نقرأ في سفر الأمثال: صلاح القلب حياة الأجساد, والحسد نخر للعظام (14:30), لماذا نسعد بنجاحنا وتفوقنا ونفتخر بمواهبنا, بينما نحزن ونتضايق من نجاح الآخرين والنعم التي منحها إياهم الله؟ ما السبب في اختلاف الشعور بين الحالتين؟ مما لا شك فيه أن العامل الرئيسي هو الحقد والحسد نحو الغير حتي تصل بنا الحالة إلي اختلاق العيوب والنقائص في جميع أعماله يحكي أن فنانا رسم لوحته وظن أنها الأجمل والأفضل علي الإطلاق بدون منافسة, فأراد أن يتحدي بها الجميع فوضعها في مكان عام وكتب عليها هذه العبارة: من يري عيبا أو خللا بسيطا فليضع علامة باللون الأحمر فوقها, ثم عاد في المساء فأصيب بصدمة عندما وجدها مشوهة تماما بإشارات حمراء تدل علي الخلل والعيوب هنا وهناك, مما جعل اللوحة الأصلية تختفي تماما فذهب إلي معلمه ليعلن له عن قراره في ترك فن الرسم لعدم كفاءته في هذا المجال فأخبره المعلم بأن يغير صيغة العبارة فقط مع الاحتفاظ بنفس المنظر فقام بإعادتها بالملامح ذاتها كما كانت من قبل دون أي تغيير وواضعا إياها في المكان ذاته, ووضع ألوانا وريشة وكتب تحتها هذه العبارة من رأي خللا أو عيبا فليمسك الريشة والألوان وليصلحه, فلم يقترب أحد من اللوحة حتي غروب الشمس, وتركها علي هذا الوضع لعدة أيام ولم ير أي علامة عليها فقال له المعلم: كثيرون الذين يرون العيوب والخلل في كل شيء, ولكن المصلحين قليلون.
هذا هو حال الضعفاء والحاقدين الذين يرون الأخطاء فقط في أعمال الغير أو يخترعونها, ولكنهم لا يقدمون الحلول, وما أكثر الذين يعشقون انتقاد الناس! إن الحقد داء خبيث ومن الصعب لحامله أن يشفي منه, فالإنسان الحاقد علي الغير هو شرير بطبعه يصنع السوء ويتباهي به, كما أنه يكره الخير والنجاح للغير, ويبذل كل ما في وسعه لمحاربته, خلاف ذلك لا يري في الحياة سوي ذاته وأفضاله والحاقد يشعر بسعادة بالغة عندما يري فشل الآخرين أو أن تحل عليهم مصيبة لتعصف بهم, وإذا رأي عيبا أو خللا في أعمالهم لا يريد إصلاحه, ولكنه يفضل فضحه وإعلانه أمام الجميع مثل هذا الإنسان يضع جمر نار علي رأسه, حتي أنه يقضي علي نفسه بهذا المرض اللعين, بينما الشخص الناضج والصالح والسوي, يعمل في ثقة ولا ترتجف يداه وهو يمسك بأداة محراثه, كما أنه لا يتطلع إلي الوراء ونجده صامدا أمام الصعوبات, ويضع أمام عينيه هدفا ساعيا بكل ما عنده لتحقيقه, وإذا لم يصل إليه, يكون راضيا قنوعا, لأنه بذل قصاري جهده لتحقيق مأربه, ومما لا شك فيه أن الأشخاص العظام والناضجين يتحلون بالاستقامة والنزاهة والتواضع أمام نجاح الغير, كما أنهم يتميزون بالمنافسة الشريفة والروح الرياضية, لا يتملكهم الحسد أو الضغينة لتفوق الآخرين.
من منا يسعي لمساعدة الغير في أعماله مشجعا إياه عندما تكون جميلة وناجحة, أو يبدي رأيه لتصحيح العيوب والأخطاء حتي تبدو أكثر جمالا؟ لتحقيق هذا, نحن بحاجة إلي نقاء النفس وصفاء الروح والتحلي بالروح الرياضية التي تقبل تفوق الغير علينا, فالمنافسة الشريفة تدفع صاحبها إلي الإعجاب بمن هو أفضل منه.
وتولد فيه الرغبة للاقتداء به والنجاح علي غراره وكما يقول الشاعر العربي: وتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم…
إن التشبه بالكرام فلاح والمقصود هنا المنافسة الصالحة, أي السعي إلي التشبه بالنفوس الكريمة, والتسابق معها في ميدان الخير والفضيلة والأخلاق, دون الوقوع في رذيلة الحسد والغيرة, فالمنافسة الشريفة والصالحة هي فضيلة النفوس النبيلة, والقلوب الصافية, والهمم الجبارة, في حين أن الحسد هو شعور بالنقص وداء عضال يعتري النفوس الضعيفة والهشة التي لا تحب الخير والنجاح للآخرين, وأمثال هؤلاء لا يجدون أمام فشلهم أفضل من البحث والتنقيب في حياة العظماء والناجحين عن مواطن الضعف والخلل ليجدوا فيها ما يعزيهم عن جهلهم وضعفهم وحقدهم إذا…
لا يوجد إنسان علي وجه الأرض خاليا من النقائص والعيوب, إلا من أعمته الكبرياء لأنه يتصور ذاته أفضل من جميع الناس, ويصل به الحال إلي إهمال وترك هذه العيوب التي تشوه معالم شخصيته, ويتغافل عنها حتي أنه يعوض ذلك بالكشف عن نقائص الغير, لأنه يتألم ويشعر بأذي عند رؤية الخير والنجاح في الناس, ويبدأ في فضح عيوبهم وترويج الأكاذيب عنهم.
ونختم بالقول المأثور: القيمة الحقيقية للإنسان ليست في إحساسه بنفسه بل في عطائه للناس.