الإنسان الذي يعمل فيه روح الله, ينبغي أن يكون حارا في الروح…
وهكذا يعلمنا الرسول قائلا حارين في الروح رو12: 11. وهذه الحرارة تشمل الحياة الروحية كلها. فيكون الإنسان حارا في صلاته, حارا في خدمته, حارا في محبته نحو الله والناس, حارا في معاملاته وفي مشاعره. كل ما يعمله من خير يتصف بالحرارة…
فليس معني كون الإنسان وديعا, أن يكون خاملا وهامدا ولا يعمل شيئا!!
كلا, فأولاد الله ملتهبون بالروح. وهذا الإلتهاب وهذه الحرارة لا يتنافيان مع الوديعة والهدوء والطيبة كان السيد المسيح وديعا ومتواضع القلب مت11:29… ومع ذلك فعندما ظهر في سفر الرؤيا, كانت عيناه كلهيب نار, ورجلاه شبه النحاس النقي كأنهما محميتان في آتون, وصوته كصوت مياه كثيرة رؤ1. كان حارا في محبته التي أصعدته علي الصليب, والتي جعلته يظهر لتلاميذه بعد القيامة يرمم ما انهار من معنوياتهم ومن إيمانهم. وكان حارا في خدمته في فترة تجسده علي الأرض. كان حارا في تطهيره للهيكل مت 21: 12ـ17.
الحرارة الإلهية التي من الروح القدس, توقد في القلب نارا, وتشعله بالحب…
الله محبة 1يو 4:16. والمحبة نار مياه كثيرة لا تستطيع أن تطفئها نش 8:7. لذلك كل من يحيا بالروح, يمتلئ قلبه بالحب. ويكون الحب في قلبه نارا. تشتعل في قلبه نار من جهة محبته للناس والسعي إلي خلاصهم. مثله مثل النار التي نراها في شموع الكنيسة التي تذوب لكي تضيء للآخرين, أو كالنار التي تجعل حبة البخور تحترق وتبذل ذاتها, لكي تقدم رائحة زكية تصعد إلي فوق.. إنها نار الحب الإلهي الذي يشتعل في القلب, ويقدمه كمحرقة, كرائحة بخور, رائحة سرور للرب لا1: 17,13,9…
النار في الشمعة تعطي نورا, كما تعطي حرارة ودفئا…
وهكذا الشمس التي شبه الرب بها ملا 4:2 لأن الرب الإله شمس ومجن مز 84:11. هذه الشمس تقدم لنا نورا وحرارة وبنفس الوضع روح الله, يضيء لنا الطريق فيما يرشدنا, ويعطينا حرارة روحية في كل عمل نعمله.
وكلمته إلينا تضيء لنا الطريق, كما قال المرتل سراج لرجلي كلامك ونور لسبيلي مز 119 وكما قال كلمة الرب مضيئة تنير العينين عن بعد مز 19. وهي أيضا لهيب نار, إشعارا بقوة كلمة الله التي لا ترجع إليه فارغة, بل تعمل ما يسر به 1ش 55:11 وإشارة إلي حرارة الكلمة وفاعليتها…
وحرارة الروح كما تكون في الكلمة, تكون أيضا في الصلاة وفي العبادة…
عنما صلي مكسيموس ودوماديوس, رأي القديس مقاريوس الكبير صلاتهما كأنها أشعة من نار تخرج من شفاهما. وعندما كان يصلي القديس الأنبا شنودة رئيس المتوحدين ـ حتي في صغره ـ كانت أصابعه تبدو وكأنها شموع متقدة. وهكذا كانت الحرارة لا تشمل الروح فقط, وإنما الجسد أيضا…
الصلاة الروحانية تكون ملتهبة بالروح, لذلك يقال عنها إنها صلاة حارة…
وحرارتها صادرة من حرارة القلب, ومن حرارة الحب, ومن حرارة الجهاد في الصلاة. ومن حرارة الصلاة تأتي اللجاجة ومن حرارة الصلاة تأتي الدموع. ومنها أيضا تأتي المصارعة مع الله كما فعل أبو الآباء يعقوب تك 32:24ـ26. ويأتي أيضا الإيمان, وتأتي الاستجابة.
وكنتيجة لحرارة الصلاة, يثبت الإنسان في صلاته…
فلا يود أن يختم صلاته, مهما طال به الوقت فيها. بل كلما عزم علي إنهائها, يجد رغبة حارة في قلبه تجذبه إلي البقاء في حضرة الله مصليا.
ويجد لذة في صلاته تربطه بها, هي ثمرة حرارة الحب في قلبه… إن الحرارة تعطي صلاته استمرارا وحياة.
أليست الحرارة هي الفارق بين الحي والميت..؟
جسد الإنسان الميت تجده باردا تماما, لا حرارة فيه.. أما الجسد الحي, ففيه دفء وحرارة وهكذا الروح أيضا. يتميز الإنسان الذي يعمل فيه روح الله, بحرارته الروحية, كما قال الرسول حارين في الروح. لذلك عيشوا في الحرارة التي في الروح… فبهذه الحرارة عاشت الكنيسة الأولي, في العصر الرسولي, وفي القرن الرابع الميلادي بالذات, الذي تميزه بلونين هامين من الحرارة هما: الحرارة العجيبة في الدفاع عن الإيمان ضد الهرطفات مميزة في حياة القديس اثناسيوس مثلا, والحرارة العميقة جدا في حياة النسك والرهبنة والتوحد, كما تبدو في سيرة القديس أنطونيوس وآباء برية شيهيت..
ونلاحظ أن الإنسان حينما يقل عمل الروح فيه, تقل تبعا لذلك حرارته ويفتر..
فيقولون: هذا الإنسان عنده فتور روحي. وإن زاد فتوره يتطور إلي برودة روحية, وإلي موات.. لذلك اشعلوا حرارة الروح في قلوبكم باستمرار.. واحتفظوا بشعلتكم موقدة علي الدوام لا تنطفئ. وفي ذلك يقول الرب لتكن أحقاؤكم ممنطقة, وسرجكم موقدة لو 12:35.
خذوا لكم مثلا من ذبيحة المحرقة التي كانت نارها لا تنطفئ أبدا.
باستمرار يلقون عليها حطبا ووقودا. ويشعلونها بمحرقة صباحية وأخري مسائية, وشحوم ذبائح أخري.. نار دائمة, تتقد علي المذبح, لا تطفأ.. لا6.. هكذا هي الحياة التي يعمل فيها روح الله.. وإن لم تستطع أن توقد حياتك الروحية باستمرار وتزيد لهيبها اشتعالا, فعلي الأقل استمع إلي وصية القديس بولس الرسول وهو يقول..
لا تطفئوا الروح.. 1تس 5:19.
أي ابتعدوا عن كل ما يقلل حرارتكم الروحية, عن كل الأسباب التي تجلب لكم الفتور الروحي..
ابتعدوا عن الروح المضادة التي تطفئ عمل الروح فيكم.
كانت كنيسة الرسل كنيسة نارية ملتهبة بالروح..
كانت قوية, كانت كنيسة الألسنة النارية والكلمة الملتهبة التي قال عنها الرسول كلمة الله حية وفعالة, وأمضي من كل سيف ذي حدين, وخارقة إلي مفرق النفس والروح عب 4:12.
ذلك لأنها كانت كلمة صادرة من اللسان الناري, الملتهب بالروح منذ يوم الخمسين.
هناك إنسان يكلمك كلاما كثيرا لا يحدث فيك أثرا… بينما إنسان روحي يقول لك كلمة روحية تظل تدوي في أذنك في البيت, وفي مكان العمل وفي الطريق, وفي قيامك وقعودك, وفي دخولك وخروجك, وتحفر آثارا عميقة في قلبك, وتعمل فيك عملا. إنها كملة نارية.
بولس الرسول ـ وهو أسير ـ تكلم عن البر ـ والتعفف والدينونة: فارتعب فليكس الوالي من كلمة هذا الأسير أع 24:25.
كانت كلمة نارية, صادرة من عمل الروح الناري
بينما إنسان يخدم في مكان, وكأنه جثة هامدة موضوعة فيه.
وآخر يخدم. فإذا الموضع كله حركة, وكله حياة, وكله حرارة ونشاط. إنه عمل ناري ملتهب بالروح القدس الناطق في الأنبياء.. هكذا كان الأثنا عشر رسولا, الذين إلي أقاصي المسكونة بلغت أصواتهم. كانو ا شعلات من جمر, أينما حلوا صاروا لهيبا.
إن كان لك الروح الناري, فكل إنسان يقابلك ستشعله. وكل مكان تحل فيه ستشعله.
فهكذا طبع النار: لا تبقي حرارتها وحدها. إنما تشعل كل ما يلمسها. حتي الهواء المحيط بها يصيرا حارا..