حينما يعجب الإنسان بشخصية ما، دون أن يدرى يكاد يتقمص تلك الشخصية و تنطبع فى ذاكرته و فى عمق وجدانه و يشابهه فى تصرفاته كما لو كان مسلوب الإرادة. و كلما زاد انبهاره بالشخصية سار ورائه كما لو كان عبدا. هكذا كان الأمر مع القديس بولس لما أحب شخص المسيح له المجد ، امتلك كيانه و شغاف قلبه فتحولت مشاعره من مضطهد للمسيح إلى عبودية الحب “لأن محبة المسيح تحصرنا … كى يعيش الأحياء فيما بعد لا لأنفسهم بل للذى مات لأجلهم و قام” ( ٢كو١٥-١٤:٥).
إن صدق محبتنا للمسيح هكذا تحتم علينا كما حتمت على القديس بولس نمط حياة مصبوغة بفكر المسيح دون تكلف. فمثلا لم يعلم أحد القديس بولس شيئا عن الزهد و لا حتى رأى الرب يسوع جائلا ليس له أين يسند رأسه و لا تعلم الزهدبحبر و لا ورق و لا بتعاليم معلمين سابقين و لكنه كان كمرآة استوعبت صورة المسيح و عكستها كما هى ، ففى زهده مثلا يقول “أعرف أن اتضع و أعرف أيضا ان أستفضل فى كل شئ و فى جميع الاشياء قد تدربت أن أشبع و أن أجوع و أن أستفضل و أن انقص استطيع كل شئ فى المسيح الذى يقوينى” (فى١٣-١٢:٤ ) و مرة أخرى يقول “حاجاتى و حاجات الذين معى خدمتها هاتان اليدان” (اع٣٤:٢٠ ) مع أن هاتين اليدين جمعتا أموالا طائلة لسد احتياجات قديسين فى أماكن كثيرة و لا مانع ان ينفق منها على نفسه و “الكتاب يقول لا تكم ثورا دارسا و الفاعل مستحق أجرته” (١تى١٨:٥ ) . لقد ماتت فيه ذاته قائلا “ولا نفسى ثمينة عندى” (اع٢٤:٢٠ ).
كيف نستطيع أن نقول اننا فى المسيح خليقة جديدة و قد تثقلت القلوب بالاهتمامات الدنيوية و تعظم المعيشة؟! او اى صفات اخرى دخيلة على سمات الرب يسوع ، فكلما ازددنا صدقا فى تبعيته كلما انطبعت فينا شخصيته بتلقائية و وضوح و جلاء فنكون مشابهين صورته ( رو٢٩:٨) .
لقد دعانا ابناء احباء و نحن فى ملء حبه صرنا له عبيدا بكل معنى الكلمةفتصبح ارادتى هى ارادة سيدى ، رغباتى مائتة ليس لى تطلع لذاتى بل فىكل شئ ندعو انفسنا كما دعا القديس بولس نفسه “عبد الله و رسول يسوعالمسيح” ( تى١:١).