الكنيسة الإنجيلية العربية في ليفربول/ سيدني
في دنيا الله الواسعة، السموات تحدث بمجد الله والفلك يخبر بعمل يديه وكل الخليقة تمجد الله وتعبده إلا الإنسان خاتم خليقته ورأسها وتاجها!! في دنيا الله الواسعة يصير الإنسان قزما كحشرة صغيرة لا حول له ولا قوة أمام هذا الكون الكبير الواسع مترامي الأطراف. في دنيا الله الواسعة نتغرب ونجري على لقمة العيش هنا وهناك حتى نأتي بأرزاقنا وأرزاق أولادنا وبناتنا وعائلاتنا وأسرنا وأنت يارب تهتم بالكل صغيرا كان أم كبيرا. في دنيا الله الواسعة نصطدم، نتعثّر، نتخبّط وتتقلّب بنا الأيام بين أعلى وأسفل بين أبيض وأسود، بين متوافقات ومتناقضات بين متناغمات ومتصادمات، وهذه هي الحياة وهكذا هي الأيام. في دنيا الله الواسعة نترك الله نبع الماء الحي ونذهب لصحراء قاحلة لا ظل فيها ولا ماء، ننقر لأنفسنا آبارًا آبارًا مشققة لا تضبط ماء ونهمل نبعًا صافيًا رقراقًا ينبع ماء حيا لحياة أبدية.
في دنيا الله الواسعة نظلم ونُظلم، نُخطىء ونُصيب، نفرح ونحزن، نضحك ونبكي وتمتلىء عيوننا دموعًا أحيانًا من هذا وأحيانا من ذاك لكن القافلة على كل حال تسير. في دنيا الله الواسعة تُفرض علينا أمورا لا نحبها ونوضع في محكّات ومفترقات طرق وأمام قرارات صعبة لنتخذها، نخطيء في بعض قراراتنا فنشقى ونندم وقد ندفع ثمنًا باهظًا لاختيارات خاطئة ونصيب في البعض الآخر فنسعد وهكذا يمضي بنا الحال والحكيم فينا هو من يتعلم من أخطائه فلا يكررها ولا يتجرع سمها من جديد. في دنيا الله الواسعة نتيه وتميد الدنيا كثيرا تحت أقدامنا لكن الرب يسندنا فنقوم ونستند عليه ونستمر في المسير من جديد. في دنيا الله الواسعة كثيرًا ما يختلط الحابل بالنابل ومن نظن أنه موسى نجده فرعونًا وكثيرون يبدون أحباء لكنهم سريعًا ما يطعنون ويبيعون ويشترون من أجل مصلحة أو منفعة.
في دنيا الله الواسعة نتفاءل ونتشاءم، نحلم ونسعى لتحقيق الأحلام، نكدُّ ونشقى علّنا نبلغ غاياتنا ونحقق أمانينا لكن الأيام لا تعطينا أكثر مما هو مقدّر لنا. في دنيا الله الواسعة نحب أناسًا ونخلص لهم فيقابلون محبتنا بعداوة أو فتور، ونخدم أناسًا بعيوننا فإذا بهم يتجرّأون علينا ويستحلّون ما لنا ويقبلون ما نقدمه لهم حبًا وطوعًا كأنه حق وواجب علينا فإن امتنعنا عن تقديمه أو عجزنا لسبب أو لآخر ينقلبون علينا لأنهم صاروا متبجحين!! في دنيا الله الواسعة نتعلّم الدروس الثمينة بطرق ووسائل متعددة، فنحن بالحب نتعلم وبالكُره نتعلم بالغالي نتعلّم و بالرخيص نتعلّم بالألم و الكسر والحزن والترك والفقدان كثيرا جدا ما نتعلّم!! في دنيا الله الواسعة نرى صورا مقلوبة و أوضاعًا مخزية ومخجلة لكنها موجودة من حولنا دوما ولا بد أن نتقبّلها شئنا أم أبينا، برضانا أو رُغما عنّا. فنرى المنافق والكاذب نجمه يعلو ويرتفع ويصل لأعلى المناصب ويتبوأ المكان والمكانة العظيمة، وهو يعظ الناس جميعا أن يتوبوا من دون أن يرمش له جفن مع أنه أكثر المحتاجين لأن يمارس ما يقوله وما يعمله، ونرى الأمين مهزوما مقهورا مكسورا حزينا ومهموما، فنُمصمص شفاهنا ونعبر، وهذه هي الحياة! في دنيا الله الواسعة ندين بعضنا بعضا ولا نغفر ولا نسامح ونتفنن في تسليط الضوء على القذى في عيون الآخرين غير عابئين بألواح خشب في عيوننا!! في دنيا الله الواسعة نبحث عن السعادة والراحة فإذا هي وقتيّة وزائفة، ونبحث عن الأمن والأمان والاستقرار والهدوء وراحة البال فكثيرا ما نجدهم جميعا قد انضموا حديثا لقائمة المُستحيلات من دون أن ندري!! في دنيا الله الواسعة نجري ونركض ونلهث من أجل رفاهية أو ثروة أو عزّ لكننا نكتشف أخيرا أن لقمة تسد جوع الإنسان لن تفرق كثيرا إن هيغُمست في صحن أبسط وجبة بسيطة في بيت فقير، عن إن قُدّمت بأغلى المآدب وأفخر المطاعم والمنتديات. فالشكل قد يفرق كثيرا لكن أخيرا الإنسان هو الإنسان، والجوع هو الجوع، كما أن الشبع هو هو الشبع في كل حال ومكان والنفس الشبعانة على أي حال تدوس العسل وللنفس الجائعة كل مرّ حلو. في دنيا الله الواسعة نزرع ما لا نتمنّى أن نحصده ونلوم القدر والأيام إن أعطونا حصادا من نفس صنف ما زرعناه مع أن قانون الزرع والحصاد هو قانون نافذ ومنطقي وعادل في كل زمان ومكان ولا بد للإنسان أن يجني حصاد ما سبق له ان زرعه، فما سمعنا أبدا ولن نسمع أن أحدا قد اجتنى من الشوك تينا أو من الحسك عنبا؟!! في دنيا الله الواسعة أحوالنا غريبة، أمزجتنا متقلبة، ظروفنا صعبة، لكننا رغم هذا كله لا نعمل كي نسهل الحياة لغيرنا أو لأنفسنا بأي شكل من الأشكال بل ربما نحن بأنانيتنا وقصر نظرنا نعمل العكس، فنصعبها على الناس و نقسو عليهم وهم يعملون ذلك نفسه معنا بالمثل من دون أن نتوقف ونسأل لماذا هذا كله ونصلح هذا العبث أو نوقفه!! في دنيا الله الواسعة حين نولد صغارا نكون بسطاء أنقياء طاهرين شفّافين قلوبنا لا تحمل إثما ولا تعرف غضبا أو كرامة أو حسدا أو خصاما! لكننا عندما نكبر فإننا نرجع إلى الخلف فتفقد حياتها بساطتها ونقاوتها وشفافيتها وصفاءها! في دنيا الله الواسعة يعطينا الله أوقاتا طويلة وبركات لا حصر لها من صحة ومال وعمر وعلاقات، لكنّنا نبتكر طرقا عديدة لإهدار الوقت وفقدان المال واستنزاف الصحة وانهيار العلاقات، ثم نندم أخيرا على ما فقدناه و أضعناه بيدنا لا بيد غيرنا لكن الندم لا ينفع وقت العدم وما راح لا يمكن إعادته من جديد، ومع ذلك نحن لا نتعلّم الدروس!! في دنيا الله الواسعة نحن لا نكون قُدوة لأولادنا، فنحنُ نعلم أولادنا قيما ومبادىء ومُثُلا سامية لكنهم يًصدمون إذ يجدوننا لا نعيش وفقها ولا نعرف عنها إلا ترديدها شفاها! فنحن مثلا نضغط عليهم ليكونوا متفوقين بينما نحن لم نكُن ولم نهتم أو نعطي اعتبارا لذلك حين كان آباؤنا يعملون معنا نفس هذا الأمر! ونحن نريد أن نقهرأولادنا لنحقق فيهم ما عجزنا نحن عن تحقيقه بحياتنا لنفتخر نحن بذلك بالدرجة الأولى أكثر من كوننا نهتم بمصلحتهم! في دنيا الله الواسعة تحيط بنا المخاوف والهواجس من كل جانب، من جهة الصحة والمرض، من جهة الحياة والموت، من ماض تعوّج منا ولا سبيل لنا لإصلاحه لمستقبل مجهول ينتظرنا وغد أفضلنتمناه لأولادنا، لكننا بكل الأحوال صغار قصار عن إدارة الأمور لذا تجدنا دوما نخاف من المجهول فنكون كريشة تتلقّفها الرياح فتقذفها بكل اتجاه تارة هنا وتارة هناك وترسلها كيفما تشاء. في دنيا الله الواسعة نطرق أبوابا عتيدة عنيدة طالبين العون والمساعدة، ونهمل باب السماء المفتوح دوما أمامنا من دون مقابل. في دنيا الله الواسعة نعيش أيامنا ونقضي عمرنا الذي يطير طيرانا باستسلام وخنوع وقيود ومتاعب من دون أي ردّة فعل منّا إلا الاستسلام! في دنيا الله الواسعة نتحدث كثيرا عن الحرية وروعتها لكننا نحيا دوما حياة العبودية للجسد وللعالم وللناس وللخطية!! في دنيا الله الواسعة لم نتعلم مهارة الإيمان وروعة الثقة والاتكال على إله قدير، تلك المهارة التي لو كنا تعلمناها لعشنا حياتنا في هدوء وطمأنينة واتكال وسلام وثقة. في دنيا الله الواسعة نقطع على أنفسنا عهودا ووعودا ونذورا تجاه الله وتجاه أنفسنا والآخرين، لكننا لا نوفيها ولا نتممها. في دنيا الله الواسعة نعيش ونحيا كأن لا إله لنا وكأن لا أبديّة تنتظرنا فتجدنا مشغولين مشمولين مغموسين في الأرضيات والجسديات والحاليات، وتغيب عنا روائع السماويات والروحانيات والأبديات!! في دنيا الله الواسعة نولد وطولنا نصف متر ونموت وطولنا مترا ونصف أو اثنين وما بين نصف ومتر ونصف تدور الحياة بكل تحدياتها ومتاعبها ومصاعبها، نأتي للدنيا فارغين ونتركها فارغين، نأتي لها اعتماديين متكلين على الآخرين ضعفاء ونتركها بمثل ذلك الحال وما أثمن الدروس هنا لنتعلّمها إن كنا حكماء!!
في دنيا الله الواسعة لو أننا أدركنا حقا أنها دنيا الله، هو الذي خلقها فأبدعها وهو الذي كوّننا فأحسن صنعنا، لو أدركنا ذلك فأعطيناه حقّه فينا وسلّمنا له القلب والفكر والجسد والحياة وكل الكيان، لو فعلنا ذلك لتذوقنا طعم حياة من أجمل ما يكون، لجفت دموعنا سريعا وامتلأت قلوبنا بالثقة واليقين والرجاء. لهانت علينا الأرض بأمراضها وأسقامها وآلامها ومتاعبها، وتطلعنا لأبدية تنتظرنا بملء الفرح واليقين والبهجة.
في دنياك الواسعة يا الله أبانا المتعالي ساعدنا يارب حتىنرفعك ونسبحك ونمجدك ونعلّيك ونعطيك كل المجد والكرامة إلى الأبد لأنك وحدك مستحق. آمين