يتهافت عليها القراء، فأطلق عليه مسعد صادق… كاتب من الصميم.
حياته:
كان مسعد صادق منذ حداثته مولعا بالقراءة، ولم يكن فى وسعه شراء الكتب لقرائتها، فكان يقرأ كل ما تصل إليه يده من أوراق وكتب، حتى عرف طريقه إلى دار الكتب وهو فى ختام المرحلة الإبتدائية، والتى كان أسمها أنذاك “الكتبخانة”، وظل يتردد عليها سنوات يقرأ ويتعلم وهنا بدأ مسعد صادق يسطر أولى تحقيقاته فى صفحة الثقافة العامة بجريدة كوكب الشرق سنة 1936م.
وكان مسعد صادق وهو فى سن العشرين يكتب بجريدة الأهرام وكوكب الشرق، ومصر، فكتب عن أدباء العرب أمثال ” حاتم الطائى، وبديع الزمان الهمزانى، وأبو الفتح البستى، وأبو الأسود الدؤلى، والشاعر أبو العتاهيه”، بالإضافة إلى العديد من المقالات التنويرية التى كتبها عن تعليم الرهبان بإعتباره أقوى وسائل الإصلاح، هذا إلى جانب مقالاته عن “ابن زيدون، وجبران خليل جبران، وفيكتور هوجو، وشاتوبريان، والمعلم إبراهيم الجوهرى”.
وفى سنة 1938 أشترك مع الكاتب توفيق حبيب “الصحفى العجوز” الذى كان يكتب باب “على الهامش” بجريدة الأهرام فى تحرير “مجلة التوفيق” والتى صدر العدد الأول منها فى 15 يونيو 1938 .
وفى سنة 1941 أشترك مسعد صادق مع الكاتبين محمد على حماد وفرج جبران فى تحرير مجلة “الشعلة”، وهى مجلة سياسية أسبوعية كانت تزخر بالأشعار والموضوعات الجريئة التى تحض الشباب على المشاركة السياسية، مدعمة بصور كاريكاتيريه للحكام والأنجليز.
كما اشترك مسعد صادق فى إصدار مجلة “مدارس الأحد” ورأس تحريرها حتى دخل السجن فتولى نظير جيد ( البابا شنودة الثالث) مكانه .
الفداء وضريبة السجن
فى 26 يونيه سنة 1952. صدرت الفداء، وأحدث صدورها دوياً هائلاً، فقد كانت تحمل كلمات بأقلام عدداً من الشخصيات وأصحاب الرأى أمثال إبراهيم عبد الهادى رئيس الوزراء السابق، ومكرم عبيد ونجيب الهلالى وكامل مرسى، والدكتور المنياوى وحبيب المصرى، ومحمود سليمان غنام، وسيد مصطفى، ورياض الجمل، وميريت غالى… وغيرهم.
وخاضت الفداء معارك أكثر جراءة فى تاريخ الصحافةحتى ذهبت الفداء “فداء” وكانت ضريبة فادحة دفعها مسعد صادق من حريته الشخصية ففى 15 يناير 1953 تم اعتقال مسعد صادق، وقضى نحو شهرين مابين السجن الحربى وسجن الأجانب، وقد سجل تجربة إعتقاله فى كتاب بعنوان “حينما احتوتنى الجدران السميكة” .
وخرج مسعد صادق من السجن وفى غمرة فرحة الإفراج كان يفكر فى كيفية الإفراج فعلياً عنه لمواصلة أداء رسالته الصحفية، وذلك بعدما فؤجى بأن إدارة المطبوعات إنتهزت فرصة إعتقاله وعمدت إلى إقصائه من رئاسة تحرير عدداً من الصحف التى كان قد أصدرها ورأس تحريرها، والغريب أن إدارة المطبوعات عرضت على تلك الصحف إختيار من يحل محل الكاتب ولو كان من غير أعضاء نقابة الصحفيين مخالفة لقانون المطبوعات!.
ولم يقف مسعد صادق مكتوف الأيدى، ولم تثنه الظروف ولا العقبات عن إداء رسالته، فكانت هناك صحف لم يصدر قرار بتعطيلها، ولم يكن أصحابها قادرين على إصدارها بإنتظام، فإتفق معهم على أن يتولى إصدارها وتحريرها مقابل أجر شهرى يدفعه لهم، وأصدر بذلك مجلة “النيل” بنفس طابع الفداء كى يواصل من خلالها إداء رسالته الصحفية، وكُتب فى العدد الأول منها الصادر فى 13 يوليه سنة 1953:
“أحقا رفعت الرقابة عن الصحف، أحقا يمكن للقلم أن يكتب بغير رقيب، لا تدهش يا أخى القارئ ولا تعجب، وحسبك ما واجه هذا القلم، وما عانى، أنه اليوم فقط يستطيع أن يكتب، لأنه يكتب بغير رقيب”
تكريمات
فى مارس سنة 1966 قدمت إليه نقابة الصحفيين شهادة تقدير موقعاً عليها من النقيب حافظ محمود جاء فيها: “مجلس نقابة الصحفيين يسجل لكم فى سجل الشرف ماقدمتم من خدمات فى أسبوع العيد المئوى للصحافة الوطنية، وقد دلت هذه الخدمات على مبلغ إستعدادكم العظيم للخدمة العامة. فشكراً وتقديراً لكم من الأعماق”.
· فى 10 يونيو سنة 2000 فى الإحتفال بيوم الصحفى الذى يوافق عقد أول إجتماع للجمعية العمومية الطارئة التى تصدرت سنة 1995 للقانون رقم 93 وأسقطته قبل أن ينال من كرامة الصحفى وحريته، كرم نقيب الصحفيين إبراهيم نافع والصحفى الكبير محمد حسنين هيكل الكاتب مسعد صادق وأعطياه درع نقابة الصحفيين منقوشاً عليه بحروف ذهبية “نقابة الصحفيين. عرفاناً وتقديراً بعطاء وريادة شيخ الصحفيين الأستاذ مسعد صادق”، وكانت هذه الجائزة هى أول جائزة تقديرية تمنحها النقابة للشخصيات الصحفية الرائدة تقديراً لعطائها الفكرى والمهنى.
· وفى 10يونيو 2001 بعد عام من رحيل مسعد صادق كرمت نقابة الصحفيين أسم الكاتب مسعد صادق، وكرمت معه مقالاته التى سطرها طوال حياته الصحفية والتى شهدت وتنبأت بالعديد من القضايا والأحداث. وكتب على شهادة التكريم:
” إلى أسرة الزميل المرحوم / مسعد صادق لبيب، تقديراً لعطاء الزميل الراحل الأستاذ/ مسعد صادق لبيب فى خدمة الصحافة والصحفيين، وعرفاناً بدوره الوطنى المشهود فى الدفاع عن المهنة والزود عن حرية الصحافة، يقدم مجلس نقابة الصحفيين هذه الشهادة لإسم الفقيد، ويذكر له إسهاماته الفكرية وتميزه المهنى”