يقول السيد المسيح: ما من أحد يستطيع أن يعمل لسيدين, لأنه إما أن يبغض أحدهما ويحب الآخر, وإما أن يلزم أحدهما ويزدري الآخر.
لا تستطيعون أن تعملوا لله وللمال (متي 6:24).
كم من ملايين البشر الذين يلهثون وراء سعادة مزيفة نتيجة تمسكهم ببريق المال والثروة بكل طمع طالبين المزيد؟ لماذا لا يدرك هؤلاء أن الثروة والمال والغني بهدف الشبع الذاتي فقط دون التفكير في الآخرين ومساعدتهم يورثهم الهم والغم والقلق؟ للأسف, أمثال هؤلاء يصبحون عبيدا للمال, ويكون همهم الأول البحث عن المزيد للتمتع ببريقه فقط, حتي أنهم يصيرون جشعين وشرهين وأنانيين وطماعين.
نستشف ذلك من القصة التي تروي أن رجلا بخيلا جدا أخفي الكنوز التي يمتلكها في حفرة عند جذع شجرة في حديقته, وكان يذهب كل أسبوع إلي ذلك المكان ويحمل الكنوز للخارج حتي يتمتع برؤيتها لعدة ساعات, ولسوء حظه جاء أحد اللصوص وسرق تعب وعرق السنين.
وعندما ذهب البخيل إلي نفس المكان ليتأمل كنوزه كالعادة, لم يجدها ولكنه رأي حفرة فارغة, فبدأ في الصراخ من شدة الصدمة, وعندما وصل إليه الجيران ليعرفوا سبب صراخه واستغاثته, تحققوا من الموقف, فطرح عليه أحدهم هذا السؤال: هل استعملت هذه الكنوز ولو مرة واحدة طوال حياتك الماضية؟ ـ أجاب البخيل: أبدا, لكنني كنت أكتفي بالمجيء هنا كل أسبوع لأتأملها فقط.
حسنا ما كان يقدمه لك الذهب لن يغير شيئا في حياتك, إذا تستطيع العودة أسبوعيا كعادتك لتتأمل الحفرة الخاوية وتكتفي بهذا.
ما أكثر المتعبدين للمال الذين يصل بهم الحال لبيع الدين بالدنيا, في سبيل الحصول عليه وجمعه والإكثار منه؟ وما أكثر الذين لا يشبعون من السعي وراء المال بهدف التمتع به لذاتهم فقط دون التفكير في المحتاجين ومساعدتهم؟ أمثال هؤلاء يفقدون طعم السعادة الحقيقية ومعني الحياة, لأن المال يغتصب منهم كل هذه النعم بعدما صاروا عبيدا له.
كما أن سبب البغض والحقد والحروب ينجم دائما عن حب التملك والأنانية, وينتج عنهما العنف والسرقة والإساءة للآخر, حتي أن الإنسان الذي يلهث وراء المال نتيجة طمعه فقط, لا يشبع أبدا ويطلب المزيد منه.
ولكن علي النقيض من هذا, هناك الإنسان الذي يريد الحصول علي المال ليستر حياته دون أن يصير عبدا له, ويتطلب منه هذا, إرادة صلبة وقناعة داخلية.
ولا ننسي أن المال يمنحنا مظاهر الأشياء فقط لا جوهرها, وكما يقول الكاتب والمخرج المسرحي النرويجي Henrik Ibsen: إن المال يمنحنا الطعام لا الشهية, والدواء لا الصحة, والمعارف لا لأصدقاء الأوفياء, والخدم المنتفعين لا المخلصين, والمرح لا السعادة.
لذلك يجب علي الأثرياء أن يدركوا بأنهم ليسوا أسيادا علي خيرات الله, ولكنهم وكلاء وموزعون هذه النعم, لأن كل ما يملكونه هو ملك لله وبركة منه, كما أن الله قادر علي حرمانهم منه إن كانوا قساة القلب مع المعوزين والمحتاجين.
بينما الله يرزقهم ويبارك فيما يمتلكون عندما يشفقون علي المحتاجين والفقراء لأنهم أخوة لهم.
لكن إن امتنعنا عن إطعام الفقير, سنكون سبب جوعه وشقائه, وعندما نتواني أو نتهاون في مساعدة المريض المحتاج, فنحن بذلك نشارك في موته, كما أننا سنكون سبب حزن الله علي ما نفعله من حرمان وتقصير في حق المحتاجين, لذلك يجب علينا ألا ننسي أن الفقير المحتاج والمريض العاجز واليتيم وغيرهم هم أخوة لنا, وخير دليل علي وجود الله في حياتنا, لأن كل ما نقوم به نحوهم من خير وإحسان, إنما نعمله لشخص الله ذاته, وسيكافئنا عن كل ما نقدمه للآخرين وسيعوضنا عن ذلك مئات الأضعاف, حتي وإن كان عمل الخير الذي نقوم به بسيطا ولا يكلفنا شيئا.
مما لا شك فيه أن الذين يحبون الله ويعيشون حسب وصاياه, يسعون دائما بكل ما لديهم من مال وطاقة ووقت لمساعدة المحتاجين, علاوة علي ذلك أنهم يفضلون عمل الخير علي رفاهيتهم الشخصية, لذلك نجد الأثرياء الذين يقومون بمساعدة الغير وسد احتياجاتهم, يكنزون لهم كنوزا لا مثيل لها في السماء.
طرحت إحدي المجلات هذا السؤال علي قرائها: ما هو المال؟ ووعدت بجائزة كبري لأفضل إجابة, وكان رد الفائز بالجائزة: المال هو تذكرة دولية تمكنك من الذهاب حيثما تشاء, إلا السماء, ويجعلك تحصل علي كل شيء إلا السعادة ونختتم حديثنا بالكلمات الرائعة للقديس أوغسطنيوس: ما تحتفظ به, أنت لا تربحه, بل تخسره.