تمتلئ الثقافة الشعبية المصرية بأمثال عدة تشير إلي أهمية تحمل الإنسان عاقبة أفعاله, فمثلا يقول المصريون: كل واحد متعلق من عرقوبه, وأيضا: عقلك في راسك تعرف خلاصك, وكل من المثلين يحضرانني في هذه الأيام بقوة, ونحن نواجه بالفعل ما يحتم علينا إدراك أننا لابد سندفع ثمن أفعالنا عاجلا أو لاحقا, وفي الحقيقة فأننا هذه المرة سندفعها عاجلا.. جدا.
قررت الحكومة المصرية إنهاء حظر التجوال المترتب علي انتشار فيروس كورونا المستجد, وذلك لأسباب اقتصادية بحتة نلمسها جميعا, وأعلنت -الحكومة- في الوقت نفسه, أن إنهاء الحظر ليس بسبب انتهاء الوباء وإنما لمحاولة تدارك الآثار الاقتصادية السلبية, وأنه يجب علي الجميع الحذر واتخاذ الاحتياطات اللازمة لحماية النفس.
يبدو الموقف هنا غير معتاد, فالمواطن قد وجد نفسه في مواجهة وحش كاسر لا يعلم متي سيرحل, وبرغم ضيق الجميع من فترة الحبس المنزلي الطويلة, لا بديل عن ظبط النفس والثبات الانفعالي حتي لا يتورط الشخص في أفعال يندم عليها, فجميعنا يشتاق لقضاء أوقات خارج المنزل للتسوق مثلا ومقابلة الأصدقاء, وغيرها من الأنشطة الاجتماعية التي حرمتنا الجائحة منها, لكننا أيضا نعرف أن لذلك مخاطر حقيقية لا نملك رفاهية تجاهلها, وليس أمامنا سوي مدة فترة الحظر الذاتي حتي انزياح الغمة, يمكننا فقط ممارسة ما لا يعرضنا للخطر, صحيح أن الأمر كله بيد الله لكن علينا الأخذ بالأسباب, وفي هذا السياق يعجبني كثيرا الأشخاص الذين قرروا الاستعاضة عن اللقاء في الأماكن المغلقة بأخري مفتوحة, صحيح أن ذلك يتوقف علي قدرتهم علي ممارسة المشي, أو حظهم في العثور علي أماكن للجلوس في الحدائق العامة أو كورنيش النيل مثلا, لكنها بدائل تعطي مسكنات مؤقتة وأقل ضررا, وإن كنت أراها أكثر متعة وإنسانية, فالخروج من الأماكن الضيقة (علي صعوبة إتاحته) أمر أكثر حيوية, وهو أسلوب حياة أتمني أن يظل معنا بعد رحيل الفيروس بإذن الله.
ربما يبدو ما أتحدث فيه بديهيات, لكنه في الواقع أصبح لزاما علينا إعادة التذكير به, لأنفسنا وللغير, فربما يتصف الإنسان بالعقل الحكيم لكنه أمام تقييد حركته لفترة طويلة يصبح راغبا في فعل متهور.
في هذا السياق أعجبني كثيرا منشور (بوست) كتبه زميلنا الكاتب الصحفي محمد عبدالرحمن رئيس تحرير موقع إعلام دوت كوم -عبر حسابه علي فيسبوك, وأسماه: 10 نصائح قبل شروق سبت الخروج العظيم لخص فيه أهم ما يجب أن نذكر أنفسنا وغيرنا به, حيث قال بأن معدل الوفيات المعلن رسميا (أكثر من 80 حالة يوميا) هو مؤشر لأن الكورونا في الذورة ومرشح للزيادة, وأن الكمامة ستظل خط الدفاع الأول, وأنها ستعطي رسالة بالتزامك بالتباعد.
ونصح عبدالرحمن بعدم الثقة في أحد حتي لا تصاب بالعدوي, وأن الالتزام بغسيل الأيدي, أصبح أمرا إجباريا, وضرورة الابتعاد عن التجمعات الخارجة عن السيطرة وهو توصيف مناسب تماما, مع استمرار التعامل مع كل ما كان غير ضروري في الأشهر الأربعة الأخيرة باعتباره كذلك لشهرين آخرين علي الأقل, وأن البقاء في المنزل لا يزال هو الأكثر أمانا, وإذا كان لابد من الخروج فليكن بحذر ولأقل عدد ساعات ممكن, وأيضا المتابعة المستمرة لمتغيرات العلاج وطرق نقل العدوي فهناك الجديد دوما, ونصح الكاتب بالاطمئنان المستمر علي المصابين من دائرة المعارف لرفع روحهم المعنوية, وتفاءل بأن أعداد المصابين لا تزال أقل من الأصحاء, وختم حديثه بـ: كن مثل الكثرة ولا تكرر أخطاء القلة.
كل ما فات يلخص الأسلوب الأمثل للتعامل مع الجائحة القاتلة علي الأقل للمدي القريب, فنحن لا نعلم علي وجه اليقين ماذا سيحدث غدا, فقد كنا في الأسبوع الثاني لشهر مارس الماضي نعتقد بأننا سنظل في بيوتنا لأسبوعين فقط!
الحفاظ علي الروح المعنوية مرتفعة, والثبات الانفعالي في التعامل مع المستجدات الطارئة, وبذل كل ما هو ممكن للحفاظ علي النفس هو بالتأكيد فرض عين.. ولا رفاهية لدينا لنفعل أقل من ذلك.