جري العرف الشائع علي القول: وحدة عنصري الأمة والمقصود أقباط ومسلمون, ولكن ثمة قول آخر في الطريق إلي أن يتحول إلي عرف شائع وهو وحدة عنصري قبطي إخواني.
وقد ورد إلي ذهني هذا القول إثر قراءتي الكتاب الممتع والملهم للإعلامي الراحل الدكتور عمرو عبدالسميع وعنوانه الإسلاميون.. حوارات حول المستقبل (1992), وهو عبارة عن حوارات أجراها مع قيادات إخوانية من أمثال محمد الغزالي ومأمون الهضيبي ومصطفي مشهور وصلاح شادي وطارق البشري. والأسئلة مثيرة للانتباه لأنها ليست تقليدية إذ هي تشي أحيانا بالجواب الذي قد تراوغ فيه القيادة الإخوانية وتشي أحيانا أخري بدفع هذه القيادة إلي الإفصاح بحكم الضرورة الناشئة من زنقة السؤال.
ومن بين ما لفت انتباهي في هذه الحوارات الإشارة إلي حوارات أخري أجرتها بعض هذه القيادات مع عدد من المثقفين الأقباط ولكن دون ذكر لأسماء هذه القيادات, وكأن ثمة تخوفا من إذاعتها حتي لا تسبب حرجا, والمعني هنا أن السرية مطلوبة. والسؤال: لماذا هذه السرية؟ لا جواب ومع ذلك فالتخمين مطلوب, والتخمين عندي محكوم بمسار الإخوان نفسه, إذ هو مسار أيضا محكوم في أغلبه بالسرية, ولكنك تفاجأ مع تطور الأحوال أن ثمة تيارا يتحكم فيه دون أن تدري, إذن التيار وليس الأشخاص هو الذي يلزم أن يكون في الصدارة.
والسؤال إذن: ما هو التيار المطلوب تأسيسه من ذلك الحوار القبطي الإخواني؟
وفي صياغة أوضح: ما هي سمات هذا التيار؟ أحاول الجواب وهو علي النحو الآتي: محاربة الفكر العلماني في شتي صوره لأنه فكر ملحد ومن ثم فهو معاد للإسلام, وما هو إسلامي هو بالضرورة ملازم لحكم الأمة, أي أن حكم الأمة هو حكم إسلامي, أي يحرم ما حرم الله, ومن هنا مغزي الآية القرآنية الحكم بما أنزل الله, والذي يبرر هذا الحكم أن أكثر من 95% من المسلمين, ومن ثم فإن سياسة الدولة يلزم أن تكون متسقة مع هذه الأغلبية لأنه من غير المعقول ولا المقبول أن تفرض الأقلية القبطية سياستها علي الأغلبية هذا إذا كانت لهذه الأقلية علاقة تشريع بالمسائل السياسية والاقتصادية وذلك بحكم أن العقيدة المسيحية محصورة في العلاقة بين المؤمن والله, ومن هنا يكون من الطبيعي التزام الأقباط بشعار الإسلام هو الحل والذي يزيد من مشروعية هذا الحل لدي قبط مصر أن ثمة قاسما مشتركا بينهم وبين المسلمين في كراهيتهم لليهود الأمر الذي يلزم منه دعوة مشتركة لرفض معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية التي أبرمت في عام 1979 مع ما يترتب علي ذلك من رفض التطبيع الثقافي وأي تطبيع آخر بحيث تكون النتيجة في نهاية المطاف إبادة اليهود.
وأنا قد شاهدت في التسعينيات من القرن الماضي مطاردة من هذا النفر من قبط مصر الذي كان مقتنعا بتأسيس تيار مشترك مع الإخوان وقد أفضت هذه المطاردة إلي اتهامي بأن لدي فوبيا إسلامية, أي الخوف من كل ما هو إسلامي.
وأظن أن الوضع القائم في زمن الرئيس عبدالفتاح السيسي وبمشاركة من البابا تواضروس الثاني لن يسمح بوجود هذه العلاقة المريضة بين قبط مصر والإخوان. هذا بالسلب أما بالإيجاب فيلزم النضال من أجل تكوين علاقة صحية بيد المصريين أيا كانت توجهاتهم العقائدية في سياق العلمانية, وبناء عليه يكون من اللازم إعادة النظر في المادة الثانية من الدستور.