إن قضية التحول الجنسي واحدة من القضايا الشائكة التي لا زال عليها الكثير جدًا من اللغط وعدم القبول المجتمعي ولا سيما في مجتمعنا العربي .
وقد كشف الستار عن هذه القضية بشكل جرئ بعد تصريحات الفنان هشام سليم وابنه خلال الفترة الماضية والتي نالت الكثير جدًا من الهجوم وبعض الدعم على مضض لشجاعة إعلان موقفها، وعليه فإنه بات من الضروري أن نوضح وفقًا لرأي المختصين والمعنيين بالأمر ما هو العبور الجنسي والمراحل التي يمر بها الشخص حتى يتمكن من تحديد هويته الجنسية وموقف الدين والطب من هذه القضية.
“المجتمع لا يرحم”
صرحت المتحولة جنسيا “ل.ج” رافضة ذكر اسمها بأن قصتها بدأت منذ فترة قائلة: “لم أشعر على الإطلاق بأنني أنتمي للجنس الذي من المفترض أنني عليه، ولم أكن على دراية كافية بالأمر ولا ماذا يمكنني أن أفعل تجاه ما أنا عليه، فكونك مضطرب الهوية الجنسية يجعلك تشعر طوال الوقت أنك حبيس جسد غريب عنك يكبت مشاعرك وأحلامك ورؤيتك نحو مستقبلك مبهمة وليس لديك القدرة على تحديد أية ملامح لمستقبلك وحياتك القادمة، ولأننا بطبيعة الحال نحيا في مجتمع ذكوري فإن مجرد التفكير في أن رجل يتحول جنسيًا ليصبح إمرأة هو أمر مرفوض كليًا وكأنك اخترت أن تهوى بنفسك لمنزلة أدني، فكنت اسمع عبارات مثل : كيف تتخلى عن ذكورتك لتصبح سيدة، ويا واد يا بت، إلى جانب الكثير جدًا من العبارات المسيئة والمؤذية والخادشة التي تحط من المرأة وتحط مني وتنهاني عن فكرة عبورى او تحولي ، فالمجتمع لا زال في منطقة بعيدة كليًا عن فهم التحول الجنسي ولا زال يتعامل معهم على أنهم فاسدون وأن الله غير راض عنهم وما يفعلونه حرام وكفر وجريمة وتمرد على الطبيعة التي خلقنا الله عليها، كما أنهم يساوون ويضعوننا في نفس المرتبة مع المثليين وهو أمر مرفوض كليًا، نحن فئة ملفوظة مجتمعية ويعسر علينا جدًا أن ننال حقوقنا في بلادنا العربية بالتحديد، حتى أن أكثرنا لا يتحمل هذا الرفض المجتمعي والأسري فينعزل أو يهاجر ليكون مجتمعاً جديدًا بعيدًا عن وطنه ومنشأه علّه يجد من يقبله، وللاسف عدد ليس بقليل من المتحولين جنسيًا ينتحر ليتخلص من الاكتئاب والرفض والتنمر الذي يتعرض له.
فيما أشارت “ل.ج” إلى أنها قامت بإجراء عدة عمليات جراحية بعد استشارة الأزهر وتحويلها إلى مجمع البحوث الاسلامية ثم للجنة الفقهية بهيئة كبار العلماء للإطلاع على حالتها واصدار تقارير واضحة بحالتها الجسدية والنفسية قبل البدء بالعمليات اللازمة وابلاغ نقابة الاطباء المعنيين بالأمر،حتى يتم إدراج الحالة.
مضيفة إلى أنها تعيش الآن في جسد أنثى تتبدل تدريجيًا حتى تصل إلى النضوج الأنثوي المتكامل بأخذ جرعات من العلاج الهرموني لمساعدتها في اكتمال مراحل العبور، إلا أن اسرتها رفضت كليًا ما آلت إليه الأمور اليوم وأنها تعيش بشكل مستقل عن اسرتها التي عانت من رفضهم وتعنيفهم الجسدي واللفظي وطردهم لها، فعلى حسب قولها أنهم لم يستوعبوا على الإطلاق ما تحياه من مشاعر مختلطة واضطراب في هويتها ويرون ما فعلت تمرد على إرادة الله لحياتي، وهو الأمر ذاته الذي لا زالت تعانيه في تعاملها مع المجتمع الذي يرفض تحولها الجنسي ويستنكر ما فعلته حتى أن الجيران يرتابون من وجودها وسطهم ويخشون التعامل وابنائهم معها وهو الأمر الذي يجعلها تبدل مكان سكنها طوال الوقت لتجنب ما تتعرض له، حتى أن صفحاتها الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي مليئة بالتنمر وبالكلمات القاسية جدًا وبالتكفير لها.
فيما أنهت كلامها بأنه وللاسف هذه العملية في بلاد أخرى اسهل كثيرًا جدًا ومقبولة مجتمعيًا، وأما فيما يتعلق باستخراج أوراق رسمية جديدة باسمي وصفتي الجديدين فالأمر ليس بالسهولة، فلا بد من توقيع الكشف الطبي على من قبل الطب الشرعي وضرورة اتمام العمليات الجراحية اللازمة والتأهيل النفسي المطلوب حتى أتمكن من الحصول على شهادة طبية واضحة بالأمر برمته وبعدها يقر الطب الشرعي إذ كان الأمر ناجحًا أم لا، وهو الأمر الذي يمتد لسنوات طويلة حتى اتمكن من اثبات وجودي مجتمعيًا، وهو أمر قاسِ جدًا ويجعل من العسير جدًا علينا التعامل مع المصالح الحكومية والبنوك وغيرها.
“الحالات المسجلة في مصر لا تزيد عن 200 حالة”
فيما صرح “لوطني” استاذ دكتور وليد أبو السعود بكلية الطب جامعة الأزهر قائلًا: كان سابقًا يصنف إضطراب الهوية الجنسية تصنيفًا نفسيًا حتى أزيل من قائمة الأمراض العقلية والنفسية، إلا أن جميع المصادر قديمًا وحديثًا تقر أن أسبابه بيولوجية، وهو ما يندرج تحت كره الجسد وعدم الارتياح معه فيكون عقل الشخص مشحوناً بفكرة التغيير أو التصحيح الجندري، إلا أن هذا لا ينطبق على جميع الحالات من المتحولين او”العابرين الجنسيين”.
مشيرًا إلى أن الشخص مضطرب الهوية الجنسية يكون مولود بجنس موجود بالفعل إلا أنه يكون غير راضي عن جنسه، ويريد ويسعى أن يغير جنسه على سبيل المثال دكتور في كلية الهندسة جامعة الأزهر قرر فجأة أن يقوم بعملية تغيير أو تحول جنسي دون أن يكون هناك الحاجة إلى ذلك، ثم انتحر بعد فترة قصيرة بعدما دخل في حالة شديدة من الاكتئاب والندم.
وفيما يتعلق بالعمليات التى تتم للمتحول جنسيًا يقوم بها عدة جراحين هم جراح تجميل وطبيب جراحة عامة وجراحة أمراض ذكورة أو أمراض نساء حسب الجنس المطلوب التحول إليه.
لافتًا إلى أن عدد الحالات في مصر الموثقين بشكل فعلي 200 حالة ومن الصعب معرفتهم، وفي مصر هذا الأمر لا زال مجرم، إلى جانب أن الحالات الوحيدة التي يحدث بها انجاب هي في حالة وجود رحم وهو ما لا يحدث في أكثر حالات التحول الجنسي في مصر للذكور والإناث على السواء،فالمتحول الجنسي غير قادر على الإنجاب، إلا أن بعض الحالات التي يتساوي فيها التيستيرون متساوي مع الاستروجين أو أعلى نسبيًا هنا يكون مصرح من الناحية الدينية ويتحول إلى ذكر متكامل أو انثى متكاملة ويمكنه الانجاب ولكن بعد 5 سنوات وعلاج هرموني مكثف، لكن إذ لم يكن بحاجة لهذا فإن الأمر يعد حرام وغير مقبول دينياً، مؤكدًا على أن 80% من المتحولين غير متزنين نفسيًا، مثل شخصية هيفاء ماجيك المعروفة عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
من ناحية أخرى أشار “أبو السعود” إلى أن الأشخاص الذين يعانون اضطراب الهوية في الغالب هم اشخاص يعانون مشاكل نفسية كبيرة تدفعهم للتحول الجنسي وهو ما يؤول بهم في النهاية إلى الانتحار في أكثر الحالات، ويتم عرض هذه الحالات على طبيب نفسي ويتم تأهيله لمدة عامين وربما أكثر لإقناعه بتقبل جسده، فإذا فشل الأمر ولم يتأقلم الشخص مع جسده ويتقبله سواء كان ذكرًا أو انثى و”بدأ/بدأت” بتقمص شخصية الجنس الأخر يتم عرض الحالة على اللجنة الطبية المختصة للموافقة على إجراء عملية التحول الجنسي وإجراء الجراحات اللازمة بعد أخذ الموافقات النهائية.
مشيرًا إلى أن العمليات التي يتعرض لها الشخص ليست باليسيرة وآلامها الجسدية والنفسية هائلة، حتى أن الكثيرين يندمون جدًا بعد إجراء العمليات ويصابوا بهزة نفسية كبيرة واكتئاب.
” شريحة لا يستهان بها”
ومن نفس السياق اتفق استاذ الطب النفسي دكتور جمال فرويز مع د.أبو السعود في حديثه حول عملية التأهيل النفسي التي يحتاجها المتحول جنسيًا أو المزمع على العبور الجنسي، حيث أشار د.فرويز: “إلى إن ما يعرفون بمضطربوا الهوية الجنسية هم مرضى يحتاجون إلى العلاج والدمج والقبول المجتمعي وأن إنكار وجودهم أو إهماله أو التنمر عليهم سيصل بنا للأسوأ لا محالة.
مؤكدا الأشخاص الذين يعانون اضطراب الهوية يكون لديهم تغييرات في الهرمونات وهو ما يستلزم علاج وإعادة تأهيل نفسي ليتمكنوا من قبول جسدهم الذي هم عليه، ففي بعض الحالات يكون تركيبهم الهرموني سليم ولكنه يتعايش بعكس جنسه وهذا راجع إلى سوء التربية وإلى عادات خاطئة في التربية مما يجعل الشخص يقتنع بكونه عكس جنسه ويعيش بهذا الشكل، أو أن يتربى الطفل في مجتمع نسائي يفتقر إلى العنصر الذكوري أو تربى الفتاة في مجتمع ذكوري كامل يفتقر إلى العنصر الأنثوي أو النسائي مما يعرضهم إلى الإصابة بإضطراب الهوية الجنسية ورفض جنسهم الذي هم عليه، كذلك فإن بعض الممارسات الجنسية الشاذة والتعديات على الأطفال في مرحلة صغيرة من العمر قد تعرضهم للأمر ذاته، وفي مثل هذه الحالات فإن الشخص يحتاج إلى علاج نفسي طويل خارج وداخل المصحة النفسية، وللأسف فإن هذا ينجح مع الاشخاص ما دون 18 عاما أما من تجاوزوا هذه المرحلة فإن الأمر يصبح مسيطرًا عليهم ويصبح غير متقبل لجنسه فيبدأ بأخذ هرمونات ليبدأ عملية التحول الجنسي، فيما لفت دكتور “فرويز” إلى أن الأمر غير مقبول مجتمعيًا ومن الصعب أن أجبر المجتمع على قبولهم ولكن اعطي حرية الاختيار لمن يتقبل ومن يرفض إلا أن الاستمرار في رفضهم يعرضهم للانتحار والانطواء على انفسهم وهم في أمس الحاجة إلى المساعدة النفسية ،فإضطراب الهوية الجنسية ليس نوعًا من قلة الإيمان والكفر بالله كما يعتبره البعض والعابرون يحتاجون وبشدة إلى الدعم والمشورة النفسية الصحيحة والأمينة، كذلك لا بد من قبولهم ودمجهم وسط أسرهم ويكونوا مصدر حقيقي لدعمهم وليس لفظهم، فهم يعانون من أزمات نفسية كبيرة بعد عمليات التحول الجنسي.
“الكنيسة لا ترفض أحد”
من جانبه قال القس أبانوب فوزي كاهن كنيسة مارمرقس الفشن: إن ما يعرف بعمليات التبديل الجنسي هو أمر غير مقبول والكتاب المقدس به الكثير من الشواهد التي ترفض التعاملات الغير طبيعية للجنس، مثل ما جاء في (رومية ١ : ٢٦) “لذلك اسلمهم الله إلى أهواء الهوان، لأن اناثهم استبدلن الاستعمال الطبيعي بالذي على خلاف الطبيعة” ،مؤكدًا على أن الكنيسة لا ترفض أو تطرد أحد ولكنها لا تشجع على التغيير وأن الدور الطبيعي الكنيسة هو تعليم الأشخاص على قبول أنفسهم بعيوبهم ومشاكلهم النفسية والجسدية والاجتماعية ،فالانسان هو خليفة الله على الارض وهو مقبول دوماً، لا فتًا إلى أن هذا الموضوع لم يثار داخل الكنيسة.
بينما اوضح “القمص بيسنتى هنرى” – كاهن كنيسة مار جرجس بالمنيب
إن الأمر برمته راجع للأطباء، إلا أن الكتاب المقدس لم يذكر أيةو مواقف واضحة متعلقة بتغيير الجنس من ذكر إلي أنثى أو العكس، معلقًا على ضرورة معرفة هل الأمر هو مجرد رغبة وميول نحو التغيير دون الحاجة الي هذا الأمر أو عيوب في التربية كأن يربي ذكر وسط مجتمع اناث أو العكس أم أنه عيب خلقي يتحتم عليه التغيير، مؤكدا ان الأمر يرجع للأطباء لانهم المختصون وليس الكنيسة، مشيرًا إلي أن الكنيسة الأرثوذكسية هي كنيسة آبائية مجمعية لا يتم اتخاذ أية قرارات فيها قبل اجتماع المجمع المقدس هو من يبت في الأمور ويقرر الموقف تجاهها فكنيستنا واحدة وحيدة جامعة رسولية، وبالنسبة لأمر الترانس جيندر فهو لم يعرض علي المجمع المقدس إلي الآن ولم يتم مناقشته.
“حياة افضل”
قال القس “صموئيل زكي” راعي الكنيسة الإنجيلية بعزبة النخل في حديثه ل “وطني “ من المطلوب والحتمي قبول المتحولين جنسيًا بداخل الكنيسة واحتوائهم، فإن نظرة المجتمع لهم ولفظهم هو أمر خاطئ ويفاقم الأمور بصورة سيئة تجاه فئة هي أحق بالرعاية والدعم والمساندة المجتمعية، لذا
لابد من فتح أبواب الكنيسة لهم لقبولهم ودمجمهم بدلاً من لفظهم، فكلام الكتاب المقدس واضح حين قال في سفر التكوين “ورأى الله أن كل شئ حسن جدًا” فالله لم يخلق شئ سئ أو عبثًا، وكل ما خلقه هو حسن جدًا، وكذلك فإن المسيح خلق أعين للمولود أعمى لأنه كان يحتاجها، وهو الأمر ذاته للمتحول جنسيًا في حال احتياجه والتأكد من حتمية هذا الأمر، لذا يجوز له علميًا ودينيًا تصحيح هذا العيب الخلقي، فالكتاب المقدس قال بنص صريح: “جئت لتكون لهم حياة وليكون لهم أفضل” وهو ما يؤكد أن الله لا يرغب على الإطلاق في أن يعيش الانسان في حياة تعيسة وألم وصراع نفسي وجسدي ولكن أن يعيش بالحياة الأفضل له.
“ثقافات مختلفة”
من جانبه أكد القس “محسن نعيم” راعي كنيسة شبرا الإنجيلية في حديثه لوطني : إنه لا بد لنا أن نتعامل مع الإنسان كإنسان له كرامته أياً كان جنسه ومشاكله وإضطراباته، وإذا كان الشخص يعاني من أي مشاكل صحية أو نفسية في قبوله لذاته ولهويته فهذا لا يقلل من مكانته على الإطلاق أمام الله، فلا بد دومًا من التركيز على قيمة الانسان بغض النظر عن شكله أو هويته،وبالتالي عندما تعي الكنيسة أن منظور الله للإنسان كإنسان ستتقبل الجميع على حد سواء، أما فيما يتعلق بالنظرة المجتمعية للأمر فهي أكثر تعقيدًا وشائكة إلى حد كبير نظرًا لاختلاف الثقافات والأفكار ولا سيما في مجتمعنا الشرقي يؤثران بالسلب تجاه قبول المتحولون جنسيًا، وإن حدث يكون الأمر على مضض، فيما لفت القس “محسن نعيم” في نهاية كلامه إلى أنه من المستحيل على الانسان أن يحيى في صراع مع جسده، علميًا وبيولوجيًا الأمر غير مريح لصاحبه وله حرية اتخاذ القرار المناسب له، والانسان مقبول دومًا بغض النظر عن هويته ما كانت أو ما آلت إليه.