مزج فيرن الخيال بالتقدم العلمي والاختراعات فأبدع تنبؤات للمستقبل: يعتبر جول فيرن, الكاتب الفرنسي, الأب الحقيقي لما أصبحنا تسمية في العصر الحديث أدب الخيال العلمي. لقد كتب عددا كبيرا من الروايات استحوذت علي إعجاب الصغار والكبار, وهو ما جذب انتياه القرن التاسع عشر كله, فقد مزج الحيال بالتقدم العلمي والاختراعات.
نقرأه بعد تحقق كثير مما تخيله, وذلك للقيمة الأدبية المتميزة لأعماله:
وعدد كبير من الناس يعتبرون كتابات جول فير نبوءات للمستقبل, فقد تحقق بالفعل عدد كبير مما كتب عنه. لكن الغريب أن ملايين القراء يقرأون كتبه في أنحاء العالم حتي الآن بعد كل ما تحقق من اختراعات وتقدم في مجال العلم, ذلك لأن كتاباته في المقام الأول أعمال أدبية متميزة, كتبها أديب صاحب موهبة غير مسبوقة في مجاله. وأبرز دليل علي ذلك أن بعض شخصياته قد أصبحت لها حياة أوسع وأكبر كثيرا من الروايات التي تحدثت عنها, وعاشت في وجدان القراء كنماذج إنسانية لا تنسي مثل كابتن نيمو في رواية 0 ألف فرسخ تحت الماء. وهناك نقاد يرون أن الفيلسوف نيتشه عندما كتب كتابه المشهور هكذا قال زرادشت كان متأثرا بشخصية نيمو التي أبدعها خيال جول فيرن.
سبق تاريخ الاختراعات الفعلية بمدد تتراوح ما بين 20 إلي 100 سنة: لقد كتب سنة 1869 روايته 20 ألف فرسخ تحت الماء, فقدم أول تصور لمستقبل الغواصات وما يمكن أن تقوم به, وذلك قبل أختراع أول أجيال الغواصات الحديثة التي تسير بالطاقة الذرية سنة 1986, قبل ما يقرب من 150 عاما, كما كتب في سنة 1865 من الأرض إلي القمر التي تدور حول إطلاق كبسولة من مدفع عملاق بها رواد فضاء إلي مدار بالفضاء الخارجي, وكان ذلك قبل (100) سنة من تحقق هذا بالفعل, كما كتب عددا آخر من الأعمال الأدبية التي أصبحت من علامات أدب الخيال العلمي, مع أنه هو نفسه لم يطلق عليها هذا التعبير, والتي دارت حول أشياء تبدو ممكنة من الناحية العلمية لكنها لم تكن قد أخترعت بعد, لكنه كتب عنها كأنها موجودة بالفعل.
اصطلاح أدب الخيال العلمي: أما عن اصطلاح أدب الخيال العلمي فكان أول من استخدمه كاتب أسمه هوجو جرينسباك سنة 1920 وذلك بعد 60 سنة من نشر حول فيرن أول رواياته, وقال هذا الكاتب إنه يقصد بهذا التعبير الروايات الرومانسية المشوقة التي تمتزج بالحقائق العلمية والرؤية التنبؤية مثل روايات جول فيرن وهـ. ج. ويلز. إن حول فيرن عندما كتب أول رواياته خمسة أسابيع في بالون سنة 1863, لم يخطر علي ذهنه تعبير خيال علمي, بل أطلق عليها تعبير رحلات عجيبة أو رحلات غير عادية. كان عمره عندئذ 34 سنة, لكن بعد شهور من نشر هذه الرواية أصبح فيرن من أشهر المؤلفين علي مستوي العالم.
لم يقم بأية رحلات ولم يتخصص في دراسة العلم: والغريب أنه مع أن رواياته اتخذت شكل رحلات (رحلة إلي القمر ـ رحلة إلي مركز الأرض ـ رحلة حول العالم…), كما أعتمدت علي المادة العلمية, فإنه هو نفسه لم يقم بأية رحلات, فلم يكتسب أية خبرة عن طريق معايشة رحلات فعلية. كذلك فإنه لم يتلق أي تعليم علمي في صباح, ولك يقم بإجراء أية تجربة علمية في حياته, لكنه قضي معظم وقته منذ الخامسة صباح كل يوم, باحثا في دوائر المعارف عن المادة التي أعتمد عليها في رواياته.
أعتمد علي دوائر المعارف: سألوه: كيف استطعت أن تنجز كل هذا الذي أبدعته بغير دراسة للعلوم أيا كانت هذه الدراسة؟ أجاب: كان من حسن حظي أنني دخلت العالم في الوقت الذي أتيحت فيه قواميس ودوائر معارف عن كل شيء يمكن تخيله, كان علي فقط أن أفتح قاموسي باحثا عن الموضوع الذي أريد الوصول إلي معلومات عنه, هناك كنت أجد كل شيء, وطبعا كنت أتاقي خلال قراءاتي بعضا فقط من المعلومات, لأنه كان يوجد في ذاكرتي عدد كبير من المعارف العلمية كنت أمزجها معا للخروج بالأختراعات التي كتبت عنها في رواياتي.
طفولته ومقدمات أهتمامه بالعلم والأختراع: لقد بدأت مواهبه الفنية تظهر عندما شرع يسلي أصدقائه في مراهقته برسوم لـ آلات طائرة ومركبات يقول إنه أخترعها. لكنه عندما بدأ الكتابة لم يخطر علي ذهنه أن يحكي حكايات خيالية لما يمكن أن تقوم به هذه المركبات المتخيلة التي تصورها, بل أعتزم أن تدور أعماله حول موضوعات قال عنها إنها يجب أن تكون جدية, فحاول أن تبدو التفاصيل الدقيقة في رواياته واقعية وعملية.
وعندما كان منطق الرواية يتعارض مع ما وصل إليه العلم عندئذ, لم يستسلم فيرن لما كان معروفا أو مسلما به عندئذ, بل كان يستخدم خياله ليقدم تصوراته لتطورات مستقبلية جريئة, لكنها منطقية ومتفقة مع ما نسمية الآن أساليب التفكير العلمي.
ولهذا الموضوع بقية
يعقوب الشاروني
Email:[email protected]