أنطون سيدهم .. ومشوار وطني
أنطون سيدهم .. والقضايا الاقتصادية
** تحظي المشكلة الاقتصادية بأكبر قدر من اهتمام الحكومة.. ومن أجل مواجهة هذه المشكلة ورفع المعاناة عن الجماهير فإن ثمة دراسات وقرارات مالية واقتصادية مهمة بصدد الصدور لتصحيح المسار الاقتصادي وزيادة الموارد المالية.
والنظام الضريبي يشكل ركنا أساسيا في خطة الحكومة وهي تعالج المشكلات المزمنة.. ومن هنا يتعين علينا أن نوضح بعض الأمور فيما يتعلق بالمسألة الضريبية التي تشد كل الاهتمام سواء علي المستوي الحكومي أو الشعبي.
* إن أول ما ينظر إليه الاقتصاديون ورجال التشريع عند فرض الضرائب علي المواطنين هو ضمان العدل الاجتماعي قبل أي اعتبار آخر.. العدل قبل النظر في حصيلة الضرائب التي هي إحدي وسائل تمويل الخزانة العامة.. ولذلك كانت الدراسة لأحوال الطبقات الكادحة واحتياجاتها وأعبائها من أهم المداخل التي تحدد أسس فرض الضريبة.
* لقد نظر المشرع دائما إلي تحديد القدر الذي يكفي من دخل الفرد ليحقق به حياة كريمة مطمئنة, وإعفاء هذا القدر من الضريبة وهو ما يطلق عليه في العرف الضريبي بحد الإعفاء, وما يزيد عن هذا الدخل يخضع للضريبة. وتاريخ فرض ضريبة الدخل في مصر بعد إلغاء الامتيازات الأجنبية يوضح لنا اهتمام الحكومة حينئذ بتحديد حد إعفاء معقول يعطي للمواطنين الكادحين القدرة علي الحياة دون إرهاق أو إجحاف في المستوي المتوسط المعقول.
وقد نص القانون رقم 14 لعام 1939 علي أن يكون حد الإعفاء السنوي كالآتي:
100 جنيه للأعزب
120 جنيها للمتزوج ولا يعول أولادا
150 جنيها للمتزول ويعول أولادا
واعتبر المشرع أن القوة الشرائية لهذه المبالغ تمكن المواطن من تحقيق حياة تتسم بالمقدرة علي أن يعيش في استقرار معيشي ملبيا حاجاته لا يخضع لذل سؤال أو ضغط حرمان.
* واليوم إذا تطرقنا إلي دراسة أسعار الحاجيات الضرورية لحياة المواطن بالنسبة لأسعار 1938 لوجدنا الآتي:
ارتفع سعر كيلو اللحم من خمسة قروش إلي مائة وستين قرشا, وارتفعت أسعار الخضروات والفواكه أضعافا مضاعفة وارتفع سعر رسل المسلي البلدي من قرشين ونصف قرش إلي ستين قرشا.
وارتفع سعر البدلة الصوف من جنيهين إلي أكثر من 40 جنيها وبنفس النسبة كان ارتفاع أسعار الملابس.
وهكذا بالنسبة لأسعار لوازم المعيشة الأخري بحيث زادت نسب الزيادة بقدر يبدأ من 20 إلي 40 ضعفا بالنسبة لأسعار عام 1938.
فإذا أخذنا الزيادة الأقل وهي زيادة الأسعار بقدر عشرين مرة لكان من الواجب أن يرتفع حد الإعفاء بنفس القدر فيصبح كالآتي:
2000 جنيه للأعزب
2400 جنيه للمتزوج ولا يعول أولادا
3000 جنيه للمتزوج ويعول أولادا
أما حد الإعفاء الحالي فهو كالآتي:
200 جنيه للأعزب
240 جنيها للمتزوج ولا يعول أولادا
260 جنيها للمتزوج ويعول أولادا
* هذه هي لغة الأرقام.. وهي في غني عن كل تعليق أو تفسير.. فهل تحقق هذه الأرقام من الإعفاء حتي الحد الأدني من الحياة؟..
إنه من الظلم أن تقوم الدولة بتحصيل ضرائب من المواطنين الذين يزيد دخلهم عن هذه النسب الضئيلة المقررة للإعفاء.
وكيف نطالب الموظف الذي أصبحت الحياة بالنسبة له عبئا ثقيلا مضنيا بضرائب باهظة عن دخله الذي مهما ارتفع فإنه لن يلاحق بحال من الأحوال غلاء رهيبا يجثم علي الصدور ويقتل الطموح ويزرع الحقد وحتي كراهية الحياة!!
إن أبسط قواعد العدل الاجتماعي هو توزيع الأعباء حسب الدخول والأرباح.. ومما لاشك فيه أن هناك فئات تمكنت من تحقيق تراكمات مالية غير معقولة, ومازالت بعيدة عن مساءلة القانون.. وحساب حق الدولة فيما كدست وكومت من ثروات.. هنا يجب وبكل الحزم أن تنال الدولة حقها.. إذ ليس من العدل في شيء أن نفرض ضرائب علي من يقل دخله عن ألفين من الجنيهات في العام ذلك الدخل الذي لا يحتمل أية أعباء.. بينما تستطيع الخزانة أن تنمي مواردها ممن يمارسون تجارة الاستيراد والتصدير وتجارة الجملة والسيارات والمضاربات علي العقارات وأراضي البناء و… و… إلخ.
وفي نفس الوقت تستطيع الدولة ترشيد الاستثمار ودفع خطة التنمية في غير ضغط أو تدخل يعيق حرية النشاط الفردي من المساهمة في رفع المستوي الاقتصادي القومي.
** وبعد.. إن الجماهير الكادحة تتطلع أن تكون نظرة الحكومة إلي معاناتها نظرة موضوعية ترفع عن كاهلها معاناتها التي طالت.. وأن تتحول المشروعات والتصريحات إلي واقع فعلي ملموس.. أما أن يأتي التعديل الجديد المقترح ليحدد الإعفاء السنوي بالمبالغ الآتية:
160 جنيها للأعزب
240 جنيها للمتزوج ولا يعول أولادا
500 جنيها للمتزوج ويعول أولادا
فهو تعديل لا يتسم بالعدل والإنصاف.. ولا يساهم بحال في رفع الهموم عن الصدور.. ولا يحقق شيئا من الأمل المنشود.