أنطون سيدهم .. والسياسة الداخلية
** وطني: ما أشبه اليوم بالبارحة
تاريخ النشر:1975/12/7
** النقاش مازال حاميا حول المنابر.. والآراء تدور في حلقة مفرغة حول ماهيتها.. شكلها.. شروط عضويتها.. هذا فضلا عن مبادئها وبرامجها.. ويشط الخيال بالبعض فلا يشغله من هذا الموضوع الجاد سوي التساؤل الساذج.. أين يكون مقرها؟!.. هل في قاعات وغرف الاتحاد الاشتراكي؟.. أم في خارجه؟
وجماهير شعبنا -وهذا هو موضوعها- تطرح أسئلة عديدة, وتجتهد في الإجابة عنها, وتختلف الاجتهادات والتفسيرات والتصورات.. ولا تسفر المناقشات عن تصور محدد لما يمكن أن تكون عليه المنابر.. وتطول الحيرة.. ويستمر التساؤل.. ولا من خطوط واضحة محددة فيما يثار تهدي الرأي العام إلي اتخاذ الطريق السليم نحو غاية محددة مطلوبة- في المرحلة الراهنة- هي تأصيل الديمقراطية وممارستها ممارسة فعالة حقيقية, والمشاركة في صنع القرارات التي هي حاجة الجماهير ونبضها ومصلحتها, ومن ثم الحرص والعمل من أجل ضمان فعاليتها.
* لقد ارتضي الشعب نظم تحالف قوي الشعب العاملة إطارا لحياته السياسية في المرحلة الراهنة.. ويقول الرئيس السادات إننا أحوج ما نكون لهذا التحالف والتجمع الذي يمثل عناصر المجتمع.. ومن هنا كان استبعاد فكرة تكوين الأحزاب وفكرة الحزب الواحد أو الرأي الواحد الذي فرض وصايته علي الجماهير ويحرم الشعب من ممارسة حريته السياسية.
الأمر هنا واضح.. الاتحاد الاشتراكي هو إطار التحالف للوحدة الوطنية, تعبر من خلاله عن مصالحها وآرائها, وهي ليست بالضرورة متطابقة.. ولابد للآراء المتباينة ووجهات النظر المختلفة أن تبرز, وأن توفر لها الضمانات لتعبر عن معارضتها.. ومن خلال الحوار البناء الموضوعي تتبلور الاتجاهات, وفي ممارسة ديمقراطية تتخذ القرارات التي تحصل علي غالبية الآراء.. ومن هنا كانت الحاجة إلي وجود المنابر.
* وهنا.. لابد من توضيح فكرة المنبر.. هل يعني المنبر حقا أنه الرأي الآخر أو الرأي المعارض؟.. إن الأمين الأول للاتحاد الاشتراكي العربي د.رفعت المحجوب يقول: إن المضمون الحقيقي لفكرة المنابر يتمثل في إيجاد الرأي المعارض.. أي في إيجاد المعارضة المنظمة داخل التنظيم السياسي.. ولنا أ نتساءل بعد هذا التعريف لمفهوم المنابر.. إذا كان المنبر هو الرأي املعارض.. فهل معني هذا أن كل المنابر لابد أن تكون معارضة؟.. وبالتالي هل تعلن في برامجها التي تسبق تشكيلها أوجه معارضتها؟.. ثم.. هل ستظل تعارض علي طول الخط حتي في المواقف التي لا تدعو إطلاقا إلي المعارضة؟!.. ثم تعارض ماذا؟!.. أتعارض فلسفة التنظيم السياسيي والخط العام له, وهو أساس قيام التحالف؟.. إن المنابر داخل الاتحاد الاشتراكي ملتزمة بفلسفته ومبادئه.. إذن المعارضة ستنصب علي التطبيق.. لنفترض هذا.. ألا يصح أ يتخذ منبر معين موقفا معارضا في أمر من الأمور ويعترض عليه.. ثم يتغير هذا الموقف إلي تأييد في موقف آخر..؟!
* إن البرامج التي أعلنتها المنابر في هوجة تكوين المنابر لا توحي أن هناك رأيا معارضا للخط العام, بل كلها تتفق مع الميثاق ومبادئ ثورة 15 مايو.. لقد تصور البعض أن المنابر.. هكذا.. ببساطة.. شعارات مكررة وإكليشيهات بالية.. وعبارات طنانة.. وسباق نحو الأضواء والزعامات.. حتي بلغ عدد أكثر من ثلاثين منبرا!!.. وقابل الشعب هذا الاندفاع بفتور وصل أحيانا إلي درجة السخرية, فليس هذا هو الهدف من المنابر.. المنابر التي يجب أن تنطلق بالتنظيم السياسي إلي آفاق جديدة من البناء والتقدم من خلال الحوار البناء.. والمناقشات الجادة.. والفكر الخلاق.. والممارسة الديمقراطية.. والمعارضة التي لا تبتغي سوي وجه الله والوطن والمواطنين..
* بقيت كلمة.. أننا لسنا مع الرأي الذي يقول إن المنابر تمثل الأقلية.. لأنه إذا كان الأمر هكذا -مسبقا- فلا معني أبدا لقيام منابر.. وليس من أجل هذا أراد الرئيس تطوير الاتحاد الاشتراكي ودعا إلي الحوار.. وتوفير الحرية.. وإتاحة الفرص للديمقراطية..
إن السيد أنور السادات -وببساطة- كما أعلن, يريد للقوي الوطنية المتحالفة داخل التنظيم, وهي تعبر عن مجموع الشعب.. يريد لها أن تعبر عن آرائها بحيث تتضح الاتجاهات التي تحظي بتأييد الأغلبية التي يجب أن تتبناها الدولة.
أما أن تقوم منابر تمثل مصالح معينة.. وآراء محددة مسبقة -معارضة- ويتعالي الصياح.. وتتضارب الاتجاهات.. وربما توجه الاتهامات والتجريحات.. فهذا مناقض تماما أولا لفلسفة التحالف.. ثم لأهداف تكوين المنابر.. وهي تثبيت الديمقراطية وممارستها.. وإطلاق الحريات لتعبر جميع الآراء في جو صحي عما يريده الشعب.. وما يعانيه الشعب.. وما يتطلع إليه الشعب الذي قاسي كثيرا.. ويهفو إلي كلما يعيد إليه ثقته بنفسه.. واحترامه لذاته.. ويؤكد إنسانيته.