عقدت وحدة الحوار بالهيئة القبطية الإنجيلية لقاء حول “مساواة النوع الاجتماعى” بمشاركة مجموعة مختارة من النساء، ومن بين التساؤلات التي تضمنها اللقاء سؤالا حول تصوراتهن لسمات الذكورة والأنوثة. وقد أبرزت الآراء والمناقشات أن النظرة السائدة حول الذكورة والأنوثة مازالت هى السائدة، فالقوة والسيطرة والخشونة هى السمات الذكورية، فى حين أن الرقة والضعف والحنان هي سمات الأنوثة. ومع ذلك فثمة تغير فى نظرة النساء لسمات الذكورة والأنوثة بشكل عام، فالصور النمطية التي تبدو وكأنها ثابتة وجامدة، باتت مصابة بقدر ملحوظ من الهشاشة بفعل تغيرات الواقع. ومن الملفت، وربما المتوقع، أن النظرة السلبية لسماتالذكورة كانت واضحة لحد كبير في آراء النساء، كما أن نظرتهن للأنوثة لم تكن إيجابية على طول الخط، فثمة جوانب السلبية، ولكن النظرة العامة إيجابية، وتنطلق من تبريرات واقعية مفادها أن النساء في وقتنا الراهن يتحملن الكثير من الأعباء والضغوط في المجالين العام والخاص، أي خارج المنزل وبداخله.
وفيما يتعلق بالنظرة إلى الذكورة والرجولة نلاحظ أن الآراء تضمنتالعديد من السمات ولعل أهمهما تلك التي ترتبط بالقوة والتحمل والشجاعة والتسلط والتعصب للرأي والخشونة والحدة، وحب التملك، وهي تتفق مع التصورات التقليدية السائدة. ولكن بالمقابل ثمة سمات أخرى تتناقض مع الفهم السائد عن الرجولة وتنزع عنها امتيازات القيادة والمسئولية، ومنها مثلا: انعدام المسؤولية أو الهروب منها، وعدم المبالاة والاتكالية، والافتقار إلى القدرة على ترتيب الأولويات، وحتى الضعف أمام الزوجة القوية. كما أن الذكورة، وفق أرائهن، تعكس سمات مزاجية متقلبة. وهذا الحالة المتقلبة قد تجمع بين متناقضات بعضها إيجابى وبعضها سلبي، فالرجل مُحب وكريم، ولكنه أيضا أناني، وهو غضوب ولكنه يبادر بالاعتذار ومتسامح، عصبى بشكل مفرط وهادئ بشكل مفرط. فضلا عن أن عقلانية الرجل وواقعيته تقابلها في الوقت ذاته بخل المشاعر وتصوره عن ذاته بأنه الوحيد القادر على الفهم. وهذه الحالة المزاجية المتقلبة ربما يكون سببها عوامل متعددة نفسية واجتماعية وثقافية، ولكنها في النهاية مربكة، لأن الشخصية المتقلبة تفسد الاحساس بالاستقرار، إن لم تعكس سلوكيات مراوغة.
ومن ناحية أخرى، فإن نظرة النساء عن الأنوثة، أو المرأة بشكل عام، عكست كذلك التصورات السائدة، فالمرأة محبة ومخلصة ووفية، ومن صفاتها الرعاية والحنان والاحتواء والإخلاص والرقة والهدوء والرومانسية والتضحية ومدبرة. ومن السمات السلبية أنها ضعيفة وغيورة وتنساق لمشاعرها كما أنها تحب الكلام “رغاية”. ولكن الآراء تضمنت جوانب أخرى قد لا تكون أساسية ولكنها موجودة، فهن مثل الرجال عصبيات وأحيانا قاسيات وظالمات ولديهن نزوع نحو حب التملك، ويمكن أن يكون الغدر من سماتهن. وبعض النساء لديهن نزعة حب الظهور والأنانية وخاصة إذا ما تعلق الأمر بنساء أخريات. أما المسألة التي بدت أكثر بروزا فهي أن النساء أكثر تحملا للمسئولية من الرجال، سواء بمعنى الرعاية والاهتمام أو تحمل مسئولية إدارة الأسرة حتى بالمعنى المادي.
وبالسؤال عن عن السمات المشتركة بين الرجال والنساء، فقد كانت التصورات في معظمها إيجابية، بمعنى المحبة وتحمل المسئولية والاهتمام بالأسرة، وكأن التصورات تعكس ما يجب أن يكون. ولكن بالمقابل ظهرت تصورات سلبية يتشارك فيها الرجال والنساء، مثل الغيرة والخيانة والعصبية والأنانية.
إذا كانت هذه التصورات في مجملها متوقعة كصور نمطية أو واقعية في جانب منها، إلا أن الأمر الملفت للنظر في هذه الحزمة من الآراء والتصورات هو ما يتعلق بتحمل المسئولية والأعباء. فمن الواضح أن نظرة النساء تشير إلى أن الرجال أقل تحملا للمسئولية من النساء، وربما هذا الأمر نتيجة تغيرات اجتماعية حادثة بالفعل، فقد باتت النساء تتحمل أعباء مضاعفة داخل وخارج البيت، وفي كثير من الحالات تقوم النساء بالدور الفعلي كمعيلات للأسرة. ويؤكد ذلك الجدل الدائر الآن حول مدى مصداقية “قوامة الرجل” التي تجد تبريرها في القدرة على الإنفاق وتحمل المسئولية.
وعلى أي حال فهذه الآراء لا يمكن اعتبارها ممثلة لتصورات النساء بشكل عام، وبالتالي يصعب تعميمها، إلا أنها تظل ذات دلالة، فهى على الأقل تصورات صادقة وعفوية من قبل مجموعة مختارة من نساء لديهن وعي بالقضايا الأسرية ويتعاملن مع مشكلات الواقع. ولا شك أن الأمر في حاجة إلى بحوث ودراسات منهجية ومتعمقة للتعرف على التغيرات المتسارعة في تصورات الرجال عن أنفسهم وتصورات النساء عن أنفسهن، وتصورات كل منهما عن الطرف الآخر. فالواقع تغير ويتغير وثمة تصورات مختلفة تتعلق بجوانب حيوية وحرجة للأدوار التقليدية للرجال والنساء، فنحن نعيش في واقع مختلف حتى لو ظل مغلفا بتصورات تقليدية أو نمطية.