ندين بأشد العبارات قرار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تحويل متحف آيا صوفيا التي كانت كنيسة إلى مسجد مرة أخرى بعد حكم من المحكمة الإدارية العليا الذي كان متوقعًا لأنه كان يحظى بدعم أردوغان وأنصاره.
إن هذا القرار اعتداء على الحريّة الدينيّة وخارج سياق العيش المشترك، وفيه استفزاز للعالم المتحضر، ومناف للتاريخ الذي يعترف بالقيمة الفريدة والتاريخية لهذا المعلم الأثري العالَمِي، والقرار أيضًا غير قانوني لأنه ينتهك قرار اليونسكو الذي أعلن آيا صوفيا موقعاً للتراث العالمي وهذا الأمر له طابع إلزامي، كما أن القرار مخالف لاتفاقية اليونسكو التي وقعت عليها تركيا عام ١٩٧٢م ومن ثم فهي ملزمة بالتقيد بها ، وفي حالة تغيير وضع آيا صوفيا يفترض مسبقاً صدور قرار من اللجنة الحكومية الدولية لليونسكو بذلك وهذا لم يحدث.
فقد سبق لمنظمة اليونسكو أن حذّرت تركيا من تحويل آيا صوفيا إلى مسجد، وعدم اتخاذ أي تدابير يمكن أن تؤثر على الدخول إلى الموقع، أو هيكل المباني أو إدارتها.
جدير بالذكر أن آيا صوفيا تحفة معمارية شيدها البيزنطيون في القرن السادس الميلادي ككنيسة وكان لآيا صوفيا شأن كبير في الإمبراطوريتين البيزنطية المسيحية وكانوا يتوجون أباطرتهم فيها.
وبعد استيلاء العثمانيين على القسطنطينية في 1453م، تم تحويلها إلى مسجد في نفس العام ، ثم إلى متحف في 1934م بقرار من رئيس الجمهورية التركية حينذاك مصطفى كمال أتاتورك.
ثم حولها أردوغان في ١٠ / ٧ / ٢٠٢٠ إلى مسجد لأنه يراوده حلم الخلافة العثمانية، ويعيد بلاده ستة قرون إلى الوراء، ويسعى إلى صرف النظر عن الإخفاقات الاقتصادية في البلاد، وتصوير هذا القرار أنه بمثابة إنجاز لكسب مؤيدين له بعد تراجع شعبيته، وفي الحقيقة ما قام به أردوغان دعوة للفرقة بين الشرق والغرب و جريمة تضاف إلى جرائمه المتعددة، وسوف يدفع ثمن ذلك.
إن آيا صوفيا ليست غنيمة أردوغان، إنها ملك للبشرية جمعاء.
في تقديري الشخصي أن هذا القرار له تداعيات خطيرة وبداية النهاية لحكم الرئيس أردوغان الّذي لن يبقي طويلاً في السلطة وسيسقط قربيًا و سيثور الشعب التركي عليه نتيجة سياساته الخاطئة ونظامه الديكتاتوري، ناهيك عن تردي الأوضاع المعيشة وازدياد معدلات البطالة والتضخم وانخفاض العملة لمستويات غير مسبوقة، وسينتصر أحفاد أتاتورك عليّ أردوغان وسيذهب لمستودع التاريخ، وإن غداً لناظره قريب.
ونحن على يقين أن آيا صوفيا ستعود لما كانت عليه في السابق ككنيسة لأنها بٌنيت أصلاً ككاتدرائية مسيحية في إسطنبول، ونثق أن أبواب الجحيم لن تقوى عليها.
وعلى المجتمع الدولي الاضطلاع بمسؤولياته ومطالبة تركيا عدم المساس بوضع آيا صوفيا وعدم إدخال أي تعديل عليها من شأنه الإضرار بقيمتها العالميّة الاستثنائية.
كما يجب فرض عقوبات اقتصادية على تركيا لحين التراجع عن هذا القرار المعيب .