بعد تداول وقائع التحرش الجنسي بالصحفيات, ظهرت صيحات تتهم المرأة بشكل عام أنها من تدفع الرجل للتحرش يها, وهنا يجب الالتفات إلي عدة نقاط أولا:إن الإساءات الجنسية لا تقتصر علي المجال الصحفي فقط, فمن الظلم وصم فئة معينة بأنها متحرشة أو وصمها بأنها جاذبة للتحرش, أو الإيذاء الجنسي وهو اللفظ الأكثر دقة, باعتبار هذا السلوك المشين تجاه شخص, يولد إيذاء نفسيا يحتاج التعافي منه لسنوات, لذلك تشجع المبادرات النفسية والاجتماعية الناجيات من الإيذاء الجنسي علي البوح, أو الحكي,ليس إمعانا في تشويه شخص أو تجريسه, خاصة إذا لم يكن هناك أدلة قانونية تدينه, ولكن إمعانا في السير في سكة التعافي, فمن يلوم الناجيات علي البوح أنما يلوم النفس علي صراخها فوق مذبح الكرامة والإنسانية.
ثانيا:نحن لاندعم تشويه الناس بلا سند, لكننا نصدق الناجيات, وندعم رفض وإيقاف الإساءة الجنسية للمرأة بمختلف أنواعها ومن العار إلصاق الادعاء بها لمجرد أنها مارست البوح, ذلك البوح المحرم في مجتمعنا, بالرغم أن الناس لايجيدون سوي الثرثرة لكنهم يصمون آذانهم عن استغاثات فتيات ونساء لايطلبن سوي تقديم عبرة للمجتمع حتي لاتتعرض أخريات لذات المصير,فمتي يمكن أن تنبت أذنان لهذا المجتمع؟لا أعلم لكن كل ما أعلمه أننا طالما اعتمدنا ثقافة أن المرأة عورة سيظل المتحرش يمارس تحرشه ما بين وجوب إخفاء العورة واللهاث خلف اللذة المخفية تاركا سكين الألم النفسي يمزق الضحية.
ثالثا:فصيحات الالتهام للناجيات تدفعنا لتشريح القضية لقد استمعت لعشرات القصص لناجين وناجيات-من الجنسين- عبروا بخبرة الإساءة الجنسية وتشوهت نفسياتهم,ما بين وصم المجتمع الظالم, وإجبارهم علي الخرس, وبين كلفة البوح إذا قرروا الإفصاح,ما بين هذا وذاك يظهر ضلع أعوج في مربع قبول الإيذاء الجنسي في المجتمع-المعتدي, الضحية, المناصرون, المستهينون-أولئك المستهينون الذين يبسطون من الوقائع ويعتبرون ما يجري-مادام لم يصل إلي حد الاغتصاب-فهو أمر عادي يحدث يوميا,وكأن البيئات السيئة جنسيا صارت القاعدة, والبيئات الآمنة هي الوضع الشاذ,لذلك يجب إطلاق مبادرات أهلية ومبادرات من المجلس القومي للمرأة لتوعية المجتمع بتنوع وتعدد أشكال التحرش والإساءة الجنسية, فلا يوجد شكل بسيط وآخر معقد فما يعتبر بسيطا بالنسبة لشخص هو معقد لآخر.
التحرش الجنسي-طبقا لعلم النفس-اضطراب سلوكي يدعمه خلل مجتمعي, إيذاء تستمر آلامه وتأثيره النفسي لمدي طويل, وربما لايمحي من ذاكرة فتاة أو امرأة قد تعرضت لإهانة وابتزاز من المتحرش,الذي يحاول أن يجد لنفسه متعة ولو لحظية.قد يكون واضحا أو غير مباشر,جسديا أو لفظيا,كما قد يشمل الأشخاص من نفس الجنس وليس شرطا أن يكون ضد شخص من الجنس الآخر.وقد يتضمن النظر المتفحص, أو التحديق أو التعبيرات الوجهية مثل الغمز.
وقد أثبتت دراسة أجرتها المبادرة الخاصة بخريطة التحرشHarass map-مبادرة تطوعية حائزة علي عدة جوائز وتعمل علي إنهاء التقبل المجتمعي للتحرش الجنسي في مصر.تأسست المبادرة في أواخر عام2010-تحت إشراف هيئة الأمم المتحدة للمرأة أن 99.3% من عينة النساء والفتيات اللاتي خضعن للدراسة قد تعرضن لأحد أشكال التحرش الجنسي الذي تزيد أو تقل نسبته وفق الأماكن أو الأوقات.
رابعا:الإيذاء الجنسي يرتبط باستخدام العنف ويرتبط بخبرة السلطة التي يثيرها فعل الاعتداء في نفس المعتدي, فتشعر الضحية بالعجز والذنب والخزي-طبقا لثيو فإن در فيل متخصص في المساعدة النفسية للناجين من الإيذاء الجنسي بالدنمارك-وهو ما يهدد المجتمع بنوع مختلف من العنف لا يقل خطورة عن عنف الإرهاب والقتل وإراقة الدماء لأن أولئك الأحرار الذين اكتسبوا سلطة ممنوحة من مباركة المجتمع لذكورتهم المنفلتة لن يكفوا عن إيذاء المرأة إلا بردع وعلاج في آن واحد, لذلك يجب التركيز علي مبادرات علاجية ومبادرات قانونية أقوي تعيد للمرأة أمانها وسلامها النفسي.
وأخيرا فقد تنجو السيدة أو الفتاة من محاولة الاعتداء لكنها لاتنجو من ممارسات انتقامية تالية علي رفضها أو فضحها لمن حاول الإساءة إليها, ممارسات ترتبط بمبدأ-لو ما أذتكيش أشوهك-ويبدأ تشويه السمعة, الذي للأسف يباركه المجتمع بإلقاء اللوم علي المرأة, وكأنها المذنب الوحيد في الكون, ومسؤولة عن سقوط الرجل البار, بينما لا علاقة للأمر بالبر والتقوي ولا علاقة للمتحرش بالعري والمستور من جسد المرأة.