أنطون سيدهم .. والسياسة الخارجية
ما هذا الذي يجري في لبنان؟.. وكيف يتحول هذا البلد الشقيق إلي مجزرة يذبح فيها المئات يوميا ولا يتحرك ضمير سياسي أو وطني ليضع حدا لهذه المذبحة؟.. وكيف هانت لبنان علي بنيها ليتحول هكذا إلي دمار وخراب ودماء ونيران تعصف بكل شيء.. المقدسات والأرواح البريئة وسمعة لبنان بل سمعة العرب جميعهم.
** والسؤال البديهي الذي يجب أن يطرح.. لمصلحة من كل هذا الذي يجري؟.. وكيف تبلغ الأنانية والمصالح الشخصية والكبرياء (الملعونة) هذا الحد الذي وصل بلبنان إلي ما يشبه الطريق المسدود؟
وأين الحوار البناء.. والضمير المتجرد من كل هوي ومصلحة.. والوطنية الصادقة.. أين كل هذا مما يجري وعلي مدي شهور.. ولا يتنازل زعيم خطوة عن الإصرار وإدانة الآخرين بحيث تحول الزعماء كلهم إلي خونة.. وتابعين.. وعملاء.. وكل واحد إلي أوحد في الوطنية والحرص علي لبنان!!
** إننا لا نتصور أبدا أن الطائفية هي التي جرت لبنان إلي هذا الخراب والهول.. فقد عاشت المسيحية مع الإسلام في أرض الرسالات قرونا عامرة بالمحبة والسلام والتعاون ووحدة المشاعر والاحترام المتبادل, لأن جوهر المسيحية والإسلام يدعو وينادي بالمحبة والتعاطف والخير.
وما يحدث في لبنان اليوم, يستخدم الطائفية وسيلة لتحقيق مصالح خاصة, وإلي الجحيم كل القيم والمبادئ والمقدسات وحتي لبنان!
حقا إن هناك وضعا خاصا في لبنان, وهناك رغبة في أن يلحق هذا الوضع نوع من التغيير.. ولكن ألا يمكن.. وفي ظل الحوار والفهم والتجرد من الأنانية أن تحدث مصالحة حقيقية علي ضوء التغير الذي طرأ علي تركيب المجتمع اللبناني؟
** إن كل شيء ممكن لو خلصت النوايا, وتناسي اللبنانيون ما جري.. ووضعوا أمامهم فقط مصلحة لبنان التي هي مصلحة اللبنانيين.. وليس معقولا أبدا أن يتدفق السلاح علي الشارع اللبناني بينما يبقي الجيش قاصرا في أسلحته!!.. قاصرا علي أن يتدخل خضوعا للرأي الذي يقول إن تدخله لابد أن يغير من التوازن الدموي القائم!!
وأي ضمير يسكت وقد قتل في لبنان في أقل من نصف سنة ما يقرب من ستة آلاف قتيل غير عشرات الألوف من الجرحي؟.. خلاف الخراب الشامل الذي حاق بالبلاد.
وحساسية الموقف في لبنان تجعل بعض الدول العربية تراقب, ومن بعيد, ما يجري في حسرة, انتظارا أن يعود العقل والتعقل.. وأن يبصر القادة الهوة السحيقة التي سيتردي فيها لبنان وتتردي معها الزعامات والقيادات وأصحاب الشعارات.
ولكن المجزرة مستمرة.. والبوم ينعق.. وليس لبنان فقط الذي يتهدده الخطر.. بل العرب ككل.. العرب الذين برزوا بحرب أكتوبر كقوة كبري لابد أن يحسب حسابها, ومن هنا كانت استجابة مصر لعقد اجتماع عاجل لوزراء الخارجية العرب بالقاهرة لبحث الأزمة اللبنانية, وموافقتها علي أي جهد جماعي عربي يستهدف إنقاذ لبنان ووقف النزيف الدموي.
** ومازال هناك بقية من أمل أن يصحو الشعب الشقيق فيدرك ماذا جنت يداه.. وكيف أن كشف الأرباح لم يسفر عن شيء سوي الحسرة والندم وأنهار الدم.. دم اللبنانيين جميعا.. وكيف ينهار الصرح الحضاري الذي بنته أجيال اللبنانيين داخل لبنان وخارجه.
إن قرونا طويلة من المحبة والتعاطف والسلام والكفاح المشترك تدعو اللبنانيين إلي تناسي الجراح التي حدثت ليذكروا لبنان وحده.. أمنه ورخاءه.. وسلامه ووجهه الحضاري.