أنطون سيدهم والقضايا الدينية
منذ إنشاء دولة إسرائيل وتزعم مصر للدول المقاومة لها بما تملكه من إمكانيات واسعة وركيزة ضخمة من التأثير العميق علي الشعوب العربية.. لم تأل إسرائيل جهدا في العمل علي محاربتها في جميع المجالات سواء الدولي منها والمحلي.. فما أن وقعت نكسة 1967 واستيلائها علي الضفة الغربية لنهر الأردن بما فيها القدس الشرقية حتي وجدت الفرصة سائحة في الانتقام من مصر بالاستيلاء علي أثمن ما يملكه الأقباط بكنيسة القيامة ألا وهو دير السلطان.. ثم تسليمه لآخرين لا حق لهم فيه.
لقد قام نيافة الأنبا باسيليوس مطران القدس بمحاولات عديدة لاسترجاع هذا الدير التاريخي الاستراتيجي الموقع والذي يعتبر الطريق الوحيد بين بطريركية الأقباط الأرثوذكس بالقدس وكنيسة القيامة.. ولكن مجهوداته باءت بالفشل إذ أن الغرض الأساسي كان الاستيلاء علي أملاك الأقباط الأرثوذكس أو بالأحري أملاك مصر في الموقع المقدس.. مما حدا بنيافته أن يلجأ إلي القضاء.. وبعد تقديم المستندات التاريخية المؤيدة لامتلاك الكنيسة القبطية لدير السلطان وقيام المحكمة بمعاينة هذه المقدسات.. أصدرت محكمة العدل العليا بالقدس حكمها بأحقية الكنيسة القبطية لدير السلطان وتسليمه لها.
ورأت الحكومة الإسرائيلية في هذا الحكم لطمة شديدة لها.. وخصوصا أنه وجه لوما عنيفا لتصرفها الخاطئ.. فاجتمعت الوزارة الإسرائيلية وأصدت قرارا بإيقاف تنفيذ الحكم بحجة أن له أبعادا سياسية وكونت لجنة من أربعة وزراء لدراسة الموضوع.. وبالطبع لم تجتمع هذه اللجنة بالرغم من استمرار تقديم الاستعجالات والشكاوي من صاحب النيافة الأنبا باسيليوس.. لقد كان الغرض من تكوين هذه اللجنة هو التسويف واستمرار الاستيلاء علي دير السلطان نكاية لمصر وكيدا لها.
والآن وقد انتهت المشاكل بين مصر وإسرائيل بعد المبادرة الشجاعة للرئيس أنور السادات وتوقيع اتفاقية كامب ديفيد.. فقد زال السبب الرئيسي للاستيلاء علي دير السلطان.. وكان من المتوقع إعادته إلي أصحابه وهم الكنيسة القبطية, ولكن الذي حدث هو أن اغتصاب دير السلطان مازال مستمرا بالرغم من الاتصالات المستمرة من المسئولين الإسرائيليين.
إن مشكلة دير السلطان مشكلة سياسية شكلا وموضوعا.. ولولا الإشكالات السياسية والحربية التي كانت بين مصر وإسرائيل لما اغتصب هذا الدير وسلمته لآخرين بدون وجه حق.. ومن هنا فإن واجب حل هذه المشكلة يقع علي كاهل رجال السياسة المصريين لاتخاذ الإجراءات السريعة والفعالة لإعادة الحق لأصحابه.. فلا معني لكل ما يكتب أو يقال من أن مشاكلنا مع إسرائيل قد حلت.. كما أن العلاقات بين الدولتين في طريق التطبيع في الوقت الذي ما زال اعتداء إسرائيل علي المقدسات القبطية واستيلائها عليها مستمرا.
عجبا أن يقف رجال إسرائيل وبينهم رئيس الدولة ورئيس الوزراء أمام أجهزة التليفزيون مرحبين بالسلام بين الدولتين.. وداعين إلي تطبيع العلاقات بينهما وهم في الوقت نفسه يضعون أيديهم علي جزء من أهم المقدسات القبطية بكنيسة القيامة.. إن الأقوال الجوفاء التي تطلق بلا معني للتمويه علي عقول الشعب المصري لن تنطلي علينا لأننا لسنا بهذه الغفلة.
إن أقباط مصر لن يفكروا في زيارة القدس ما لم ترد لهم مقدساتهم, لقد امتنع الأقباط عن السفر إلي الأماكن المقدسة منذ حرب سنة 1967 حتي الآن, وسيستمرون في هذا الوضع حتي يعمل المسئولون في إسرائيل إلي إعادة الحق إلي أصحابه وتسليم دير السلطان إلي الكنيسة القبطية.
أننا نتوجه إلي رب العائلة الرئيس أنور السادات راجين منه إثارة هذا الموضوع المهم مع المسئولين الإسرائيليين, وإفهامهم بأن استمرار الاعتداء علي مقدسات الأقباط واستيلائهم علي دير السلطان فيه إساءة كل الإساءة إلي الشعب المصري والذي يجب أن ترد إليه أملاكه. فلم تعد هناك حجة لاستمرار اغتصابها بعد أن أصدرت أعلي محكمة في إسرائيل حكمها بإعادة ذلك المكان المقدس إلي أصحابه.. ولم يعد هناك مبرر لبقاء العدوان علي ذلك المكان الذي قصد به الكيد لمصر.. بعد أن عقدت معاهدة السلام مع إسرائيل.
* * *
** وطني.. تبرز أهمية إعادة نشر هذا المقال في ضوء حالة الاسترخاء البادية علي العلاقات المصرية الإسرائيلية والتي تجلت خلال الاتصال الذي تم الأسبوع الماضي بين الرئيس عبدالفتاح السيسي ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والذي تناقلت الأنباء عما تضمنه من إعادة تأييد مصر للاتفاق الإماراتي الإسرائيلي وتأكيدها علي الحقوق الفلسطينية المشروعة وحثها العودة إلي مائدة المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين.. ومن هذا المنطلق يطل الأمل مرة أخري في سعي القيادة المصرية لإثارة موضوع حق الكنيسة المصرية في دير السلطان, هذا الحق الذي أيدته أحكام محكمة العدل العليا بالقدس.