اعتقد أن الجهد الذي تقوم به الدولة لتطهير الوطن من التعديات التي حدثت في سنوات ما قبل ثورة الثلاثين من يونية, في حاجة إلي مواكبة إعلامية واعية لتحقيق الخطوات الواجب اتخاذها في سبيل القضاء علي كل ما يهدر ثروات البلاد ويشوه وجهها الجميل..
لقد غادرت وطني في مطلع سبعينيات القرن الماضي إلي باريس, عاصمة النور كما تسمي وملتقي الثقافة الفنية والأدبية, ولم أجد أنني انتقلت من بلد إلي آخر, بل شعرت كما قلت لأصدقاء فرنسيين, إنه لا فرق بين القاهرة وباريس, فلديكم أحياء راقية مثل باريس ستة عشر ونويي ولدينا الزملك وجاردن سيتي, لديكم الحي اللاتيني للمثقفين ولدينا الحسين, لديكم نهر السين وهو بالنسبة للنيل ودون أن تغضبوا مني بمثابة ترعة..
الشئ الوحيد الذي لم أكن رأيته وشاهدته هنا, هو السلم الكهربائي..
وضحكنا وقتها وأنا أواصل التعبير عن شعوري بالفخر لدي ابداء الإعجاب بملبسي بأن كل ما ارتديه صناعة مصرية..
وعندما دت في زيارة بعد أربع سنوات من الغياب صدمني التغير الذي بدت ملامحه المفزعة تظهر بلا أدني رادع. ففي طريقي إلي مدينة حلوان لزيارة أمي, هالني حجم الأبنية القبيحة التي ظهرت علي كورنيش النيل, وكلها فوق الأراضي الزراعية, ونفس الشئ لدي زيارتي لأقارب زوجي الكاتب الراحل علي الشوباشي علي طريق مصر إسكندرية الصحراوي, وقد تناثرت أبنية كثيرة فوق أراضي منطمة فيصل الزراعية, والباقي معروف..
وكان يطاردني سؤال لم أجد له جواب حتي الآن..
لماذا ترك أصحاب المباني العشوائية القبيحة, الصحراء الشاسعة وانهالوا عدوانا قاتلا علي الأرض الزراعية؟.. وقد استدعي هذا السؤال تساؤلا آخر, كيف سمح المصريون بهذا العدوان الصارخ علي الزرض الزراعية وتركوا الحبل علي الغارب للمعتدين علي أحد مصادر حياتنا وحياة الأجيال المصرية القادمة..
ولكن الطمة الكبري تجسدت فيما شاهدته بعد عودتي النهائية إلي وطني في نهاية التسعينيات..
زاد البناء العشوائي بصورة مرعبة فانتهت الأرض الزراعية تماما علي ضفاف النهر الخالد وطبعا, كان الصرف الصحي يصب في مياهه التي كان أجدادنا الفراعنة يعتبرون تلويث مياه النيل من الكبائر وخطيئة فادحة تستوجب أقصي عقاب ممكن.. فكيف أقدم أصحاب العقارات العشوائية علي ارتكاب هذه الجريمة البشعة ضد النيل, مصدر الحياة؟ وزين أعضاء المجلس المحلية وكيف سمحوا بهذه الجرائم, إلا إذا كانوا يتلقون رشاوي مقابل اغماض عيونهم الصفيقة عن هول الإيذاء والتشويه..
وكيف سمح المواطنون بتشويه صورة مصر بتراكم تلال القمامة التي تنتشر كافة انحاء البلاد, وفي الوقت الذي تدعي فيه الدولة انها تعاقدت مع شركات نظافة أجنبية بالمليارات, فبقيت القمامة بصورة مقزة, وضاع أي أثر للمليارات..
ولذا فإن قيام الدولة الآن بإزالة التعديات علي الأراضي الزراعية, لا سيما وقد وصل تعدادنا إلي أكثر من مائة مليون نسمة, خطوة أساسية, ولكن علينا جميعا الدفاع عن أرضنا وشوارعنا وحماية أبناءنا من التلوث القاتل بمنع الاعداء من تلويث البحيرات وباختصار, تعبئة الجماهير للتصدي لأي عدوان علي الحياة, ومحاسبة الفاسدين الذين اهدروا حقوقنا في حياة صحية وبيئة نظيفة واعتقدوا علي وجه مصر الحضاري, مقبل المال الحرام.. إن الصحوة الشعبية ضرورة حتمية بالوقوف مع الدولة, دولة ثورة الثلاثين من يونية, والتصدي بقوة لكل المعتدين بحيث لا يجرؤ أي منهم علي إيذاء الشعب وتشويه وجه المحروسة.