هذه الستة يبغضها الرب, وسبعة هي مكرهة نفسه: عيون متعالية, لسان كاذب, أيد سافكة دما بريئا, قلب ينشئ أفكارا رديئة, أرجل سريعة الجريان إلي السوء, شاهد زور يفوه بالأكاذيب, وزارع خصومات بين إخوة
(أمثال6:16-19)
أيد سافكة دما بريئا
اليد إحدي أهم أعضاء جسم الإنسان وأكثرها استخداما, فنستخدمها في التحية والسلام اليومي, ويقولون إن حضارة الإنسان صنعتها يد الإنسان.
تستخدم اليد في إعداد الطعام, الموسيقي, تنسيق الزهور, كتابات الأدب والثقافة, العلم, الصناعة, الزراعة, الرسم, اللمس, بصمات اليد.. إلخ, وصار هناك طائفة من الفنون أطلق عليها اسم الفنون اليدوية أو شغل يدوي Hand made وتعتبر هذه الصناعة غالية الثمن لأنها ذات قيمة.
وصارت يد الإنسان التي خلقها الله لأمور عدة منها: الصلاة, البناء, المساعدة, العبادة, التعليم, فهي تعبير عن العمل, فمثلا يقول: اليد البطالة, أعطني يدك (طلب المساعدة).
من الأمثلة لسفك دم برئ
تأملنا في مثل:
1- نابوت اليزرعيلي وأخاب الملك.
ونتأمل في هذا العدد في مثلي:
2- داود النبي وأوريا الحثي.
3- السيد المسيح.
2- داود النبي وأوريا الحثي:
داود عاش حوالي 70 سنة, قضي منهم 40 سنة ملكا, وكان متعدد المواهب والمهارات والمناصب (ملك- شاعر- له مواهب الشعر والموسيقي والعزف علي المزمار) لقد وجد الله قلب داود نقيا فكان محبوبا من الله. داود النبي الذي كان الرب يحبه, لم يعفه من عقوبة جريمة القتل, فقد قتل داود أوريا الحثي البريء, حيث أوصي يوآب رئيس جيشه بالآتي: اجعلوا أوريافي وجه الحرب الشديدة, وارجعوا من ورائه فيضرب ويموت (2صم11:15) وبالفعل قتل أوريا الحثي, لكن الكتاب يقول: لي النقمة أنا أجازي يقول الرب (رو12:19).
فأرسل الله ناثان لداود ليقول له: قد قتلت أوريا الحثي بالسيف, وأخذت امرأته لك امرأة, والآن لا يفارق السيف بيتك إلي الأبد, لأنك اختقرتني وأخذت امرأة أوريا الحثي لتكون لك امرأة. هكذا قال الرب هأنذا أقيم عليك الشر من بيتك, وآخذ نساءك أمام عينيك وأعطيهن لقريبك, فيضطجع مع نسائك في عين هذه الشمس (2صم12:9-11).
وبمناسبة قتل أوريا الحثي في الحرب نجد عدة ملاحظات:
+ آباء الكنيسة بصفة عامة أباحوا الحرب إذ كانت دفاعية, أما الحرب الهجومية فهي خاطئة, وعندنا في تاريخ الكنيسة رجال عظام وفي الوقت نفسه كانوا قادة جيوش, مثل القديس مرقوريوس أبي سيفين الذي كان الرئيس الأعلي للقوات المسلحة للحكومة الرومانية أيام داكيوس قبل دقلديانوس بـ50سنة.
أيضا مارجرجس الذي كان قائدا, وكذلك الأمير تادرس الشطبي والمشرقي.
لكن ما الحكم علي العسكري المسيحي في حرب هجومية قتل شخصا آخر, هل يعد أنه ارتكب خطية؟
هنا نقول ليس عليه إثم, لأنه ينفذ أمرا صدر إليه من رئيسه, فيكون هو غير المسئول مثلما حدث مع أوريا الحثي, فداود لم يقتله بيده, ولكنه أوصي بأن يجعلوه في وجه الحرب, فالعقاب لم يقع علي من قتله فعلا, بل علي داود ولذلك قال ناثان له: قد قتلت أوريا الحثي بالسيف.
3- السيد المسيح:
موت السيد المسيح مثل صارخ وواضح في تاريخ البشرية, سفك دم بريء, فلقد أسلموه اليهود حسدا.. حتي أن السيد المسيح قال لتلاميذه عن نفسه: إنهم أبغضوني بلا سبب (يو15:25).
وعندما وقف السيد المسيح للمحاكمة أمام بيلاطس, خرج بيلاطس بعدها لليهود وقال لهم: لست أجد فيه علة (يو19:6) وفي إنجيل متي: وأي شر عمل؟ فكانوا يزدادون صراخا قائلين: ليصلب! فلما رأي بيلاطس أنه لا ينفع شيئا, بل بالحري يحدث شغب, أخذ ماء وغسل يديه قدام الجمع قائلا: إني بريء من دم هذا البار! أبصروا أنتم (مت27:23-24).
خراب أورشليم:
ولكن العدل الإلهي كان لابد أن يأخذ مجراه, وكان لابد أن ينتقم الله لدم ابنه, فلم تمض إلا 35 سنة علي نطق مخلصنا بخراب أورشليم, وهلاك شعبها حتي حاصرها الرومان بجيوشهم ثم اقتحموها ودكوها دكا واضرموا النار فيها وفي هيكلها ولم يتركوا فيه حجر علي حجر, وأصبحت دماء اليهود كالبحيرات في شوارع المدينة, وتكومت الجثث فوق بعضها وضاقت الساحات بالصلبان وما عليها من جثث, فقد قتل أكثر من مليون, ومليون ماتوا جوعا, ومليون تشتتوا..
ولخطورة هذه الخطية أعطانا الله وصية لا تقتل, هذه الوصية هي أحد الوصايا العشر, وكسر هذه الوصية كانت عقوبته القتل.
+ ومن ضرب أباه وأمه يقتل قتلا.. ومن شتم أباه وأمه يقتل قتلا (خر21:15, 17).
+ ومن جدف علي اسم الرب فإنه يقتل (لا24:16).
+ من ذبح لآلهة غير الرب وحده, يهلك (خر22:20).
هذا كان في العهد القديم, أما في المسيحية الآن فلم يعد أحد من كل هؤلاء يقتل ماعدا القاتل, بحسب قول السيد المسيح: كل الذين يأخذون السيف بالسيف يهلكون (مت26:52) كما كلم الله نوح في العهد القديم قائلا: سافك دم الإنسان بالإنسان يسفك دمه (تك9:6).
الله يريد بذلك أن يقول لنا إن الحياة لها نظام وقانون, فلو ترك الله هذه المسائل بدون جزاء لحدث تسيب للإنسان, والقوي يقتل الضعيف, ثم يقول إن الله رحوم غفور, فالعدل الإلهي يقتضي أن يكون هناك عقاب للمخطئ, لأن التساهل في هذا الأمر يؤدي إلي خراب المجتمع, والناس الذين في القضاء في الدنيا أخذوا مبدأهم من عدالة الله, فلابد أن يكون هناك جزاء, ولا يوجد شيء بدون جزاء.
التوبة الصادقة ترفع العقوبة الأبدية, ولكنها لا تعفي من العقوبة الزمنية, كما حدث مع داود, فقد قال داود لناثان: قد أخطأت إلي الرب. فقال ناثان لداود: الرب أيضا قد نقل عنك خطيتك. لا تموت (2صم12:13) إلا أن توبته لم تعفه من العقوبة الزمنية فقال الرب علي لسان ناثان: قد قتلت أوريا الحثي بالسيف, وأخذت امرأته لك امرأة, وإياه قتلت بسيف بني عمون. والآن لا يفارق السيف بيتك إلي الأبد, لأنك احتقرتني وأخذت امرأة أوريا الحثي لتكون لك امرأة (2صم12:9-10).
الله لا يعفي من العقوبة الزمنية, لأن ربما الإنسان يزعم أنه تاب لكي يهرب من نتائج الخطية, أما التائب حقا يقول: أنا أستحق.