تواترت خلال الأيام الماضية شهادات منسوبة لصحفيات لم يتم الإعلان عن هوياتهن, تتهمن فيه أحد الصحفيين, بوقائع تحرش واعتداء جنسي, وعلي أثر ذلك أصدر بعض الصحفيات المصريات بيانا شديد اللهجة, تطرق إلي الأزمة التي تشهدها بيئة العمل الصحفي في مصر باعتبارها بيئة غير آمنة للنساء تفتقد وجود آليات لمناهضة التحرش والعنف الجنسي والتمييز ضد النساء, وغياب آليات التحقيق والعقاب لدي نقابة الصحفيين.
وبرغم الجهود التي بذلتها النقابة منذ سنوات, إلا أن الوضع مازال مخزيا, فمنذ أربع سنوات خلال عام2016, قامت كاتبة هذه السطور خلال سنوات عضويتها بمجلس النقابة بتكوين لجنة للمرأة وتدشين يوم تحت اسم “اليوم المصري لكفاح الصحفيات” وإصدار كتاب يوثق معاناة الصحفيات تحت نفس العنوان, وتم تنظيم لقاء استثنائي للبوح بمعاناة المرأة الصحفية, تلك المعاناة التي تحمل قصصا مؤلمة تتنوع ما بين التحرش, والاعتداء الجنسي الصارخ, والمساومة علي الشرف, مرورا بغياب الصحفيات عن اتخاذ القرار والتشكيك في قدرتهن المهنية وسجنهن في أبواب تحريرية ربما لاتناسب كفاءتهن, وصولا إلى تعنت الإدارات في المؤسسات ضد الصحفيات, والذي يؤثر بدوره علي الرغبة في العطاء بل ويؤدي إلي الإحباط هذا اللقاء- آنذاك- خرج عن المألوف إلي العصف الذهني لإيجاد حلول رشيدة واستنتاج توصيات موضوعية, قمنا بتقديمها للجماعة الصحفية لتنفيذها سواء علي مستوى النشر ومحاربة الصور النمطية للمرأة بوجه عام والصحفيات علي وجه الخصوص أو علي مستوى إدارة المؤسسات لوضع معايير عادلة لاتحرم المرأة من حقها, في الشكوى ضد أي مصدر أو رئيس في العمل دون المساس بحقوقها المهنية.
وكذلك توصلنا لمعايير تمكنها من ارتقاء المناصب التي طالما انفرد بها الزملاء الصحفيون من الرجال علي مدار عقود فائتة, لكن لم يتم تنفيذ أي منها أو حتي إعادة إحياء يوم كفاح الصحفيات مرة أخري لتجديد البوح وكشف المستور, ولاتفعيل لجنة المرأة, وعلي النقابة إعلان أسباب التقاعس الشديد في هذا الاتجاه.
لايمكننا إنكار أن بيئة العمل الصحفي ليست البيئة الوحيدة غير الآمنة؟ علينا الإقرار بأننا أمام مجتمع تغذى على صور نمطية للمرأة خاصة العاملة في مجال الصحافة والإعلام, صور علينا محاربتها, بعد أن اختلت موازين العدل والمساواة وصارت الأولوية للنوع وليس للكفاءة وكأننا ندفن تاريخنا المستنير في رجعية الحاضر ومحاولات إظلامه, مجتمع شكل وجدان الصحفيين بدلا من أن يقوموا هم بتشكيل وجدانه وتنويره, فصرنا إلي ما نحن عليه, ولنا في تمثيل المرأة في مجلس النقابة خير دليل, فبرغم مشاركة المرأة في تأسيس نقابة الصحفيين لكنها لم تحظ بتمثيل جيد في مجالسها المتعاقبة, فعبر 80 عاما لم يمثل المرأة سوي تسع صحفيات فقط, لأن النظرة الذكورية مازالت مهيمنة حتي علي عقول بعض النساء فبالرغم من أن ثلث الجمعية العمومية- تقريبا- من النساء إلا أن واحدة منهن لم تصل لمقعد المجلس خلال الدورتين الأخيرتين.
وتستمر الصحفية في ذات الخندق مع الطبيبة والمدرسة والمهندسة وغيرها من النساء اللواتي ظلمن فقط لأنهن نساء, لكن في الصحافة 0مهنة النشر- كان المأمول مختلفا لكن الواقع مكمم بموروثات العرف وتقاليد المجتمع.
بالرغم من أن الصحافة المصرية قدمت شهيدتين خلال أحداث 30 يونيو, هما الشهيدة ميادة أشرف خلال اشتباكات عين شمس2014- الصحفية بالدستور والشهيدة حبيبة عبد العزيز- المراسلة بجولف نيوز الإماراتية خلال فض اعتصام رابعة 2013, وبرغم تعرض بعض الصحفيات للاعتداء لكونهن صحفيات مثل الزميلات نوال علي وعبير العسكري وشيماء أبو الخير في عام2005, وما طالهن من تحرش وإساءة جسدية وغيرهن كثيرات وبرغم ما تتعرض له الصحفيات والمراسلات من تعنيف وترهيب وتهديد وتحرش إلا أن البعض يرضخ لتابوهات المجتمع وقيود العرف ويفضل طي الصفحة المؤلمة في تكتم يمنعهن عن العمل لاحقا.
القصص الحزينة والمأساوية للصحفيات اللائي يتعرضن لانتهاكات بسبب النوع الاجتماعي أثناء عملهن كثيرة ولايمكن حصرها لأن معظمها غير معلن ومخفي عن أنظار من يحملون المرأة دائما قدرا لا طاقة لها به من مسئولية الاعتداء, بدلا من الذود عنها وجلب حقوقها لذلك فإن فرصة فتح تحقيق في وقائع مشابهة قد تفتح ملفا شديد الحساسية لابد من تطهيره.
وأخيرا إلي كل زميلة كافحت وواجهت التحديات صامدة:طوبي لنفوس حبلي بالأمل.. طوبي لمن عشن حالمات بالنجاح واقفات علي أرض الكفاح حتي لو كانت أرجل الحق مسترخية تخذله, وزنود العدل مترهلة تخونه, علي راحاتكن تسكن أحلام مشروعة فلا تفرطن فيها, فالبعض تحميهم ترسانة النفوذ وأسطول القوانين الظالمة في عالم لايعترف إلا بالصمود والمثابرة حتي المنتهي.