أنطون سيدهم.. وقضايا التعليم
عندما وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها في سنة 1945, وخرجت منها اليابان منهزمة واحتلتها جيوش الولايات المتحدة الأمريكية, تدارس الموقف اليابانيون ووجدوا أن السبب الرئيسي في هزيمتهم هو تخلفهم تكنولوجيا عن الدول الغربية وخصوصا أمريكا ولعلاج ذلك قاموا بإصلاح التعليم إصلاحا جذريا, لأنه هو المسئول عن إمداد البلاد برجال المستقبل الذين سيبنون بلادهم بناء متقدما يمكنهم من السير بوطنهم بخطي سريعة نحو الطريق السليم, ينهضون باقتصاده الذي عليه يبني مستقبل البلاد.
هذا ما حدث فعلا فتخرجت من معاهد التعليم المختلفة أجيال من الشباب الكفء والقدير الذي عمل بعلم وتفان في جميع نواحي النشاط الصناعي والاقتصادي للبلاد ووصل بها إلي منافسة الدول الأوروبية والغربية في عقر دارها, مما حعل الدول الأوروبية تحاول وقف منافستها بدون فائدة, وكذا صناعة الكومبيوتر التي كانت أمريكا تسيطر علي صناعتها وتقدمها, فإن الأخبار عن هذه الشركات مؤلمة فبعضها انهار تماما وبعضها علي وشك الإنهيار أمام المنافسة اليابانية الكاسحة في هذا المجال وهكذا الصناعات الأخري, مما جعل فائض الميزان التجاري الياباني يبلغ أرقاما فلكية, وأن من أهم أسباب هذا التفوق الرائع هو إصلاح التعليم الذي أصبح من أحسن نظم التعليم في العالم بأجمعه.
وفي السنين الأخيرة قامت قائمة الدول الغربية وعلي رأسها الولايات المتحدة الأمريكية, لدراسة ووضع أنظمة وبرامج جديدة للتعليم ليتمشي مع تكنولوجيا القرن الواحد والعشرين, بعد أن وجدت أن نظم التعليم بها لا تتناسب مع التطورات التي ستأتي بها السنوات القادمة من تقدم سريع ومذهل, هذا بالرغم من ارتفاع مستوي التعليم حاليا في هذه البلاد.
أما في مصر فقد وصل التعليم إلي حالة يرثي لها, فهو لم يتقدم بل تأخر تأخرا كبيرا, فالمدارس وخصوصا الحكومية منها أصبح أغلب مبانيها في حالة يرثي لها فهي متهرئة متهدمة ودورات المياه بها لا تصلح للاستعمال بتاتا, مما جعل هذه المدارس من الصعب إصلاحها بل يجب هدمها وإعادة بنائها من جديد, كما أن أثاثها أصبح محطما ومستهلكا, هذه المدارس لا تصلح بتاتا للتعليم, كما أنه لا وجود للمعامل والأماكن المعدة لممارسة الأنشطة المختلفة التي تصقل النشء وتدربهم علي الهوايات المختلفة واختفت الملاعب الرياضية وفصول هذه المدارس البائسة مكدسة بالتلاميذ فقد وصل عددهم إلي ستين تلميذا وأحيانا يبلغون المائة, بدون أماكن كافية لجلوسهم أو حتي وقوفهم.
أما المدرسون فغالبيتهم غير مؤهلين التأهيل العلمي والتربوي الواجب توفره فيهم, ولا يمكنهم السيطرة علي الفصول لكثرة عدد التلاميذ وضيق الوقت, إذ أن مدة الدراسة اليومية انكمشت بسبب نظام الفترتين وأحيانا ثلاث فترات مما جعل عملية التعليم صورية ولا فائدة منها.
أما البرامج المكدسة والتي لا داعي لأغلبها فإنها عبء ثقيل علي الطلبة وعائلاتهم, وأصبحت الدراسة عبارة عن صم واستظهار ما تحتويه الكتب عن ظهر قلب حتي كره أبناؤنا الكتب والقراءة والمدارس, مما طمس شخصية الدارسين وقدراتهم, وبذا أصبح التعليم عملية فاشلة تماما.
أما عن التعليم الجامعي فحدث ولا حرج, فقد ازداد عدد الجامعات زيادة كبيرة في الوقت الذي سافر فيه الأساتذة المتمرسون إلي الدول العربية, وبذا فإن أغلب الموجودين غير مؤهلين التأهيل الكافي التدريس بالجامعات, كما أن قاعات المحاضرات أصبحت مكدسة بالطلبة الذين يصل عددهم في بعض المحاضرات عدة آلاف, وناهيك بالإتجار في تأليف الكتب والمذكرات كما أصبحت الدروس الخصوصية نكبة الكثير من الكليات, وأحيانا بالعملة الصعبة, وبذا فأصبح التدريس الجامعي تجارة رائجة, وكان الله في عون الطلبة وأولياء أمورهم الذين تضيق ميزانياتهم عن تحمل هذه الأعباء القاسية, فبعد أن كانت الشهادات الجامعية المصرية معترفا بها من جميع الجامعات الأجنبية, أصبحت لا قيمة لها, وبذا فقد تدهور التعليم في مصر من المراحل الأولي حتي المراحل النهائية ـ كان الله في عونك يامصر.