تقف قضية ختان الإناث في مقدمة القضايا والمشكلات التي تواجهها المرأة المصرية في وقتنا الحالي, فهي ليست جريمة ضد المرأة فحسب, بل هي جريمة ضد الإنسانية كلها, ولم يكن غريبا علي دعاة تحرير المرأة وتمكينها من حقوقها, ومن ثم دعاة حقوق الإنسان أن يولوا اهتماما ملحوظا بهذه القضية منذ سنوات بعيدة, ما ساعد علي ارتفاع الوعي عند بعض المواطنين بخطأ هذه العادة السلبية وأضرارها المختلفة, وإن لم يساعد هذا الوعي علي اختفاء هذه الظاهرة تماما واقتلاع ممارستها من الجذور.
وعادة الختان في حقيقتها عبارة عن تشويه جنسي للإناث, ساعد علي استمرارها العديد من الأسباب والظروف المجتمعية, فهي ترتبط بمجموعة من الأفكار المغلوطة, كما أنها تلتصق ببعض المعلومات المشوهة, ما جعلها عادة متأصلة عند بعض العائلات والأسر, فهناك من يعتقد أن الأديان تدعو إلي إعمال تلك العادة من باب الحفاظ علي عفة المرأة وصون طهارتها قبل الزواج, وهناك من يظن أنها عادة صحية وطبية سليمة لصالح الأنثي/ المرأة تحميها من الإثارة الجنسية وتجعلها صالحة للزواج, إلي غير ذلك من أفكار ومعتقدات شعبية سائدة فندها المدافعون عن المرأة والمناهضون لعادة ختان الإناث, خاصة وأن هذه العادة أشبه بذبح جسدي وقتل معنوي للطفلة الأنثي, حيث تمثل تشويها للأعضاء التناسلية للمرأة, وقد حدث أن بنات كثيرات توفين أثناء تلك العملية, تبرز من بينهن الطفلة بدور التي توفيت أثناء جريمة ختانها في 14 يونية 2007م علي يد طبيبة في محافظة المنيا بصعيد مصر, ومن هنا يوافق اليوم الوطني للقضاء علي ختان الإناث يوم 14 يونية من كل عام, تذكارا للطفلة بدور وتذكيرا لكل شخص يفكر في ممارسة هذه العادة.
ويشير الواقع إلي أن هناك مجهودات كبيرة يقوم بها المجلس القومي للمرأة بالتعاون مع المجلس القومي للطفولة والأمومة, أثمرت عن تأسيس اللجنة الوطنية للقضاء علي ختان الإناث, حيث تم الإعلان عن تشكيل تلك اللجنة خلال اجتماع الدكتورة مايا مرسي مع رئيس مجلس الوزراء الدكتور مصطفي مدبولي في 21 مايو 2019م, وتضم اللجنة في عضويتها ممثلين من كافة الوزارات المعنية والجهات القضائية المختصة والأزهر الشريف والكنائس المصرية الثلاث (الأرثوذكسية والكاثوليكية والإنجيلية) ومنظمات المجتمع المدني المعنية, بالإضافة إلي التعاون مع شركاء التنمية, حيث تعد اللجنة الوطنية جزءا لا يتجزأ من جهود الدولة المصرية لحماية حقوق الإنسان وحقوق المرأة بشكل عام والطفلة الأنثي بشكل خاص.
ومؤخرا أطلقت اللجنة الوطنية للقضاء علي ختان الإناث حملة لطرق الأبواب تحت عنوان احميها من الختان في 20 محافظة من محافظات الجمهورية, استمرت خلال الفترة من 20 يونية وحتي 14 يوليو 2020م, ويتم تنفيذها من خلال فروع المجلس القومي للمرأة بالمحافظات, ويأتي ذلك في إطار جهود وأنشطة اللجنة برئاسة مشتركة بين المجلس القومي للمرأة والمجلس القوي للطفولة والأمومة خلال شهر بدور والمنعقد في الفترة من 14 يونية حتي 14 يوليو, وإن كان العمل في حقيقة الأمر مستمرا طوال العام من أجل مواجهة هذه العادة ومقاومتها والقضاء عليها نهائيا.
استهدفت حملة طرق الأبواب نشر الرسائل الخاصة بالقضاء علي عادة ختان الإناث, وخلق رفض مجتمعي للثقافات الموروثة والمتعلقة بربط الختان بالدين, بالإضافة إلي التعريف بالمخاطر الصحية والنفسية لها, كما استهدفت أيضا دمج مؤسسات الدولة المعنية والقائمين عليها في الحراك المجتمعي الرافض للختان وتنسيق الجهود بينهم, واعتمدت حملة طرق الأبواب علي توصيل رسائلها من خلال أعضاء الفروع إلي جانب رائدات المجلس القومي للمرأة, من أجل توضيح رأي الدين في ختان الإناث وحقيقة كونه عادة وممارسة ضارة تؤذي الفتاة, وأنه ليس من العبادات, ومن جانب آخر توضيح رأي الطب والعقوبة المنصوص عليها في القانون لكل من يشارك في ارتكاب هذه الجريمة, كذلك الآثار النفسية والصحية التي تتعرض لها الفتاة بسبب هذه الجريمة.
وحسب أخبار نشرتها وسائل الإعلام, فقد شاركت الأمم المتحدة في مصر في إحياء ذكري جميع الضحايا والناجيات من هذه الجريمة اللا إنسانية, وأشادت بما يتم بذله من جهود غير مسبوقة, وإجراءات وخطط أعلنتها اللجنة الوطنية للقضاء علي ختان الإناث عبر تعزيز المبادرات وتبني مناهج ابتكارية جديدة, مثل مبادرة احميها من الختان التي وصلت رسائلها إلي ملايين الأسر, وشددت الأمم المتحدة علي أهمية تواجد إرادة وطنية قوية, وإطار عمل تشريعي, وبيانات وخطوط مرجعية وطنية يسترشد بها صانعو القرار, كما رحبت الأمم المتحدة بنهج الحكومة الشامل لحفز جهود جميع أصحاب المصلحة من أجل إنهاء هذه الممارسة المسيئة والمذلة التي تتنافي وكافة معاهدات حقوق الإنسان التي مصر طرف فيها, والمنصوص عليها في الدستور.
وقالت السيدة كريستينا ألبرتين المنسق المقيم للأمم المتحدة بالإنابة, إن تشويه الأعضاء التناسلية للإناث هو انتهاك فظيع لحقوق جميع النساء والفتيات, ولن يتم وضع حد لهذه الممارسة سوي بالإرادة الجماعية وجهود المجتمع كله, وقالت أيضا إن الأمم المتحدة في مصر تعمل من خلال هيئاتها المختلفة يدا بيد مع حكومة مصر من أجل التصدي لجميع أشكال العنف ضد النساء والفتيات, ومعا نضع حدا لهذه الممارسة المقيتة, حيث تتطلع أسرة الأمم المتحدة في مصر إلي توسيع دعمها بالعمل عن كثب مع الحكومة, وشركاء التنمية والمجتمع المدني لحماية حقوق النساء والفتيات ووضع نهاية لهذه الممارسة الضارة والمساهمة في تحقيق الهدف الخامس من أهداف التنمية المستدامة, المتعلق بإعمال المساواة بين الرجل والمرأة.
وفي تقديري فإن القضاء علي عادة ختان الإناث وحماية الطفلة/ الأنثي من التشويه الجنسي هو مسئولية مشتركة ومهمة جماعية, الأمر الذي يتطلب العمل بجدية والتحرك بسرعة ـ وعلي التوازي ـ في اتجاهين أساسيين هما الثقافة والقانون.. أولا اتجاه الثقافة, من خلال رفع الوعي المجتمعي بخطورة هذه العادة, والتوعية بأضرارها الجسدية والنفسية والاجتماعية, وهنا يبرز دور المؤسسات الدينية والتربوية والتعليمية والثقافية والإعلامية والفنية, بالإضافة إلي دور منظمات المجتمع المدني, في إطار من الشراكة والتكامل والتشبيك والتنسيق, ثانيا, اتجاه القانون, من خلال تغليظ العقوبات, وسرعة إصدار الأحكام وتنفيذها بكل حزم وقوة علي كل من تسول له نفسه القيام بهذا العمل الإجرامي, سواء من أفراد الأسرة أو من الأطباء أو من محترفي القيام بهذا الفعل غير الإنساني.