عظمة العذراء
أجيال طويلة انتظرت ميلاد هذه العذراء, لكي يتم بها ملء الزمان (غل4:4)..
هذه التي أزالت عار حواء, وأنقذت سمعة المرأة بعد الخطية. إنها أمنا كلنا, وسيدتنا كلنا, وفخر جنسنا, الملكة القائمة عن يمين الملك, العذراء الدائمة البتولية, الطاهرة, المملوءة نعمة, القديسة مريم, الأم القادرة المعينة الرحيمة, أم النور, أم الرحمة والخلاص, الكرمة الحقانية.
هذه التي ترفعها الكنيسة فوق مرتبة رؤساء الملائكة فنقول عنها في تسابيحها وألحانها:
علوت يا مريم فوق الشاروبيم, وسموت يا مريم فوق السارافيم.
مريم التي تربت في الهيكل, وعاشت حياة الصلاة والتأمل منذ طفولتها, وكانت الإناء المقدس الذي اختاره الرب للحلول فيه.
عظمة العذراء تتجلي في اختيار الرب لها, من بين كل نساء العالم..
الإنسانة الوحيدة التي انتظر التدبير الإلهي آلاف السنين, حتي وجدها, ورآها مستحقة لهذا الشرف العظيم الذي شرحه الملاك جبرائيل بقوله: الروح القدس يحل عليك, وقوة العلي تظللك, فلذلك أيضا القدوس المولود منك يدعي ابن الله (لو1:35).
العذراء في عظمتها تفوق جميع النساء:
لهذا قال عنها الوحي الإلهي: بنات كثيرات عملن فضلا. أما أنت ففقت عليهن جميها (أم 31: 39) ولعله من هذا النص الإلهي أخذت مديحة النيسة نساء كثيرات نلن كرامات, ولم تنل مثلك واحدة منهن..
هذه العذراء القديسة كانت في فكر الله وفي تدبيره منذ البدء.
العذراء: هي القديسة المطوبة, والتي يستمر تطويبها مدي الأجيال, كما ورد في تسبحتها..
هوذا منذ الآن جميع الأجيال تطوبني (لو1:46).
والعذراء تلقبها الكنيسة بالملكة وفي ذلك أشار عنها المزمور (45:9): قامت الملكة عن يمين الملك.
ولذلك فإن كثيرا من الفنانين, حينما يرسمون صورة العذراء, يضعون تاجا علي رأسها, وتبدو في الصورة عن يمين السيد المسيح.
ويبدو تبجيل العذراء في تحية الملاك جبرائيل لها: السلام لك أيتها الممتلئة نعمة. الرب معك. مباركة أنت في النساء (لو1:28).
أي ببركة خاصة, شهدت بها أيضا القديسة أليصابات, التي صرخت بصوت عظيم وقال لها: مباركة أنت في النساء, ومباركة هي ثمرة بطنك (1:42).
وأمام عظمة العذراء تصاغرت القديسة أليصابات في عيني نفسها, وقالت في شعور بعدم الاستحقاق, مع أن أليصابات كانت تعرف أن ابنها سيكون عظيما أمام الرب, وأنه يأتي بروح إيليا وقوته (لو1:15, 17).
من أين لي هذا أن تأتي أم ربي إلي (لو1:43).
ولعل من أوضح الأدلة علي عظمة العذراء ومكانتها لدي الرب, أنه بمجرد وصول سلامها إلي أليصابات, امتلأت أليصابات من الروح القدس, وأحس جنينها فارتكض بابتهاج في بطنها, وفي ذلك يقول الوحي الإلهي:
فلما سمعت أليصابات سلام مريم, ارتكض الجنين في بطنها, وامتلأت اليصابات من الروح القدس (لو1:41).
إنها حقا عظمة مذهلة, أن مجرد سلامها يجعل أليصابات تمتلئ من الروح القدس! من من القديسين, تسبب سلامه في أن يمتلئ غيره من الروح القدس؟! ولكن هي ذا أليصابات تشهد وتقول: هوذا حين صار سلامك في أذني ارتكض الجنين بابتهاج في بطني.
امتلأت أليصابات من الروح القدس بسلام مريم, أيضا نالت موهبة النبوة والكشف:
فعرفت أن هذه هي أم ربها, وأنها آمنت بما قيل لها من قبل الرب كما عرفت أن ارتكاض الجنين, كان عن ابتهاج وهذا الابتهاج طبعا بسبب المبارك الذي في بطن العذراء مباركة هي ثمرة بطنك (لو1:41-45).
ففي الخلاص الذي وعد به أبوينا الأولين, قال لهما إن نسل المرأة يسحق رأس الحية (تك3:15) هذه المرأة هي العذراء ونسلها هو المسيح الذي سحق رأس الحية علي الصليب..
حياة أحاطت بها المعجزات
تبدأ المعجزات في حياة العذراء قبل ولادتها, وتستمر بعد وفاتها ومنها:
1- حبل بها بمعجزة, من والدين عاقرين, ببشري من الملاك.
2- معجزة خطوبتها, بطريقة إلهية حددت الذي يأخذها ويرعاها.
3- معجزة في حبلها بالمسيح وهي عذراء مع استمرار بتوليتها بعد الولادة.
4- معجزة في زيارتها لأليصابات, التي لما سمعت صوت سلامها, ارتكض الجنين بابتهاج في بطنها وامتلأت بالروح القدس.
5- معجزات لا تدخل تحت حصر أثناء زيارتها لأرض مصر, منها سقوط الأصنام (إش19:1).
6- أول معجزة أجراها الرب في قانا الجليل كانت بطلبها.
7- معجزة حل الحديد وإنقاذ متياس الرسول, كانت بواسطتها.
8- معجزة ضرب الرب لليهود لما أرادوا الاعتداء علي جثمانها بعد وفاتها.
9- معجزة صعود جسدها إلي السماء.
10- المعجزات التي تمت علي يديها في كل مكان, وضعت فيها كتب.
11- ظهورها في أماكن متعددة وبخاصة ظهورها العجيب في كنيستنا بالزيتون, وفي بابادوبلو.
ومازالت المعجزات مستمرة في كل مكان, وستستمر شهادة لكرامة هذه القديسة.
فضائل العذراء
حياة الاتضاع
كان الاتضاع شرطا أساسيا لمن يولد منها رب المجد.
كان لابد أن يولد من إنسانة متضعة, تستطيع أن تحتمل مجد التجسد الإلهي منها.. مجد حلول الروح القدس فيها.. ومجد ميلاد الرب منها, ومجد جميع الأجيال التي تطوبها واتضاع أليصابات أمامها قائلة لها: من أين لي هذا أن تأتي أم ربي إلي.. (لو1:43, 48). كما تحتمل كل ظهورات الملائكة, وسجود المجوس أمام ابنها, والمعجزات الكثيرة التي حدثت من ابنها في أرض مصر, بل نور هذا الابن في حضنها.
لذلك كان ملء الزمان (غل4:4) ينتظر هذه الإنسانة التي يولد ابن الله منها.
وقد ظهر الاتضاع في حياتها كما سنري:
* بشرها الملاك بأنها ستصير أما للرب, ولكنها قالت: هوذا أنا أمة الرب (لو1:38) أي عبدته وجاريته, والمجد العظيم الذي أعطي لها لم ينقص إطلاقا من تواضعها.
بل إنه من أجل هذا التواضل, منحها الله هذا المجد, إذ نظر إلي اتضاع أمته فصنع بها عجائب (لو1:48, 49).
* وظهر اتضاع العذراء أيضا في ذهابها إلي أليصابات لكيما تخدمها في فترة حبلها, فما أن سمعت أنها حبلي -وهي في الشهر السادس- حتي سافرت إليها في رحلة شاقة عبر الجبال, وبقيت عندها ثلاثة أشهر, حتي تمت أيامها لتلد (39:1-56). فعلت ذلك وهي حبلي برب المجد.