* ومن اتضاعها عدم حديثها عن أمجاد التجسد الإلهي.
حياة التسليم
* عاشت قديسة طاهرة في الهيكل.. ثم جاء وقت قيل لها فيه أن تخرج من الهيكل, فلم تحتج ولم تعترض, مثلما تفعل كثير من النساء اللائي يمنعهن القانون الكنسي من دخول الكنيسة في أوقات معينة, فيتذمرن, ويجادلن كثيرا في احتجاج..!
* وكانت تريد أن تعيش بلا زواج فأمروها أن تعيش في كنف رجل حسبما تقتضي التقاليد في أيامها..
* فلم تحتج وقبلت المعيشة في كنف رجل, مثلما قبلت الخروج من الهيكل..
* كانت تحيا حياة التسليم, لا تعترض, ولا تقاوم, ولا تحتج, بل تسلم لمشيئة الله في هدوء, بدون جدال.
* كانت قد صممت علي حياة البتولية, ولم تفكر إطلاقا في يوم من الأيام أن تصير أما, ولما أراد الله أن تكون أما بحلول الروح القدس عليها (1:35) لم تجادل, بل أجابت بعبارتها الخالدة: هوذا أنا أمة الرب, ليكن لي كقولك.. لذلك وهبها الله الأمومة, واستبقي لها البتولية أيضا وصارت أما, الأمر الذي لم تفكر فيه إطلاقا.. بالتسليم, صارت أما للرب.. بل أعظم الأمهات قدرا.
* وأمرت أن تهرب إلي مصر, فهربت.
وأمرت أن ترجع من مصر, فرجعت. وأمرت أن تنقل موطنها من بيت لحم وتسكن الناصرة, فانتقلت وسكنت.
كانت إنسانة هادئة, تحيا حياة التسليم, بلا جدال, لذلك فإن القدير صنع بها عجائب.. إذ نظر إلي اتضاع أمته.
حياة الاحتمال
تيتمت من والديها الاثنين, وهي في الثامنة من عمرها, وتحملت حياة اليتم, وعاشت في الهيكل وهي طفلة, واحتملت حياة الوحدة فيها, وخرجت من الهيكل لتحيا في كنف نجار واحتملت حياة الفقر, ولما ولدت ابنها الوحيد, لم يكن لها موضع في البيت, فاضجعته في مذود (لو1:7) واحتملت ذلك أيضا.. واحتملت المسئولية وهي صغيرة السن, واحتملت المجد العظيم الذي أحاط بها, دون أن تتعبها أفكار العظمة.
لم يكن ممكنا أن تصرح بأنها ولدت وهي عذراء, فصمتت واحتملت ذلك.
احتملت السفر الشاق إلي مصر ذهابا وإيابا, واحتملت طردهم لها هناك من مدينة إلي أخري, بسبب سقوط الأصنام أمام المسيح (إش19:1), احتملت الغربة والفقر, احتملت أن يجوز في نفسها سيف (لو2:35) بسبب ما لاقاه ابنها من اضطهادات وإهانات, وأخيرا آلام وعار الصلب..
لم تكتف العذراء -سلبيا بالاحتمال- بل عاشت في الفرح بالرب.
كما قالت في تسبحتها: تبتهج روحي بالله مخلصي (لو1:47).
الإيمان وعدم التذمر:
في كل ما احتملته, لم تتذمر إطلاقا, وفي تهديد ابنها بالقتل من هيرودس, وفي الهروب إلي مصر, وفيما لاقاه من اضطهاد اليهود, لم تقل وأين البشارة بأنه يجلس علي كرسي داود أبيه, يملك.. ولا يكون لملكه نهاية (لو1:32, 33)! بل صبرت, وكما قالت عنها أليصابات: آمنت بأن يتم ما قيل لها من قبل الرب (لو1:45).
آمنت بأنها ستلد وهي عذراء, وتحقق لها ذلك.
وآمنت بأن: القدوس المولود منها هو ابن الله (لو1:35), علي الرغم من ميلاده في مذود, وتحقق لها ما آمنت به, عن طريق ما رأته من رؤي ومن ملائكة, ومن معجزات تمت علي يديه, وآمنت بكل هذا علي الرغم من كل ما تعرض له من اضطهادات..
آمنت به وهو مصلوب فرأته بعد أن قام من الأموات (مت28).
الصمت والصلاة والتأمل
كان من تدبير الله, أن تتيتم العذراء, وأن تعيش في الهيكل.
وفي الهيكل تعلمت حياة الوحدة والصمت, وأن تنشغل بالصلاة والتأمل وإذ فقدت محبة وحنان والديها, انشغلت بمحبة الله وحده.
وهكذا عكفت علي الصلاة والتسبحة وقراءة الكتاب المقدس, وحفظ الكثير من آياته, وحفظ المزامير, ولعل تسبحتها في بيت أليصابات دليل واضح علي ذلك, فغالبية كلماتها مأخوذة من المزامير وآيات الكتاب.
وصار الصمت من مميزات روحياتها, فعلي الرغم من أنها في أحداث الميلاد: رأت أشياء عجيبة ربما تفوق احتمال سنها كفتاة صغيرة, وما أحاط بها من معجزات ومن أقوال الملائكة والرعاة والمجوس.. فلم تتحدث مفتخرة بأمجاد الميلاد, بل كانت تحفظ جميع هذا الكلام متفكرة به في قلبها (لو2:19).
إن العذراء الصامتة المتأملة, درس لنا:
فليتنا مثلها: نتأمل كثيرا, ونتحدث قليلا.
علي أني أري أنه لما حان الوقت أن تتكلم, صارت مصدرا للتقليد الكنسي, في بعض الأخبار التي عرفها منها الرسل وكاتبو الأناجيل: عن المعجزات والأخبار أثناء الهروب في مصر, وعن حديث المسيح وسط المعلمين في الهيكل وهو صغير (لو3:46, 47).
فضائل أخري:
لقد اختار الرب هذه الفتاة الفقيرة اليتيمة لتكون أعظم امرأة في الوجود, وكانت تمتلك في فضائلها ما هو أعظم من الغني.
من فضائلها أيضا قداستها الشخصية, وعفتها وبتوليتها, ومعرفتها الروحية, وخدمتها للآخرين, وأمومتها الروحية للآباء الرسل.
ويعوزنا الوقت أن نتحدث عن كل فضائلها..
تطويبها:
ما أكثر التطويبات التي أعطيت للعذراء.
وردت في ألحان الكنيسة, وفي التسبحة, في التذاكيات والمدائح وفي الذكصولوجيات, في كل يوم من أيام أعيادها, وفي الأبصلمودية الكيهكية, وفي تراتيل الكنيسة, وفي الأبصلمودية.
وتذكرها الكنيسة في مجمع القديسين قبل رؤساء الملائكة, والكنيسة تقدم لها البخور, وتقدم لها السلام, وما أكثر التسابيح التي تبدأ بعبارة السلام لمريم (شيري ني ماريا) أو التسابيح التي تبدأ بعبارة افرحي يا مريم أو التسبحة التي يحرك فيها داود النبي الأوتار العشرة في قيثارته, وفي كل وتر يذكر تطويبا لها.
نذكرها في الأجبية وفي القداس وفي كتب الكنيسة:
في السنكسار, وفي الدفنار, وفي القطمارس, وفي الأبصلمودية, وفي كتب المردات والألحان.. في صلوات الأجبية, نذكرها في القطعة الثالثة في كل ساعة من ساعات النهار متشفعين بها.
نذكرها في صلاة البركة أولها وآخرها.
فنبدأ البركة بالصلوات والتضرعات والابتهالات التي ترفعها عنا كل حين والدة الإله القديسة الطاهرة مريم, وبعد أن نذكر أسماء الملائكة والرسل والأنبياء والشهداء وجميع القديسين, نختم بها البركة فنقول: وبركة السيدة العذراء أولا وآخرا..
عظمة العذراء قررها مجمع أفسس المسكوني المقدس, الذي انعقد سنة 431م بحضور مائتين من أساقفة العالم, ووضع مقدمة قانون الإيمان التي ورد فيها: نعظمك يا أم النور الحقيقي, ونمجدك أيتها العذراء القديسة والدة الإله, لأنك ولدت لنا مخلص العالم, أتي وخلص نفوسنا.
بركة السيدة القديسة العذراء فلتكن مع جميعنا..