وسط حرارة الشمس ولهيب فصل الصيف، وعلى بعد بضع كيلومترات شمال مدينة أسوان، تقع قرية الأعقاب التي تحتضن واحدة من أهم الصناعات المعمارية على أطراف صحراء أسوان القاحلة، وهي صناعة تقطيع وتصنيع الحجارة، التي أبدع فيها القدماء المصريين عبر آلاف السنين، بعد أن شكلوا خلالها أساسًا للعمارة المصرية القديمة التي احتضنتها معابدهم وتماثيلهم العملاقة الشاهدة على عظمة المعماري المصري القديم، ومع تعاقب السنوات لا يزال نحاتو الحجر في أسوان يخزنون حتى اليوم أنماط الزخرفة والنحت والنقش المستمدة من الحضارة المصرية القديمة.
عمال النحت أو عمال المناشير كما يحب أن يطلق عليهم، واجهتم عقبة كبيرة على طريق عملهم، بعد أن توعدهم المسئولين بالقرارات والإجراءات الروتينية التي عطلت العمل وحولت المنطقة التي يتكسبوها فيها أرزاقهم إلى سراب، بعد أن كان حلمهم إنشاء مدينة صناعية تحمل هذا الفن الأصيل والذي يصدر للعالم من هذه البقعة الساحرة جنوب مصر.
في البداية يقول عادل جمعة إبراهيم (57) عامًا أحد أصحاب المناشير في الظهير الجبلي لقرية الاعقاب، أن قرية الأعقاب تعد من أشهر القرى المصرية إنتاجًا و تصنيعًا للحجر الأسواني الأصيل، أو الحجر الفرعوني، والذي دخل منذ آلاف السنين في صناعة المعابد والتلال والتماثيل الفرعونية الشهيرة، كما تم تصديره لأوربا لإقامة مبانيها الشاهدة على حضارتها الآن.
وأضاف أن عمال المناشير أو عمال المحاجر بتلك المنطقة عانوا الفترات الماضية من ضيق الحال ومحاصرة الروتين والبيروقراطية الحكومية الكبيرة أرزاقنا، تاره أن الأراضي التي نعمل بها تابعة للدولة ويجب تقنين أوضاعها، وتاره أن استخدام المرافق والخدمات لابد أن تكون على نفقة أصحاب وعمال المحاجر، فى حين تم محاصرتنا لتطفيشنا، ولم يقدموا لنا الحل أو البديل، وكأن هؤلاء المسئولين يسيرون عكس اتجاه وخطط الدولة وما ينادي به الرئيس السيسي نحو الاهتمام بالصناعات الصغيرة التي هي أساس و عصب التنمية في مصر.
وأكد أن لديه 11 من الأولاد وأن أكل عيشهم جميعًا ومهنتهم هي شغلانة المناشير، وأننا خرجنا للحياة لا نمتلك غير الأحجار ، يا بنكسرها أو نبيعها “دبش” يا نصنعها ونعمل منها الحجر الفرعوني، والذي يتم تصديره لكل مكان في مصر والوطن العربي، وبعد أن عمرنا الأرض وقمنا بتسويتها وسط الجبال واصبح المكان جاهز للشغل قالوا لنا الكهرباء دي مش بتاعتكم وهاتوا محول خاص. وبعد لما جبنا محول على حسابنا بنص مليون جنيه وابتدينا نشتغل، بدأوا وضع العراقيل أن الأرض المقام عليها المحجر غير مقننة، كما تم فصل الكهرباء عنا وغيرها من المشاكل التي واجهتنا.
ويكمل ح . ه . أ عامل مناشير بمحاجر الأعقاب، أننا واجهنا تعنت كبير من رئيس قرية الأعقاب آنذاك، بعد أن قدم لنا قائمة من الطلبات لاستكمال العمل، من بينها طلب توصيل تيار كهربائي، وسداد رسوم للدولة عن كل عامل، فضلًا عن عدد من الطلبات التي أرهقتنا وتسببت في وقف العمل، بعد أن قمنا باللف على مكاتب الوحدة المحلية وديوان محافظة أسوان كعب داير على حد تعبيره، وفي النهاية وأمام العنت الشديد والبيروقراطية تم وقف العمل في المحاجر على الرغم أن المنشار الواحد بياكل 1000 واحد من عامل تقطيع الحجارة وسائقين النقل و الصنيعينة في التركيب وغيرهم.
وطالب بإطلاق يد العمال للعمل مجددا رأفة و حماية لأرزاق الناس، وتوفير فرص عمل حقيقية، مناشدًا السيد رئيس الجمهورية ومحافظ أسوان والمسئولين في الدولة برعاية وحماية هذه الصناعة التاريخية جنوب أسوان، من خلال إنشاء مدينة حرفية للمحاجر بجوار قرية الهلال الأحمر شمال أسوان، على غرار مدينة الموبيليات في دمياط ومدن التعدين والذهب والمدن الصناعية الحرفية الكبرى في مصر.
وأكد أن جميع المناشير حاصلة على ترخيص من القوات المسلحة للعمل، وأننا نعمل في قلب الجبل بما يعني أننا لا نتعدى على أرض زراعية أو مدارس أو أي منشأة حكومية، وأن كل ما نطلبه إطلاق أيدينا للعمل بعد توقف أرزاقنا طوال الفترة الماضية، واستيعاب الشباب الذين يبحثون عن فرص العمل وتقنين أوضاع العاملين الحاليين في مهنة صناعة الحجر الفرعوني ومد توصيل المرافق لموقع العمل.