من الممكن أن ينبهر الإنسان بشخصية لم يتقابل معها من قبل لمجرد معرفة القليل عن سيرتها ومواقفها وصفاتها، فمثلا لم نتقابل مع غاندى لكن نعجب جدا بشخصيته وربما نكن له كل إحترام وتقدير، وقد يصل الأمر عند البعض إلى محبة لشخصه برغم أنه انتقل من الحياة ولم يتقابلوا معه جسديا.
أما أن يرافق هذه المحبة، إيمان يصل إلى درجة اليقين الشديد بأنه لا انفصال حتى بالموت عن أشخاص تفصلنا عنهم أجيال، ونعيش معهم وكأننا عائلة واحدة، فهذا لا يحدث ولا يكون إلا فى شخص المسيح الحى المنتصر على الموت، إذ فيه تتلاقى أرواح المؤمنين المتغربين هنا على الأرض مع العابرين إلى السماء، وتتحد فى الجسد مع رأس الكنيسة الرب يسوع.
هكذا صارت “مريم العذراء” شخصية قريبة جدا من قلوبنا واسماً محبوباً لأفواهنا. فمعجزاتها المتجددة وظهوراتها ومحبتها لنا تكشف عن مدى قربها الشديد إلينا.
أما من ناحية سيرتها الشخصية فقصة حياتها وسلوكها وفضائل قداستها كانت بمثابة أيقونة مباركة، رأينا فيها عمل الله فى النفس البشرية المطيعة وكيف تصبح وبدون صخب أو ضجيج مثل حي ومن نفس جنسنا البشرى لجمال عمل الله فى الإنسان الذى قال عنه قديماً “نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا” (تك٢٦:١) “و رأى الله كل ما عمله فإذا هو حسن جدا” (تك٣١:١ ).
كيف لا نحب شخصية بارة كهذه، هي حَوَّت نور العالم فى احشائها، فإن كان موسى “جلد وجهه صار يلمع فى كلامه مع الله” (مز٢٩:٣٤ ) على جبل حوريب وأخذ لوحى الشريعة حتى أن بنى اسرائيل لم يستطيعوا أن ينظروا إلى وجهه، فكم وكم يكون إشراق العذراء التى ضمت فى احشائها المسيح النور الحقيقى الذى ينير لكل انسان فى العالم .
صحيح أن العذراء إنسانة تحت الآلام مثلنا مولودة بالخطية الجسدية، لكنها كانت آلة طيعة ومطيعة جداً لوصايا الرب، فانطبعت فيها نقاوة الفضيلة بكل أشكالها. فاستحقت ان يولد منها مخلص العالم الذى منحنا الحياة مرة أخرى فإن كانت أمنا الأصلية حواء ( أم كل حى) قد صارت والدة لبشر مائتين بالخطية فقد صارت العذراء مريم أم كل حى مولود بخلاص أبنها يسوع المسيح.
فيا أمى المحبوبة صلى لأجلي ولأجل كل خليقة ابنك الحبيب يسوع المسيح ربنا.