جائحة كورونا غيرت أولويات القضايا التي تعمل عليها الجمعيات الأهلية
هناك هجمة شرسة ضد التبرعات و سببها الإعلانات غير الواقعية
أظهرت الازمة إيجابيات اجتماعية وعلى كافة المؤسسات خلق أدوات جديدة للتعلم
أجرت الحوار : أنجيل رضا
جاءت جائحة كورونا تهدد المجتمعات في العالم، بل وهددت النظم الاقتصادية والصحية والاجتماعية وأن كان تأثيرها جاء على الغني والفقير ، إلا أن الفئات المهمشة والفقيرة، واللاجئين والمشردين في العالم كله هم الأكثر تأثرًا بسبب تردي الحالة الاقتصادية .
وقد كانت وفى كثير من الأحيان نجد مؤسسات العمل الأهلي تقدم المساعدات الفردية لتعاون هذه الفئات معيشيًا وصحيًا وتعليميًا بجانب عمل الدولة، و لكن مع عمليات التباعد الاجتماعي وحظر التجمعات وإغلاق المؤسسات لمنع انتشار جائحة كورونا ، قمنا بهذا الحوار لنقف على دور الجمعيات الاهلية فى الآونة الأخيرة وماذا عن القضايا الأساسية التى كانت محور عملها من أمية و الفقر و القضية السكانية والتعليم والعمالة المؤقتة ؟.
بكل هذه الأسئلة توجهنا إلى دكتور نبيل صموئيل مقرر منتدى المنظمات الأهلية بالمجلس القومي للمرأة، عضو مجلس أمناء المجلس العربي للطفولة والتنمية ، رئيس مجلس إدارة جمعية الرعاية بالمحبة ، والمدير العام السابق للهيئة الإنجيلية .. وكان لنا معه هذا الحوار :
• في البداية ، كيف ترى عمل الجمعيات الأهلية وقضاياها التي تعمل عليها من تعليم، قضية سكانية، أمية، عمالة مؤقتة، فقر بعد أزمة وباء كورونا ؟
إن الاتجاه العام لكثير من الجمعيات الأهلية الان اتجه إلى قضية توفير الغذاء وأصبحت عملية ضخمة جدًا فى توزيع الغذاء نظرا لتفاقم أزمة جائحة كورونا تزامنًا مع شهر رمضان الكريم، وهو أمر مهم لكنه غير مستدام ولا يعاون علي التنمية المستدامة إذا كان وحده، فالافضل كما يقول المثل الصيني لا تعطني سمكة ولكن علمني الصيد. وكثير من الجمعيات أعلنت عن ذلك، إلا أن هناك جمعيات اهتمت جدًا بالتوعية الصحية وإن كان عددها محدود وقامت بالتوعية الصحية وشرح الإجراءات الاحترازية من أهمية الكمامات وغسل الأيدي وهو مهم جدا لمساندة الاتجاه العام لتقليل الإصابات بمرض كورونا .
وهناك جمعيات دخلت مباشرة في توفير الأجهزة الصحية والأدوات الصحية من كمامات ومطهرات ومدها للمجتمعات المحلية التي تعمل بها وهذا مهم جدًا، نظرًا لأنه ليس كل الناس تستطيع توفير هذه الأدوات .
وهناك جمعيات قليلة اهتمت بالعمالة غير المنتظمة و عملت على أكثر من رافد ، أولًا ربط العمالة مع التوجهات الحكومية ومساعدة الناس للتواصل مع الجهات الرسمية التي تعطي مساعدات ومعونات لهذه الفئات ، كما اشتغلت معهم للحصول على دعم دائم، وإن كانت هذه الجمعيات كانت تعمل قبل وبالفعل مع هذه القضية ولكن برز دورها في وقت أزمة جائحة كورونا بالتعاون مع الحكومة.
وهناك جمعيات محدودة جدًا عملت على التعليم بالتوعية وخاصة تعليم الأطفال وحمايتهم من الخوف وأبدعوا في تطوير وسائل تعليمية للعرض مع الأطفال من خلال مواقع التواصل الاجتماعي .
هذا بشكل عام الاتجاهات التي قامت بها الجمعيات خلال الجائحة .
التعليم وخلق آليات جديدة
• مع توقف التعليم بسبب الجائحة.. هل يعتبر ذلك فرصة لتطوير التعليم و التفكير في استخدام آليات جديدة الكترونية مما يعطي نقلة أسرع لطرق التعلم ؟
أرى أنها فرصة لاستخدام وسائل مختلفة للتعلم ولكن المهم هو كيفية استخدام هذه الأدوات في تعليم قيمي مهاري معلوماتي، فالتعليم ليس هو كنز المعرفة فقط، بل هو كيفية استخدام هذه المعرفة، ومن الأسر من لديهم هذه الإمكانيات نجد أبنائهم لديهم قدرات خارقة أكثر مما تقوم به المدارس والجمعيات، وهذا يفرض الآن خلق أدوات تعلم جديدة .
و بمنتدى المنظمات الأهلية بالمجلس القومي للمرأة نعمل الآن على كيف نبدع في استخدام هذه الآليات للتعليم والتعلم عن بعد ، فأعتقد أن هذه فرصة جيدة جدًا لأن نبتكر ونبدع ونخلق أدوات جديدة للتعلم والمعرفة ، وترسيخ القيم ضرورة مهمة لتكون في محتوى المناهج ، بحيث يتضمن المنهج هذا المركب الثلاثي وهو المعرفة والمهارات والأخلاقيات ولابد أن يدمج في العملية التعليمية بآليات تواصل مع طبيعة العمر المعني به.
الأمية والإذاعة
• توقف العمل على حل قضية الأمية مع التباعد الاجتماعي.. فما هو الحل لعودة الجمعيات للعمل في هذا المجال ؟
كان هناك إذاعي معروف اسمه عبد البديع قمحاوي و قدم أضخم وأشهر برنامج إذاعي لمحو الأمية بالراديو على مستوى مصر والعالم العربي تحت عنوان “يا أهل بلدي”، كان مبدع وتواصل مع الناس من خلال الإذاعة، وهذه القضية التى سقطت الآن حيث برزت قضايا أخرى في هذه الأزمة مثل قضية الصحة وقضية الاقتصاد ، بالإضافة الى المشاكل النفسية نتيجة التباعد الاجتماعي والعزل المنزلى و فقدان الوظائف التي أثرت على الحالة النفسية والاقتصادية والاجتماعية للأسر، وبالتالي أصبحت هذه القضايا هي الأولى والأهم للجمعيات في المناطق التي تعمل بها، بالتالي قضية الأمية تقل أمام هذه الأولويات .
وقضية الأميه قضية عملنا عليها سنين طويلة وتم صرف مليارات الجنيهات وللأسف مازالت قائمة، وفي رأيي أن قضية الأمية تبدأ بالارتقاء بمرحلة التعليم الأساسي أولًا وتجويده ليكون خريجي هذه المرحلة متعلمين فعلا وليسوا أميين ، ولا يرتدوا بسرعة للأمية لأن تعليمهم كان موجودا ، ويستطيعون استكمال المراحل التعليمية التالية حسب اختياراتهم ، لكن للأسف بدأنا تطوير التعليم من الأعلى وتزايدت أعداد الأمية ، ومع الجائحة ستزيد الأمية بلا شك.
تغيير دور المؤسسات الدينية
• كانت المؤسسات الدينية شريك للجمعيات الأهلية فى العمل التنموى والتوعوي.. ولكن بعد الإغلاق ما هو البديل المطروح الآن ؟
أرى أن المؤسسة الدينية مازالت حاضرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، فنجد اجتماعاتهم وواعظاتهم مستمرة ، ولكننا نحتاج من القائمين على هذه المؤسسات سواء المسيحية أو الإسلامية أن يجعلوا خطابهم أكثر إنسانية بالاهتمام بظروف الناس المؤلمة الحالية ، ويتوقفوا قليلا عن الحث على التوبة والوعظ، و يعلو في خطابهم الآن الدور التوعوي والتعليمي والاقتراب من الناس ليكون ذلك جزءًا أساسيًا من هذه اللقاءات، مع تعليم اساسيات الوقاية من المرض ، فمع الظروف الحالية نجد ضروريات أخرى تعلو ، وعلى كافة المؤسسات التكاتف للمساندة.
التطرف ودور المؤسسات الثقافية و الإعلام
• كانت الثقافة والفن ومازالت إحدى محاور التعليم والتنمية المجتمعية.. كيف ترى ذلك مع محاولة بعض المؤسسات الثقافية مثل الأوبرا فى بث حفلاتها على الهواء أو خلال مواقع الانترنت ؟
جهد جيد ولكنه مرتبط بفئة معينة ويحتاج إلى استخدام آليات جديدة ومبدعة ليصل للأغلبية العظمى من المجتمع ، فما زالت قضية الثقافة والفن مثلها مثل القضية السكانية في هذه الآونة لم تحتل الاهتمام الكافي .
ولكن مشكلة الثقافة أنها تتأثر بعوامل كثيرة منها الفكر الديني المتطرف، الإعلام المشوه ، وهذا ينقلنا إلى قضية التعليم في مصر ، فمع غياب التعليم والمناهج التعليمية والمحتوى التعليمي الذي لا يبني ثقافة الطفل والذي يعتمد على مواد كالتاريخ والجغرافيا والحساب واللغة العربية وهي مواد هامة جدًا لكنها لا ترتبط ببناء ثقافة الطفل التي تقوم على الانفتاح وحرية التعبير والتفكير النقدي، وغير ذلك من طرق التفكير والبحث وهذا غير موجود في أساليب التعليم الموجودة حاليا، فكلها تقريبا تعتمد على النقل والحفظ .
ولكي يستطيع المجتمع المدني أن يؤثر في هذا المجال عليه أن يقيم ذلك ويخلق آليات جديدة ، وإن كان العمل يحتاج تواصل مجتمعي من جميع الفئات لبناء ثقافة تعتمد على الحوار وقبول الاختلاف إلى غير ذلك واعتقد أن هذا يحتاج جهودا مضنية وسط هذه الأولويات التي طرأت علينا .
• ولكن هل يمكن أن تساعد فترة التباعد الاجتماعي الحالية على خلق أفكار أو خطط جديدة وكيف ؟
اتمنى ذلك من استغلال هذا الوقت فى عمل نماذج يمكن ان تتكرر او تنفذ وهناك جمعيات تستطيع عمل ذلك .
تفاقم القضية السكانية بعد الجائحة
• القضية السكانية أو الانفجار السكاني من أهم القضايا التي عملت عليها الجمعيات الأهلية ، والتي نعاني من تبعاتها إلى اليوم .. هل تراجعت الاهمية بها مع أزمة كورونا ؟
يبدو لي أن القضية السكانية سقطت أيضا من الاهتمام ، أرى أن المجتمع المدني تناسى هذه القضية التي ستكون أزمة كبيرة جدًا في السنوات القادمة، إذا لم تنتبه الدولة والمجتمع المدني للانفجار السكاني ، لذا على المجتمع المدني أن يدلو بدلوه في القضية السكانية مثلما حدث قبل ذلك في الثمانينات ، حيث كانت القضية السكانية على أعلى المستويات من الاهتمام وعلى كافة المستويات سواء الدولة أو المجتمع المدني والقطاع الخاص وحققنا بها نجاحات كبيرة .
والآن القضية السكانية على كافة الاتجاهات خارج كل الاهتمامات وأتمنى الالتفات إلى هذه القضية .
• يعتبر الإعلام أحد روافد التنمية المجتمعية.. كيف يمكن استخدامه أو توجيهه في أزمة جائحة كورونا ؟
هناك مشكلة في الإعلام وهو سيطرة القنوات الخاصة ، والتنمية المجتمعية ليست في نطاق اهتماماتهم أما القنوات المحلية فهي محدودة التأثير جدًا ، وإن كان دوره مهم جدًا خاصة في قضايا الثقافة والأمية و القضية السكانية والتوعية الصحية، وإن كان يعملوا بشكل محدود في التوعية الصحية، والإعلام عليه دور كبير عليه أن يتحمله .
الجمعيات في القرى والنجوع بعد كورونا
• تلعب مؤسسات المجتمع المدني ضمن دورها التنموى والتوعوي ، تغيير العادات الاجتماعية السلبية بالنزول إلى القرى والنجوع.. كيف يتم ذلك في ظل التباعد الاجتماعي الذي أوجدته الجائحة ؟
تستطيع هذه المؤسسات من خلال المواقع الإلكترونية مثل برنامج زووم مثلا عمل اجتماعاتها مع فريق عملها ، نستطيع إذا أردنا ، وبقدر الإمكان من خلال شركائها في المناطق التي تعمل بها مع اتباع طرق الوقاية الصحية المعلنة القيام بدورها في التوعية الصحية والاستمرار في حملاتها ضد العادات السلبية .
تراجع التبرعات مع الإعلانات
• يبرز العمل الفردي دائما في أوقات الأزمات.. كيف نستطيع استغلاله في هذه الظروف إذا كنا نعتبره جزء من العمل الأهلى ؟
يوجد هجمة شديدة الآن على التبرعات والاعلانات الموجودة الآن، نظرًا لمشاهد المباني الفاخرة جدًا و كلها أشكال أعتقد أنها ربما تؤدي إلى إحجام الكثيرين عن التبرع ، وفى رأيي أن التبرعات ستتقلص ولكن ستستمر ، لأن الناس تحتاج أن ترى أشياء ملموسة ، فمثلا التبرع للمدارس والمستشفيات مهم جدا ، ولكن الفكرة أن الطريقة التي استخدمت أصبحت إلى حد كبير منفرة .
تكامل أم ندية
• دائما كانت مؤسسات المجتمع المدني شريك أساسي مع مؤسسات الدولة في تنمية المجتمع.. ومع الأزمة الحالية هل أصبح الموجود الآن فقط المؤسسات الحكومية واحتجب دور المجتمع المدني؟
ظهر خلال الجائحة تعاون ما بين مؤسسات المجتمع المدنى ومبادرات الدولة وهذا واضح جدًا في قضية العمالة غير المنتظمة، وتشجيعه مهم جدًا ليس فقط على مستوى التنفيذ، بل وأيضا على مستوى التفكير للعمل سويا في المستقبل، ومن خلال الأولويات والاحتياجات ، وعلى المجتمع المدني أن يمد يده للدولة وخلق شراكة حقيقة لجعل المجتمع المدني ومؤسسات الدولة يد واحدة ، أن عدد مؤسسات المجتمع المدنى يصل الى حوالى 50 ألف جمعية وهناك جمعيات نشطة ولها أعمال كبيرة في المجتمع ، وأصبح المجتمع المدني شريك مهم جدًا وعلى الدولة النظر له على أنه شريك وعلى المجتمع المدني النظر إلى الدولة على أنها شريك وليس ندًا، هذا غير القطاع الخاص الذي عليه أن يفكر بماذا يقدم للدولة فى ظل ظروف هذه الجائحة ، ولا ننكر أن هناك من قدم مساعدات ولكن هناك كثيرين ايضا لم يقوموا بمساندة الدولة في ظل الجائحة وظهر ذلك فى حوارات تقليل العمالة وتخفيض الاجور، لذا كان يجب أن يتم ذلك فى ظل هدف واحد هو مصلحة الدولة ومصلحة المجتمع ككل ، فهناك شيء يسمى العقد الاجتماعى، حيث يربط بين المواطنين عقد اجتماعى وليس فقط المصلحة والمال ، وفى هذه الظروف يجب إعادة النظر في فكرة العقد الاجتماعي.
تقييم عمل الجمعيات
• بعد الظروف الحالية وما نتج عنها من إغلاق المؤسسات والتباعد الاجتماعي.. هل يمكن أن ترصد نسبة جهد العمل الأهلي في مصر الآن ؟
لا نستطيع رصد مدى عمل هذه المؤسسات ، فإذا قلنا أن هناك 20 ألف جمعية تعمل الآن من بين ال50 ألف جمعية ، والذين مازالوا يعملون في ظل هذه الظروف ، فلا أستطيع رصد مدى تأثير عملهم على المجتمع ونتائجه، بالتالي من الصعب التقييم .
ولكن هناك جمعيات تعمل بشكل كبير ومجهود كبير جدًا فى ظل هذه الظروف، مع ظهور احتياجات جديدة ومع تطور الأزمة وزيادة أعداد المصابين .
إيجابيات الجائحة
• أخيرًا .. هل يمكن رصد إيجابيات لهذه الجائحة نظرا لعمل الجمعيات الآن على التوعية والتكافل ؟
أجبرت الجائحة المجتمع على ممارسات مهمة جدًا وأتمنى أن تستمر، بل ويجب التشديد على استمرارها مثل غسل الأيدي والمسئولية الاجتماعية و احترام الخصوصيات الشخصية بين الناس ، كما اكتشفت بعض القيم خلال الجائحة ويمكن تعزيزها مثل التكافل الاجتماعي والحرص على سلامة الآخر والسؤال عليه.
ونؤكد إذا كانت مواقع التواصل الاجتماعى استخدمت بشكل أكبر فى هذه الفترة، فهي سلاح ذو حدين فهى اليه للتواصل يمكن أن تكون للشر ويمكن أن تكون للخير ، لذا علينا أن نتدرب أن تكون للخير ، مثلما يحدث مثلا في بعض أخبار منظمة الصحة العالمية وتغيير بعض المصطلحات مما يؤدى الى انتشار بعض الأخبار الكاذبة ويضر بالمجتمع ، وان كان خلال الجائحة استخدم فى التواصل بين الأسر ورؤية بعضهم البعض من خلال هذه البرامج الإليكترونية .