يعلمنا السيد المسيح قائلا:كونوا رحماء كما أن أباكم رحيم, لاتدينوا فلا تدانوالو6:36 يحكي أن مديرة القسم في إحدي الشركات قامت بجولة تفقدية للموظفين للاطمئنان علي مسيرة العمل, فسألت أحدهم قائلة: أخبرني ماذا تم في سجلات اليوم؟
فأجاب الموظف المجتهد:ليست علي مايرامفقالت له:أريد أن ألقي نظرة عليها فأجاب: لا أستطيع اليوم فأنا مشغول جدا فقالت: إذا لابد أن أراها غدا علي أكثر تقدير أجاب:غدا سأذهب إلي الطبيب فبدأت تفقد صبرها وأعصابها مهددة إياه: إن هذا يسيء إليك ويعرضك للمساءلةفرد بكل ثقة وثبات: هذا لايهمني علي الإطلاق ونتيجة هذه الردود الجافة, خرجت المديرة في حالة غضب, وأحالت الموظف للتحقيق, وأثناء التحقيق معه كتب الموظف المظلوم نص الحوار الذي دار بينهما هكذا: لقد سألتني المديرة عن صحتي فقلت لها: ليست علي ما يرام وطلبت مني أن أذهب إلي الطبيب, فأجبتها أنني لا أستطيع اليوم, فأنا مشغول جدا, وعندما لاحظت القلق في عينيها, قلت لها: غدا سأذهب للطبيب وعندما سألتني هل أنت بحاجة إلي إجازة لتستريح, قلت لها: هذا لايهمني أبدا, ولا أعلم لماذا أحالتني إلي التحقيق مما لاشك فيه أن الموظف الجديد لم يكن مخادعا, لأنه كان ضعيف السمع, هذه الحكاية تحدث في مواقف مختلفة وأماكن كثيرة ونجد العديد الذين يستخدمون أسلوب الظلم والعنف والتسرع في الحكم مع الضعفاء معتقدين أن الحق نصير القوة والسلطان, حتي أنهم ينتقمون دون أي اعتبار لعدل أو رحمة, ألا يعلم هؤلاء أن هناك من هو أقوي منهم؟
هل نسوا أن الله يدافع عن المظلومين والمقهورين والضعفاء؟ فالحكم الظالم لايثمر إلا البغض والحقد والكراهية, لأنه يهدم ولا يبني يفرق بين القلوب بدلا من أن يقربها, بينما اللين واللطف والرحمة تجتدب القلوب, وتطفيء الأحقاد, وتنشر المحبة والسعادة, فالإنسان العادل والمحب لايحكم علي تصرفات الأشخاص متسرعا ولا يظن السوء فيهم لأنه في حالة اختفاء وضعف المحبة, نصبح علي أتم استعداد لاكتشاف أتفه العيوب والنقائص في الآخرين ثم يعتقد كل واحد منا أنه ديان ويبدأ في الحكم علي الغير متمنيا أن يضع لوحة كبيرة مكتوبا عليها نقائص وعيوب وهفوات الناس ليراها الجميع, بينما المحبة الصادقة كالنار التي تمحو الشوائب العالقة فوق المعادن الثمينة لتعطيها بريقا أفضل.
إذا من منا ينظر للآخرين بعين المحبة, سيصبح قادرا علي اكتشاف ما بداخله من فضائل ومزايا وجمال, كما يجب علينا في ذات الوقت أن نتحلي بالشجاعة التي تساعدنا علي مواجهة أنفسنا وإصلاح عيوبنا مكتشفين التشوهات التي بداخلنا ولا يعلمها إلا الله وحده, وكما يقول القديس فرنسيس دي ساليس:إن الأشخاص الذين يتسامحون مع أنفسهم عندما يخطئون نجدهم في غاية القسوة مع الآخرين مما لاشك فيه أن الإنسان الناضج والشجاع والحكيم يستطيع أن يواجه ذاته ويري حقيقتها ليصلحها ويعالجها لكن للأسف قلما ننظر للغير نظرتنا لأنفسنا فالغالبية العظمي تظن أنها بلا عيب, لذلك من الأفضل أن نحتمل بعضنا بعضا, ونتعاون معا لإصلاح ذاتنا قبل الغير, وكل ما لا نستطيع أن نعالجه في ذواتنا أو في الآخرين بمحبة وتواضع يجب علينا أن نتركه في يد الله القادر علي كل شيء والذي يستطيع أن يحول الشر إلي خير, إذا يجب علينا أن نكون رحماء مع الغير كما أن الله رحوم معنا جميعا, فكما أن حرارة الشمس تبدد الضباب عن وجه الأرض فتدب الحيوية في الطبيعة وتنتعش الخليقة, كذلك الرحمة مع النفوس تزيل عنها الخمول وتعيد إليها النشاط وحب الخير, وتبعدها عن الشر والفساد لذلك يجب علينا ألا نحكم علي تصرفات الآخرين لأننا لا نعلم ما بداخلهم ولا الظروف التي يمرون بها بل نبدأ في تقديم العون لهم ومساعدتهم للنهوض بهم, فالله فاحص القلوب والكلي ولا يخفي عنه أي شيء لم يخلقنا لينهش القوي الضعيف و يترك العاجز فريسة للظلم والطغيان فالظلم داء يفتك أولا بالظالم حتي ولو تخيل أن له السلطان والقوة والحماية التي يستطيع بهما دهس الآخرين, لأن دموع المظلوم عزيزة عند الله الذي يرفض أي ظلم, ونختم بالمقولة الشهيرة التي كتبها أحد ملوك الفرس القدامي ليذكر بها نفسه في لحظة الغضب وعدم الرحمة:ارحم من في الأرض يرحمك من في السماء.