كانت ليلة شديدة الظلام حين كنت جالسًا في غرفة نومي، كان الظلام يحاصر هذه الغرفة من جميع النواحي، فأضأت المصباح لصد هجمات الظلام حتى لا يتسلل إلى غرفتي. وفجأة إنفتح باب الغرفة ليعلن قدوم زائر، ووقفت مندهشًا وقد رأيت أمامي رجلًا ملامحه هادئة، وصوته رقيق جدًا لم أعتاد هذا الصوت وسط ضجيج العالم. ولما إقترب مني سألته: من أنت يا سيدي؟ وكيف دخلت إلى هذا المكان والباب محكم الغلق؟ فأجابني قائلًا: لا تتعجب فإنني أستطيع أن أدخل أي مكان في أي وقت! أستطيع أن أفتح أي باب مهما كان مغلقًا! أستطيع أن أدخل أي مكان دون إستئذان ماعدا قلبك، فلابد أن تأذن لي أولًا بالدخول. حينها سالت الدموع من عينيَّ، وقُلْتُ له: يا سيدي إني أعتذر، لأني لست أملك هذا القلب لكي أعطيك الإذن أن تدخله، فقد تركته وتركني منذ سنينًا طويلة حتى أنني تعودت أن أعيش بدونه، نعم تركته ولا أدري أين تركته. ربما تركته في أحد شوارع الشهوة، أو في أحد بحور العالم، أو في طريق من طرقات الرغبة، أو في كومة من المشاعر الخاطئة، أو تحت أنقاض هموم العالم. وقُلْتُ له في لهفةٍ: أتستطيع يا سيدي أن تعيد لي هذا القلب الضائع؟ فقال بمنتهى الثقة: نعم أستطيع وبكل سهولة، بل وأستطيع أيضًا أن أعطيك قلبًا جديدًا. ثم سألته: هل أنت غاضبٌ مني يا سيدي لأني قد تنازلت عن هذا القلب الذي أعطيتني إياه منذ ولادتي؟ فأجابني: أنا لست غاضبًا منك فأنا أحبك، أنا أعلم شدة الحروب التي تواجهك، حروب من الشيطان، وحروب من طبيعتك ومن أفكارك، فَقُلْتُ له: أريد أن أشعر بك وبوجودك، أريد منك أن تحتضن وجودي وتلملم أشلائي، تحتوي هذا القلب حتى يهدأ وتهدأ ثورته، ثم وضع يده على صدري وشعرت بدقات قلبي ففرحت، إذ قد عاد لي قلبي من جديد. ثم مضى بعيدًا، ومضيت أنا في طريقي أفعل شيئًا واحدًا وهو أن أحبه من كل قلبي.