ما يزيد على 13 تريليون دولار تضاف للناتج الإجمالي العالمي منتصف العقد المقبل
شبكة الـ G5 لبُ الصراع التجاري بين واشنطن وبكين.. والصين المستثمر الأكبر
“شبكات الجيل الخامس” من الإنترنت مصطلح بات يتكرر كلما تحدثنا عن التطور التكنولوجى ومستقبل الاقتصاد الرقمي، وباتت دول العالم تتنافس بشكل كبير لاقتناء تقنيات ذلك الجيل الذي يُطلق عليه اختصاراً الـ ” G5 “.. هذه التقنية تعمل على نقل البيانات بسرعات أكبر بكثير من التي نملكها اليوم، وقد تصل إلى 1000 مرة، مما سيسمح بتنزيل الأفلام عالية الدقة في ثوان معدودة مثلاً.. ففي أوروبا يوجد تنافس كبير بين دولها لامتلاك تقنيات هذا الجيل، وبحسب المفوضية الأوروبية فإن شبكات الجيل الخامس واحدة من أهم لبنات بناء الاقتصاد الرقمي في العقد القادم واصفه إياها بأنها سيسمح للأجهزة بمعالجة حجم هائل من البيانات بأقل قدر من الوقت كما ستعزز تقنيات الذكاء الإصطناعي و الحوسبة السحابية ، وبمرور الوقت سيتأثر النشاط الاقتصادي بأكمله بالبنية التحتية لـ G5 ، مما يُسرع التحول الرقمي للشركات واعتماد قطاعات كثيرة على التقنية الجديدة.. وبالتالي الثورة الصناعية الرابعة .. ومن المقدر أن تصنع التقنية الجديدة ما يزيد على 13 تريليون دولار إضافية من الناتج المحلي الإجمالي العالمي بحلول منتصف العقد المقبل وتوفير 22.3 مليون وظيفة.
وذكر تقرير للاتحاد الأوروبي – نشرته شبكة اليورونيوز – أنه يتم حاليًا تطوير تقنية الـ G5 في جميع أنحاء العالم ، مشيرأ أنه اعتمد عام 2016 خطة لتطبيق التقنية الجديدة بهدف إطلاق خدمات الجيل الخامس في جميع الدول الأعضاء البالغ عددها 28 دولة بحلول نهاية العام الحالى 2020 على أبعد تقدير، مع ضمان التغطية دون انقطاع في جميع المناطق الحضرية وعلى طول المناطق الرئيسية بحلول عام 2025 ، منوهاً أنه أنفق 700 مليون يورو على هذه تكنولوجيا ، في حين استثمر القطاع الخاص أكثر من 3 مليارات يورو ، منذ عام 2014 .
استثمارات بتريليونات الدولارات
من جانبه فسر البروفيسور “دريك اكسن” أستاذ الاقتصاد الرقمي في جامعة شيفيلد أهمية تقنية الـ G5 للتطور الاقتصادى العالمي بأن إنترنت الأشياء سيكون جزءًا لا يتجزأ من عصر الجيل الخامس وسيزيد عدد اتصالات إنترنت الأشياء عالميًا إلى أكثر من الضعف أي ما يقدر بـ25 مليار دولار، بينما ستبلغ الإيرادات الناجمة عن استخدام إنترنت الأشياء على المستوى العالمي أكثر من ثلاثة أضعاف الرقم الحالي وستصل إلى 1.1 تريليون دولار.. وأن صناعة الإتصالات ستواصل الاستثمار بكثافة في هذه التقنية ، لافتا إلى دراسة قام بها اتحاد “النظام العالمي للإتصالات المتنقلة، وخلصت إلى أن المتوقع أن تنفق شركات الهواتف المحمول 1.1 تريليون دولار في جميع أنحاء العالم بين عامي 2020 و2025 كإنفاق رأسمالي على تطوير شبكات الهواتف النقالة، و80 في المائة من هذا الإنفاق سيوجه لشبكات الـ G5.
هذا ويتميز الجيل الخامس من شبكات الإنترنت بدعمه لكل أطياف الموجات، فعلى عكس الجيل الرابع على سبيل المثال الذي يعتمد على الطيف متوسط التردد سيكون بإمكان الجيل الجديد الاعتماد على كل أنواع الأطياف لتتم تلك العملية على مرحلتين .. وتستهدف أغلب الشركات دعم ترددات تصل ما بين 18 و 24 جيجاهيرتز ولكن تلك العملية لن تكون جاهزة قبل عام 2021 على الأقل .
إذاً ما فائدة شبكات الـG5 مقارنة بـشبكات الـ G4 التى نستخدمها حالياً والتى أيضاً تتسم بالسرعة العالية .. فالإعتماد على شبكات الجيل الخامس سيغير شكل العالم وليس فقط مجال الإتصالات، فالأجهزة التي سيدعهما الجيل الجديد تفوق كل الأجيال السابقة ومن المنتظر أن يكون مدعوماً من الهواتف الذكية ، أجهزة الحواسب المكتبية والمحمول لتوفير سرعات إنترنت أعلى قد لا نحتاجها حاليًا ولكن خلال الفترة المقبلة سيزداد الطلب عليها خاصة مع تحويل العديد من الخدمات كالبث التليفزيوني أو ألعاب الفيديو إلى خدمات عبر الإنترنت ، كما أن السيارات ستدعم أيضا G5 من أجل توصيلها بالإنترنت ببعضها ببعض وكذلك بالوحدات المرورية لتكوين شبكة كاملة تظهر التكدسات المرورية، الأعطال وحتى مكان السيارة في حالة سرقتها ، كما أن الأجهزة المنزلية ستحظى هي الأخرى بنصيب من هذا التطور .. وستلعب شبكات الجيل الخامس دورًا مهما في قطاعات رئيسية مثل قطاع النفط والغاز، ويتركز ذلك في جمع البيانات في الوقت الحقيقي، وإتاحة وقت تشغيلي أكبر، والحد من مخاطر وتأثير الإنقطاعات والأخطاء ، وقد يكون لشبكات الجيل الخامس دورًا في قطاع العناية الصحية عبر العمليات التي تعتمد على الذكاء الإصطناعي في إجراءها .. ومع مواجهة العالم لوباء ” كورونا “، من المتوقع أن تلعب شبكات الجيل الخامس دورًا محوريًا في تأمين استدامة الأعمال والعمل عن بعد.
وفقًا لتحليل أجراه النظام العالمي لرابطة الهواتف المحمولة (GSMA) ، يُقدر أنه بحلول منتصف العقد، سيستخدم حوالي واحد من كل ثلاثة شبكات الجيل الخامس ، وتشير الأرقام إلى أن تقنية شبكات الجيل الخامس في أوروبا ستكون حاضرة بنسبة 31 ٪ في عام 2025 ، ما يعني 217 مليون اتصال .. و توقع تقرير نشرته ” إريكسون ” أن يصل عدد الإشتراكات بتقنية الجيل الخامس في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى 80 مليون اشتراك في حلول العام 2025، وهو ما يمثل 10 في المئة من إجمالي اشتراكات الهواتف النقالة في بلدان هذه المنطقة ، منوهاً أن انتشار جائحة كورونا ، وعلى الرغم من الظروف الاستثنائية التي سادت أثناء انتشار ” كورونا “، استمر مزودو خدمات الاتصال تبني تقنية الجيل الخامس والاستفادة من الفرص والإمكانات التي توفرها، حيث تجاوزت الاشتراكات بتقنية الجيل الخامس 500 ألف، معظمها في دول مجلس التعاون الخليجي .
صراع أمريكي صيني على الـ G5
من ناحية أخرى كانت الموجات الأولى من الاتصالات المتنقلة مدفوعة إلى حد كبير بالشركات الأميركية والأوروبية، حتى الجيل الرابع من شبكات الاتصال، ومع اقتراب التحول إلى شبكات الجيل الخامس ، التي تعد بتحويل طريقة استخدام الناس للإنترنت مرة أخرى، تتمحور المعركة حول تحديد ما إذا كانت الولايات المتحدة أو الصين ستسيطران على هذا السوق الواسع، وسعياً للسيطرة على هذه الثورة الجديدة، تدعم الحكومات الشركات، خاصة الحكومة الصينية التي تذلل كل العقبات أمام شركات التكنولوجيا لتحقيق هذا الهدف .. وإن المواجهة الحالية بين العملاقين الرقمييْن الأكبر في العالم، تنطوي على رؤيتين مختلفتين كلياً للإنترنت ولطريقة إدارة الشبكة العالمية ، كلّ نموذج من بين الأثنين يطمح في واقع الأمر إلى فرض رؤيته على الآخر وتثبيت نفسه كسيد عالمي على الشبكة في العقود المقبلة.
وذكرت “وول ستريت جورنال” حول شبكة الجيل الخامس أن الصين تمتلك، بحسب مراقبين ومختصين، الأفضلية في هذا المجال، لسبب تقني بحت، وفي الواقع تأمل الصين في أن تصبح المورّد الرئيسي لتكنولوجيا الجيل الخامس، وكل المواد اللوجستية المتعلقة بهذه التكنولوجيا، وهي تحث عملائها على اعتماد رؤية للشبكة تقارب رؤيتها، وتدعوهم إلى استخدام “السور الرقمي العظيم” الذي تتصدره مجموعة “هواوي” الشركة التي سعت وشنطن للضغط علي حلفائها من أجل إقصائها ” من إنجاز مشاريع شبكة اتصالات الجيل الخامس، وهي تتهم تقنياتها الخاصة بالت G5بالتجسس لحساب بكين ، حيث أن شركة “هواوي” استثمرت مليارات الدولارات في هذه التكنولوجيا، متنافسة على وجه الخصوص مع شركتي “إريكسون” السويدية و”نوكيا” الفنلندية .. وفيما ترى الولايات المتحدة وبريطانيا وغيرهما من الدول أن هواوي تشكّل خطراً أمنياً لأسباب عدة بينها أن مؤسسها “رين تشنغفاي” كان مهندساً في جيش التحرير الشعبي ، بينما فرنسا لا تجد ضرراً في التعامل الجزئي مع “هواوي” فيما يتعلق بشبكة الجيل الخامس للإنترنت ، ويؤكد رئيس وكالة الأمن الإلكتروني الوطنية الفرنسية غيوم بوبار أن مجموعة هواوي الصينية لم تُحظر تماماً من سوق شبكة الجيل الخامس للإنترنت في بلاده، لكن مشغليها في فرنسا لن يحصلوا إلا على تراخيص محدودة.
الموجات الكهرومغناطيسية للجيل الخامس
اتهامات طالت الجيل الخامس للمحمول مع انتشار جائحة كورونا في العالم، وقيام البعض بالهجوم على الشبكات الخاصة بها في بعض البلدان، معتقدين بأنها ساهمت في نشر الفيروس عبر الموجات الكهرمغنطيسية، الأمر الذي نفاه العديد من خبراء الإتصالات في العالم ، وولم تكن هذه الإتهامات هي الأولى من نوعها لشبكات المحمول فمنذ بدء خدمات المحمول و تطور الموبايل تم عمل الكثير من الدراسات بشأن الآثار الصحية للهواتف و المحطات، إلا أن تقرير جديد للاتحاد الدولي للاتصالات كشف عن حقيقة وجود تأثيرات صحية لشبكات المحمول وخاصة الجيل الخامس على صحة الإنسان ، وقال “الإتحاد” في تقرير له، “على الرغم من الدراسات المكثفة حول الآثار الصحية للهواتف المحمولة والمحطات على مدار العقدين الماضيين أو العقود الثلاثة الماضية، ليس هناك ما يشير إلى زيادة المخاطر الصحية عند التعرض لمجالات كهرمغنطيسية دون المستويات التي تحددها الهيئات الدولية ، وذكر التقرير أن الجيل الخامس من تكنولوجيات الهواتف المتنقلة أكثر تطوراً من الأجيال السابقة ، فعلى سبيل المثال، فتحت أنظمة الجيل الرابع حقبة جديدة للإنترنت المتنقلة، إذ مكّنت الأعمال القائمة على التطبيقات مثل التعلم المتنقل، والصحة المتنقلة والمعاملات المالية المتنقلة .